تاريخ اكتشاف البردية
تم اكتشاف بردية بريس في مدينة طيبة (الأقصر حاليًا) في مصر في أوائل القرن التاسع عشر. عُثر عليها ضمن مجموعة من البرديات في مقبرة أحد النبلاء. بعد اكتشافها، تم شراء البردية من قبل الدبلوماسي الفرنسي إميل بريس d’Avennes، الذي حملت البردية اسمه تكريمًا له. في عام 1839، قام بريس بتقديم البردية إلى المكتبة الوطنية الفرنسية في باريس، حيث لا تزال محفوظة حتى اليوم.
وصف البردية
بردية بريس عبارة عن لفيفة من البرديات يبلغ طولها حوالي 3 أمتار وعرضها حوالي 22 سم. كتبت بالخط الهيراطيقي، وهو شكل مبسط من الكتابة الهيروغليفية كان يستخدم في الكتابة اليومية. تتكون البردية من جزأين رئيسيين، هما:
- تعليمات كاجمني: وهي مجموعة من النصائح والحكم الأخلاقية المنسوبة إلى كاجمني، وهو شخصية غير معروفة على وجه التحديد، ولكن يُعتقد أنه كان مسؤولًا في عهد الملك سنفرو من الأسرة الرابعة.
- تعاليم بتاح حتب: وهي الجزء الأكبر والأكثر شهرة في البردية، وهي مجموعة من النصائح والإرشادات التي كتبها الوزير بتاح حتب لابنه، وتغطي موضوعات متنوعة مثل السلوك الحسن، والأخلاق الحميدة، والعلاقات الاجتماعية، والتعامل مع السلطة، وكيفية تحقيق السعادة والنجاح في الحياة.
تعتبر بردية بريس من أقدم الأمثلة على أدب الحكمة في العالم، وهي تقدم لنا رؤية فريدة من نوعها حول قيم ومعتقدات المصريين القدماء.
أهمية بردية بريس
تكمن أهمية بردية بريس في جوانب متعددة، منها:
- القيمة التاريخية: تقدم البردية معلومات قيمة حول الحياة في مصر القديمة، بما في ذلك نظام الحكم، والطبقات الاجتماعية، والعلاقات الأسرية، والعادات والتقاليد.
- القيمة الأدبية: تعتبر البردية مثالًا رائعًا على الأدب المصري القديم، وتعكس أسلوب الكتابة والنثر في تلك الفترة. النصوص مكتوبة بأسلوب واضح ومباشر، وتحتوي على العديد من الاستعارات والتشبيهات التي تضفي عليها جمالًا فنيًا.
- القيمة الفلسفية والأخلاقية: تقدم البردية مجموعة من النصائح والحكم التي تهدف إلى توجيه القارئ نحو حياة أفضل وأكثر سعادة. تركز هذه النصائح على أهمية الصدق، والأمانة، والاحترام، والتواضع، والتحكم في النفس.
- القيمة التعليمية: تُستخدم البردية كمصدر تعليمي للطلاب والباحثين المهتمين بالحضارة المصرية القديمة، حيث توفر لهم رؤية مباشرة على الفكر والثقافة في تلك الحقبة.
محتوى بردية بريس بالتفصيل
كما ذكرنا، تتكون البردية من جزأين رئيسيين، ولكل منهما أهميته:
تعليمات كاجمني
تبدأ البردية بجزء صغير نسبياً يسمى “تعليمات كاجمني”. على الرغم من أنه جزء صغير، إلا أنه يمثل مثالاً مبكرًا لأدب الحكمة. يتناول النص موضوعات تتعلق بالحكمة والقيادة، ويوفر نصائح حول كيفية التعامل مع الآخرين في الحياة.
تعاليم بتاح حتب
هذا هو الجزء الأكبر والأكثر أهمية في البردية. يعطي بتاح حتب، وهو وزير في عهد الأسرة الخامسة، لابنه تعليمات حول مختلف جوانب الحياة. تشمل هذه التعليمات:
- السلوك الحسن: يؤكد النص على أهمية التواضع، والتحلي بالصبر، والصدق، والعدالة.
- العلاقات الاجتماعية: يقدم بتاح حتب نصائح حول كيفية التعامل مع الآخرين، بما في ذلك الزعماء، والأشخاص الأكبر سنًا، والأصدقاء، والخدم.
