الخلفية
بحلول صيف عام 1944، كان الجيش الأحمر قد حقق تقدمًا كبيرًا على الجبهة الشرقية، ودفع القوات الألمانية إلى الوراء عبر أوكرانيا وبيلاروسيا. ومع ذلك، ظلت مجموعة الجيوش الشمالية الألمانية متحصنة في منطقة البلطيق، والتي تضم إستونيا ولاتفيا وليتوانيا وأجزاء من روسيا البيضاء وروسيا. كانت هذه المنطقة ذات أهمية استراتيجية للألمان، لأنها زودتهم بقواعد بحرية وسمحت لهم بالسيطرة على بحر البلطيق.
كانت دول البلطيق نفسها قد احتلت من قبل الاتحاد السوفيتي في عام 1940، ثم غزتها ألمانيا في عام 1941. عانى السكان المحليون من كلا النظامين، حيث ارتكب السوفييت والألمان الفظائع. ونتيجة لذلك، كان هناك شعور قوي بالعداء تجاه كل من الاتحاد السوفيتي وألمانيا في دول البلطيق.
الأهداف
كان الهدف الرئيسي لهجوم البلطيق هو تدمير مجموعة الجيوش الشمالية الألمانية وتحرير دول البلطيق من الاحتلال الألماني. كان لدى القادة السوفييت أيضًا أهداف أخرى، مثل:
- قطع مجموعة الجيوش الشمالية عن بقية القوات الألمانية.
- السيطرة على الموانئ والمنشآت البحرية في منطقة البلطيق.
- تهيئة الظروف لغزو بروسيا الشرقية.
القوات المشاركة
شارك في هجوم البلطيق عدد كبير من القوات من كلا الجانبين. كان لدى الجيش الأحمر أربع جبهات مشاركة:
- جبهة البلطيق الأولى (تحت قيادة الجنرال إيفان باجراميان)
- جبهة البلطيق الثانية (تحت قيادة الجنرال أندريه يريومينكو)
- جبهة البلطيق الثالثة (تحت قيادة الجنرال إيفان ماسلينيكوف)
- جبهة لينينغراد (تحت قيادة الجنرال ليونيد جوفوروف)
بلغ إجمالي عدد القوات السوفيتية المشاركة في الهجوم أكثر من 900,000 جندي، مدعومين بالآلاف من الدبابات والطائرات والمدفعية.
من جانب الألمان، كانت مجموعة الجيوش الشمالية (تحت قيادة الجنرال فرديناند شورنر) مسؤولة عن الدفاع عن منطقة البلطيق. كان لدى مجموعة الجيوش الشمالية حوالي 700,000 جندي تحت تصرفها، لكنها كانت تعاني من نقص في المعدات والتعزيزات.
مسار الهجوم
بدأ هجوم البلطيق في 14 سبتمبر 1944 بهجوم على مواقع الألمان بالقرب من ريغا. اخترقت الجبهة الأولى للبلطيق الدفاعات الألمانية وبدأت في التقدم نحو العاصمة اللاتفية. في الوقت نفسه، شنت الجبهتان الثانية والثالثة للبلطيق هجمات على المواقع الألمانية في إستونيا وليتوانيا.
واجه الألمان مقاومة عنيدة، لكنهم لم يتمكنوا من وقف التقدم السوفيتي. بحلول نهاية سبتمبر، تمكن الجيش الأحمر من اختراق الخطوط الألمانية في عدة أماكن والتقدم إلى عمق منطقة البلطيق. في 13 أكتوبر، تم تحرير ريغا، وفي 22 سبتمبر، تم تحرير تالين، عاصمة إستونيا.
مع تقدم الجيش الأحمر، أصبحت مجموعة الجيوش الشمالية الألمانية مهددة بشكل متزايد بالقطع. في محاولة لتجنب التطويق، بدأ شورنر في سحب قواته من إستونيا وليتوانيا. ومع ذلك، تمكن الجيش الأحمر من قطع طريق الهروب الألماني عبر كورلاند، مما أدى إلى محاصرة عشرات الآلاف من الجنود الألمان في جيب كورلاند.
