<![CDATA[
مقدمة
قضية جوميليون ضد لايتفوت، 364 U.S. 339 (1960)، كانت قرارًا تاريخيًا للمحكمة العليا في الولايات المتحدة، حيث قضت بأن تغيير حدود مدينة توسكيجي، ألاباما، كان غير دستوري لأنه حرم فعليًا الناخبين السود من حقهم في التصويت. تعتبر هذه القضية علامة فارقة في تاريخ حقوق التصويت في الولايات المتحدة، حيث أكدت على أن التلاعب بالدوائر الانتخابية (gerrymandering) الذي يستهدف الأقليات العرقية بشكل خاص هو انتهاك للتعديل الخامس عشر للدستور الأمريكي.
خلفية القضية
في عام 1957، أصدر المجلس التشريعي لولاية ألاباما القانون رقم 140، والذي أعاد تحديد حدود مدينة توسكيجي. قبل هذا القانون، كانت مدينة توسكيجي ذات شكل مربع تقريبًا. ومع ذلك، قام القانون بإعادة تشكيل المدينة إلى شكل غير منتظم ذي 28 جانبًا، مما أدى إلى إخراج جميع الناخبين السود تقريبًا من حدود المدينة مع الاحتفاظ بجميع الناخبين البيض تقريبًا. كان الهدف الواضح من هذا القانون هو حرمان الناخبين السود من حقهم في التصويت في انتخابات المدينة.
رفع تشارلز جوميليون، إلى جانب ناخبين سود آخرين، دعوى قضائية ضد فيل إم لايتفوت، رئيس بلدية توسكيجي، مدعيين أن القانون رقم 140 ينتهك التعديلين الرابع عشر والخامس عشر للدستور الأمريكي. جادل المدعون بأن القانون كان يهدف إلى التمييز ضدهم على أساس العرق وحرمانهم من حقهم في التصويت.
الإجراءات القانونية
في البداية، رفضت محكمة المقاطعة الأمريكية في ألاباما الدعوى، معتبرة أن المحاكم ليس لها سلطة التدخل في مسائل إعادة تقسيم الدوائر الانتخابية. استأنف المدعون هذا القرار أمام محكمة الاستئناف الأمريكية للدائرة الخامسة، التي أيدت قرار المحكمة الابتدائية.
بعد ذلك، قدم المدعون التماسًا إلى المحكمة العليا في الولايات المتحدة للاستماع إلى القضية. وافقت المحكمة العليا على النظر في القضية، وتمت المرافعة الشفهية في 8 نوفمبر 1960.
قرار المحكمة العليا
في 14 نوفمبر 1960، أصدرت المحكمة العليا حكمها بالإجماع لصالح جوميليون. كتب القاضي فرانكفورتر رأي المحكمة، الذي أوضح أن القانون رقم 140 كان غير دستوري لأنه انتهك التعديل الخامس عشر للدستور. وأشار القاضي فرانكفورتر إلى أن التعديل الخامس عشر يحظر على الولايات حرمان أي مواطن من حق التصويت أو تقييده بناءً على العرق أو اللون أو حالة العبودية السابقة.
أقرت المحكمة بأن إعادة تقسيم الدوائر الانتخابية هي عمومًا مسألة سياسية يجب على المحاكم تجنبها. ومع ذلك، أوضحت المحكمة أن هذا المبدأ لا ينطبق عندما تكون إعادة تقسيم الدوائر الانتخابية تهدف إلى التمييز ضد الأقليات العرقية وحرمانهم من حقهم في التصويت. وذكرت المحكمة أن القانون رقم 140 كان مثالًا واضحًا على هذا التمييز، حيث كان يهدف صراحةً إلى إخراج جميع الناخبين السود تقريبًا من حدود مدينة توسكيجي.
أكدت المحكمة أن الحق في التصويت هو حق أساسي، وأن أي قانون يهدف إلى تقييد هذا الحق يجب أن يخضع لتدقيق قضائي صارم. وخلصت المحكمة إلى أن القانون رقم 140 لم يستوف هذا التدقيق، وبالتالي كان غير دستوري.
أهمية القضية وتأثيرها
تعتبر قضية جوميليون ضد لايتفوت علامة فارقة في تاريخ حقوق التصويت في الولايات المتحدة لعدة أسباب:
- أكدت على أن التلاعب بالدوائر الانتخابية الذي يستهدف الأقليات العرقية هو انتهاك للدستور: قبل هذه القضية، كان يُنظر إلى التلاعب بالدوائر الانتخابية على أنه مسألة سياسية يجب على المحاكم تجنبها. ومع ذلك، أوضحت المحكمة العليا في قضية جوميليون ضد لايتفوت أن التلاعب بالدوائر الانتخابية الذي يهدف إلى التمييز ضد الأقليات العرقية وحرمانهم من حقهم في التصويت هو انتهاك للتعديل الخامس عشر.
- مهدت الطريق لتحدي قوانين أخرى تقيد حقوق التصويت: بعد قضية جوميليون ضد لايتفوت، تم استخدامها كسابقة قانونية لتحدي قوانين أخرى تقيد حقوق التصويت للأقليات العرقية. على سبيل المثال، تم استخدامها لتحدي قوانين تسجيل الناخبين التي كانت تميل إلى حرمان الناخبين السود من حقهم في التصويت.