- العمل: يوفر إرشادات حول كيفية إدارة العمل بفعالية، وكيفية التعامل مع الصعوبات.
- السعادة: يؤكد النص على أهمية السعي وراء السعادة، وكيفية تحقيق التوازن في الحياة.
تعكس “تعاليم بتاح حتب” رؤية متفائلة للحياة، وتشجع على السعي وراء الحكمة، والعيش بأسلوب أخلاقي.
بردية بريس: نافذة على الفكر المصري القديم
تعتبر بردية بريس بمثابة نافذة تطل بنا على عالم الفكر المصري القديم. من خلال قراءة هذه البردية، يمكننا أن نفهم بشكل أفضل:
- قيم المجتمع المصري القديم: مثل الاحترام، والصدق، والعدالة، والتواضع.
- أهمية الحكمة: كيف اعتبر المصريون القدماء الحكمة أداة أساسية للنجاح في الحياة.
- العلاقة بين الفرد والمجتمع: كيف رأى المصريون القدماء العلاقة بين الفرد ومسؤولياته تجاه المجتمع.
- نظرتهم إلى الحياة والموت: على الرغم من عدم وجود معلومات مباشرة حول هذه النظرة، يمكننا استنتاج بعض الأفكار من خلال النصائح التي تقدمها البردية.
من خلال هذه البردية، ندرك أن المصريين القدماء لم يكونوا مجرد بناة أهرامات أو صانعي تماثيل؛ بل كانوا مفكرين وفلاسفة، وكانت لديهم نظرة عميقة للحياة والإنسانية.
بردية بريس في العصر الحديث
لا تزال بردية بريس تحظى بأهمية كبيرة في العصر الحديث. يتم دراستها من قبل علماء الآثار، والمؤرخين، وعلماء المصريات، وعلماء الدين. يتم تدريسها في الجامعات والمدارس كجزء من المناهج الدراسية المتعلقة بالحضارة المصرية القديمة. بالإضافة إلى ذلك، تثير البردية اهتمام القراء العامين، الذين يجدون فيها حكمة قيمة وإلهامًا في حياتهم اليومية.
بفضل الترجمات المتعددة، أصبحت البردية متاحة للقراء في جميع أنحاء العالم. وقد ألهمت العديد من الأعمال الفنية، بما في ذلك الروايات، والمسرحيات، والأفلام. تعتبر بردية بريس بمثابة كنز ثقافي، يذكرنا بأهمية الحكمة، والأخلاق، والسعي وراء حياة أفضل.
أهمية الحفاظ على بردية بريس
الحفاظ على بردية بريس أمر بالغ الأهمية للأسباب التالية:
- الحفاظ على التراث الثقافي: البردية تمثل جزءًا لا يتجزأ من التراث الثقافي العالمي، والحفاظ عليها يضمن بقاء هذا التراث للأجيال القادمة.
- تقديم المعرفة والتعليم: البردية توفر لنا معلومات قيمة حول الحضارة المصرية القديمة، وهي أداة تعليمية لا تقدر بثمن للطلاب والباحثين.
- الإلهام والتوجيه: الحكم والنصائح الموجودة في البردية يمكن أن تلهم الناس في العصر الحديث، وتقدم لهم التوجيه في حياتهم الشخصية والمهنية.
- التوعية بأهمية الحفاظ على الآثار: الحفاظ على البردية يسلط الضوء على أهمية الحفاظ على الآثار والمواقع التاريخية الأخرى، ويثير الوعي بأهمية حماية التراث الثقافي.
خاتمة
بردية بريس هي كنز ثمين يطل بنا على عالم الحضارة المصرية القديمة. من خلال دراسة هذه البردية، نتعرف على قيم ومعتقدات المصريين القدماء، ونكتشف حكمة قيمة يمكن أن تفيدنا في حياتنا اليومية. تعتبر البردية مثالًا رائعًا على الأدب والفكر المصري القديم، وتستمر في إلهام وتعليم الناس في جميع أنحاء العالم. الحفاظ على هذه البردية يمثل مسؤولية ثقافية وتاريخية، تضمن استمرارية هذا الإرث الثمين للأجيال القادمة.
المراجع
- The Papyrus Prisse – Louvre Museum
- Papyrus Prisse – British Museum
- Prisse Papyrus – World History Encyclopedia
- Prisse Papyrus – Encyclopedia Britannica
“`