<![CDATA[
مقدمة
الإعلام التكتيكي هو مصطلح ظهر في منتصف التسعينيات لوصف شكل من أشكال النشاط الإعلامي الذي يركز على التدخلات المؤقتة والاستراتيجية في وسائل الإعلام السائدة. يهدف الإعلام التكتيكي إلى تحدي الهيمنة الإعلامية القائمة، وإعادة توجيه الخطاب العام، وتمكين الأصوات المهمشة. إنه نهج عملي ومرن يعتمد على الإبداع والابتكار والاستجابة السريعة للظروف المتغيرة.
تاريخ الإعلام التكتيكي
ظهر مصطلح “الإعلام التكتيكي” في عام 1996 خلال مؤتمر نظمته شبكة الإعلام المستقل (Indymedia) في هولندا. انبثق المفهوم من خلفية نشاطية قوية، مستفيدًا من التطورات السريعة في التكنولوجيا الرقمية. كان الدافع وراء ظهوره هو الإحباط المتزايد من محدودية الوصول إلى وسائل الإعلام التقليدية، والرغبة في إيجاد طرق جديدة للتأثير في الرأي العام.
يمكن تتبع جذور الإعلام التكتيكي إلى حركات ثقافية وسياسية سابقة، مثل:
- حركة الإعلام البديل: التي سعت إلى تقديم وجهات نظر مختلفة عن تلك التي تقدمها وسائل الإعلام الرئيسية.
- حركات الاحتجاج الاجتماعي: التي استخدمت أساليب إبداعية وغير تقليدية لجذب الانتباه إلى قضاياها.
- الفن التخريبي (Culture Jamming): الذي يهدف إلى تعطيل الرسائل التجارية والإعلامية المهيمنة.
مع انتشار الإنترنت وتطور الأدوات الرقمية، أصبح الإعلام التكتيكي أكثر سهولة وفعالية. تمكن النشطاء من إنتاج ونشر محتوى بسرعة وسهولة، والوصول إلى جمهور أوسع، وتنظيم حملات إعلامية مؤثرة.
خصائص الإعلام التكتيكي
يتميز الإعلام التكتيكي بعدة خصائص رئيسية:
- التركيز على التدخلات المؤقتة: بدلاً من بناء مؤسسات إعلامية دائمة، يركز الإعلام التكتيكي على خلق لحظات قصيرة ولكن مؤثرة من التدخل في وسائل الإعلام السائدة.
- الاستراتيجية والمرونة: يعتمد الإعلام التكتيكي على التخطيط الدقيق والتحليل المستمر للظروف، ولكنه أيضًا يتميز بالمرونة والقدرة على التكيف مع التغيرات.
- الإبداع والابتكار: يستخدم الإعلام التكتيكي أساليب إبداعية وغير تقليدية لجذب الانتباه وإيصال الرسائل.
- اللامركزية والتشاركية: غالبًا ما يعتمد الإعلام التكتيكي على شبكات لامركزية من النشطاء والمتطوعين، ويشجع على المشاركة الواسعة.
- الاستخدام الاستراتيجي للتكنولوجيا: يستخدم الإعلام التكتيكي التكنولوجيا الرقمية لإنتاج ونشر المحتوى، وتنظيم الحملات، والتواصل مع الجمهور.
- التأكيد على السياق: يولي الإعلام التكتيكي اهتمامًا كبيرًا بالسياق الاجتماعي والسياسي الذي يتم فيه التدخل، ويسعى إلى استغلال نقاط الضعف في النظام القائم.
أهداف الإعلام التكتيكي
يسعى الإعلام التكتيكي إلى تحقيق مجموعة متنوعة من الأهداف، بما في ذلك:
- تحدي الهيمنة الإعلامية: فضح التحيزات والأجندات الخفية في وسائل الإعلام السائدة، وتقديم وجهات نظر بديلة.
- إعادة توجيه الخطاب العام: تغيير طريقة تفكير الناس في قضايا معينة، وإدخال مفاهيم جديدة إلى النقاش العام.
- تمكين الأصوات المهمشة: إعطاء الفرصة للأفراد والجماعات التي لا تحظى بتمثيل كاف في وسائل الإعلام التقليدية للتعبير عن آرائها.
- تحفيز العمل السياسي والاجتماعي: إلهام الناس لاتخاذ إجراءات ملموسة لمعالجة المشاكل الاجتماعية والسياسية.
- خلق مجتمعات بديلة: بناء شبكات من الأفراد والجماعات التي تشترك في نفس القيم والأهداف، وتدعم بعضها البعض.