واصل الجيش الأحمر الضغط على الألمان المتبقين في منطقة البلطيق. تم تحرير ميميل (كلايبيدا) في 28 يناير 1945، وفي 13 أبريل، سقطت كونيغسبرغ (كالينينغراد) بعد حصار طويل.
معركة كورلاند
كان جيب كورلاند آخر معقل للمقاومة الألمانية في منطقة البلطيق. حوصرت القوات الألمانية في كورلاند من قبل الجيش الأحمر وظلت تقاتل حتى نهاية الحرب في مايو 1945. على الرغم من الظروف اليائسة، تمكن الألمان من صد العديد من الهجمات السوفيتية وتجنب الاستسلام. استسلمت القوات الألمانية في كورلاند أخيرًا في 9 مايو 1945.
النتائج
كان هجوم البلطيق انتصارًا كبيرًا للجيش الأحمر. تمكن السوفييت من تحرير دول البلطيق من الاحتلال الألماني واستعادة السيطرة عليها. كما تمكنوا من إلحاق خسائر فادحة بمجموعة الجيوش الشمالية الألمانية وتدمير جزء كبير من قوتها القتالية.
كان لهجوم البلطيق أيضًا آثار سياسية كبيرة. أدت إعادة احتلال دول البلطيق من قبل الاتحاد السوفيتي إلى ضم هذه الدول إلى الاتحاد السوفيتي. لم يتم الاعتراف بهذا الضم أبدًا من قبل معظم الدول الغربية، التي اعتبرت دول البلطيق دولًا محتلة بشكل غير قانوني.
الخسائر
تكبد كلا الجانبين خسائر فادحة خلال هجوم البلطيق. تشير التقديرات إلى أن الجيش الأحمر فقد أكثر من 280,000 جندي قتيل وجريح ومفقود. تكبد الألمان خسائر مماثلة، حيث قتل أو جرح أو أسر مئات الآلاف من الجنود.
عانت المدنيون في دول البلطيق أيضًا بشكل كبير خلال الهجوم. قُتل أو شرد الآلاف من المدنيين بسبب القتال، وتعرضت العديد من المدن والبلدات لأضرار جسيمة.
أهمية هجوم البلطيق
يعتبر هجوم البلطيق علامة فارقة في الحرب العالمية الثانية. أدى الهجوم إلى تحرير دول البلطيق من الاحتلال الألماني ولعب دورًا مهمًا في الهزيمة النهائية لألمانيا النازية. كما كان للهجوم عواقب بعيدة المدى على تاريخ دول البلطيق، حيث أدى إلى ضمها إلى الاتحاد السوفيتي.
لا يزال هجوم البلطيق موضوعًا للدراسة والنقاش بين المؤرخين. يجادل البعض بأن الهجوم كان ضروريًا لتحرير دول البلطيق من الاحتلال الألماني، بينما يرى آخرون أنه كان عملاً من أعمال العدوان السوفيتي.
الآثار السياسية طويلة المدى
بعد الحرب، أصبحت دول البلطيق جزءًا من الاتحاد السوفيتي، وهو وضع لم يتم الاعتراف به عالميًا. استمرت دول البلطيق في النضال من أجل استقلالها، وفي عام 1991، استعادت كل من إستونيا ولاتفيا وليتوانيا استقلالها مع انهيار الاتحاد السوفيتي. تظل ذكرى هجوم البلطيق حية في الذاكرة الجماعية لدول البلطيق، حيث تذكرهم بتضحيات الماضي وأهمية الحفاظ على سيادتهم.
خاتمة
كان هجوم البلطيق عملية عسكرية معقدة وواسعة النطاق أسفرت عن تحرير دول البلطيق من الاحتلال الألماني، ولكنها أدت أيضًا إلى ضمها لاحقًا إلى الاتحاد السوفيتي. شهدت هذه الحملة خسائر فادحة من كلا الجانبين وكان لها تأثير عميق على المنطقة بأسرها. لا تزال آثار هجوم البلطيق محسوسة حتى اليوم، حيث تتصارع دول البلطيق مع إرث الماضي وتسعى إلى مستقبل مزدهر ومستقل.