- ساهمت في تعزيز حقوق التصويت للأقليات العرقية: ساهمت قضية جوميليون ضد لايتفوت في تعزيز حقوق التصويت للأقليات العرقية في الولايات المتحدة. من خلال التأكيد على أن التلاعب بالدوائر الانتخابية الذي يستهدف الأقليات العرقية هو انتهاك للدستور، ساعدت المحكمة العليا في حماية حق التصويت للأقليات العرقية.
كان لهذه القضية تأثير كبير على قانون حقوق التصويت لعام 1965. ساعدت القضية في إقناع الكونجرس بضرورة اتخاذ إجراءات لحماية حقوق التصويت للأقليات العرقية في الجنوب. أدى قانون حقوق التصويت لعام 1965 إلى إلغاء العديد من القوانين التي كانت تستخدم لحرمان الناخبين السود من حقهم في التصويت، مما أدى إلى زيادة كبيرة في عدد الناخبين السود المسجلين في الجنوب.
التعديل الخامس عشر للدستور الأمريكي
ينص التعديل الخامس عشر للدستور الأمريكي على ما يلي:
“لا يجوز للولايات المتحدة أو لأي ولاية أن تنكر أو تحد من حق مواطني الولايات المتحدة في التصويت على أساس العرق أو اللون أو حالة العبودية السابقة.”
تم التصديق على التعديل الخامس عشر في عام 1870، بعد الحرب الأهلية الأمريكية. كان الهدف من التعديل هو حماية حقوق التصويت للأمريكيين الأفارقة الذين تم تحريرهم من العبودية.
ومع ذلك، بعد التصديق على التعديل الخامس عشر، سنت العديد من الولايات الجنوبية قوانين تهدف إلى حرمان الناخبين السود من حقهم في التصويت. وشملت هذه القوانين ضريبة الرأس، واختبارات الإلمام بالقراءة والكتابة، وشرط “الجد”. تم استخدام هذه القوانين بفعالية لحرمان الناخبين السود من حقهم في التصويت لعقود.
لعبت قضية جوميليون ضد لايتفوت دورًا مهمًا في تحدي هذه القوانين وتعزيز حقوق التصويت للأمريكيين الأفارقة.
قضايا مماثلة
هناك العديد من القضايا الأخرى التي تتعلق بالتلاعب بالدوائر الانتخابية وحقوق التصويت للأقليات العرقية. بعض الأمثلة على ذلك:
- بوش ضد فيرا (Bush v. Vera): قضية من عام 1996 نظرت فيها المحكمة العليا في دستورية بعض الدوائر الانتخابية في ولاية تكساس. قضت المحكمة بأن بعض هذه الدوائر كانت غير دستورية لأنها تم تصميمها على أساس العرق.
- شو ضد رينو (Shaw v. Reno): قضية من عام 1993 نظرت فيها المحكمة العليا في دستورية الدوائر الانتخابية التي تم تصميمها لخلق أغلبية سوداء. قضت المحكمة بأن بعض هذه الدوائر كانت غير دستورية لأنها كانت تفصل الناخبين على أساس العرق.
- ليجاك ضد ويساك (League of United Latin American Citizens v. Perry): قضية من عام 2006 نظرت فيها المحكمة العليا في دستورية إعادة تقسيم الدوائر الانتخابية في ولاية تكساس. قضت المحكمة بأن بعض هذه الدوائر كانت غير دستورية لأنها كانت تهدف إلى تقليل قوة التصويت للأقليات اللاتينية.
توضح هذه القضايا أن التلاعب بالدوائر الانتخابية وحقوق التصويت للأقليات العرقية هي قضايا معقدة ومثيرة للجدل. تواصل المحاكم النظر في هذه القضايا في جميع أنحاء الولايات المتحدة.
تحديات مستمرة
على الرغم من التقدم الكبير الذي تم إحرازه في مجال حقوق التصويت في الولايات المتحدة، لا تزال هناك تحديات مستمرة. بعض هذه التحديات تشمل:
- قوانين تحديد هوية الناخبين: سنت العديد من الولايات قوانين تتطلب من الناخبين إبراز هوية صالحة قبل التصويت. يجادل البعض بأن هذه القوانين تهدف إلى حرمان الناخبين الفقراء والأقليات من حقهم في التصويت.
- تقليل عدد صناديق الاقتراع وأماكن التصويت: في بعض الولايات، تم تقليل عدد صناديق الاقتراع وأماكن التصويت، مما جعل التصويت أكثر صعوبة بالنسبة للناخبين، وخاصة في المناطق التي تسكنها الأقليات.
- التلاعب بالدوائر الانتخابية: لا يزال التلاعب بالدوائر الانتخابية يمثل مشكلة في الولايات المتحدة. تستخدم بعض الولايات التلاعب بالدوائر الانتخابية لتقليل قوة التصويت للأقليات العرقية.
من المهم أن نواصل العمل لحماية حقوق التصويت لجميع المواطنين في الولايات المتحدة.
خاتمة
تظل قضية جوميليون ضد لايتفوت حجر الزاوية في قانون حقوق التصويت في الولايات المتحدة. لقد أكدت على أن التلاعب بالدوائر الانتخابية الذي يستهدف الأقليات العرقية هو انتهاك للدستور، ومهدت الطريق لتحدي قوانين أخرى تقيد حقوق التصويت. على الرغم من التقدم الكبير الذي تم إحرازه، لا تزال هناك تحديات مستمرة لحقوق التصويت في الولايات المتحدة، مما يستدعي بذل جهود مستمرة لحماية هذا الحق الأساسي لجميع المواطنين.