أمثلة على الإعلام التكتيكي
هناك العديد من الأمثلة على الإعلام التكتيكي في مختلف أنحاء العالم. بعض الأمثلة البارزة تشمل:
- التخريب الإعلاني (Ad Busting): تعديل الإعلانات التجارية لتعطيل رسائلها الأصلية وفضح التلاعب الذي تمارسه الشركات.
- الاحتجاجات الإعلامية (Media Hoaxes): خلق أحداث وهمية أو معلومات مضللة لجذب انتباه وسائل الإعلام وتسليط الضوء على قضايا معينة.
- الواقعية الموقفية (Situationist Pranks): تنظيم فعاليات مفاجئة وغير متوقعة في الأماكن العامة لتعطيل الروتين اليومي وإثارة التفكير النقدي.
- حرب المعلومات (Information Warfare): استخدام التكنولوجيا الرقمية لتعطيل أو تشويه المعلومات التي تنشرها الجهات المعادية.
- المقاطعة الإعلامية (Media Boycotts): تنظيم حملات لمقاطعة وسائل الإعلام التي تروج لأجندات ضارة أو تنتهك حقوق الإنسان.
- إنتاج الأخبار البديلة (Alternative News Production): إنشاء مواقع إخبارية ومنصات إعلامية تقدم وجهات نظر مختلفة عن تلك التي تقدمها وسائل الإعلام الرئيسية.
على سبيل المثال، يمكن اعتبار حملة “أوقفوا كوني 2012” (Kony 2012) مثالًا على الإعلام التكتيكي، حيث استخدمت مقاطع الفيديو الفيروسية ووسائل التواصل الاجتماعي لجذب الانتباه إلى جرائم الحرب التي ارتكبها جوزيف كوني في أوغندا. على الرغم من الانتقادات التي وجهت للحملة، إلا أنها نجحت في إثارة نقاش واسع حول العدالة الدولية وحقوق الإنسان.
تحديات الإعلام التكتيكي
يواجه الإعلام التكتيكي عددًا من التحديات، بما في ذلك:
- الشرعية والمصداقية: غالبًا ما يواجه الإعلام التكتيكي اتهامات بالتلاعب أو التضليل، مما قد يقوض مصداقيته وتأثيره.
- الرقابة والقمع: قد تتعرض أنشطة الإعلام التكتيكي للرقابة والقمع من قبل الحكومات أو الشركات التي تستهدفها.
- الاستيعاب: قد يتم استيعاب أساليب الإعلام التكتيكي من قبل وسائل الإعلام السائدة أو الشركات، مما يفقدها فعاليتها.
- الاستدامة: غالبًا ما يكون الإعلام التكتيكي مؤقتًا وغير مستدام، مما يجعله غير قادر على تحقيق تغيير طويل الأمد.
- التقييم: من الصعب قياس تأثير الإعلام التكتيكي بشكل دقيق، مما يجعل من الصعب تحديد ما إذا كان فعالًا أم لا.
- الأخلاقيات: يثير الإعلام التكتيكي قضايا أخلاقية معقدة، مثل حدود حرية التعبير، والحق في الخصوصية، والمسؤولية عن نشر المعلومات.
مستقبل الإعلام التكتيكي
من المرجح أن يستمر الإعلام التكتيكي في التطور والتكيف مع التغيرات في التكنولوجيا والمجتمع. مع تزايد أهمية وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية، سيصبح الإعلام التكتيكي أكثر سهولة وفعالية. ومع ذلك، سيواجه الإعلام التكتيكي أيضًا تحديات جديدة، مثل انتشار المعلومات المضللة (Fake News) والخوارزميات التي تتحكم في تدفق المعلومات.
لتحقيق النجاح في المستقبل، يجب على ممارسي الإعلام التكتيكي أن يكونوا مبدعين واستراتيجيين وأخلاقيين. يجب عليهم أيضًا أن يكونوا قادرين على التكيف مع التغيرات السريعة في المشهد الإعلامي، وأن يكونوا على دراية بالقضايا الأخلاقية والقانونية التي تنطوي عليها أنشطتهم.
خاتمة
الإعلام التكتيكي هو شكل من أشكال النشاط الإعلامي الذي يركز على التدخلات المؤقتة والاستراتيجية في وسائل الإعلام السائدة. يهدف الإعلام التكتيكي إلى تحدي الهيمنة الإعلامية القائمة، وإعادة توجيه الخطاب العام، وتمكين الأصوات المهمشة. على الرغم من التحديات التي يواجهها، يظل الإعلام التكتيكي أداة قوية للتغيير الاجتماعي والسياسي.