نشأته وتعليمه
ولد إرنست كوهين في أمستردام بهولندا في عام 1869. درس الكيمياء في جامعة أمستردام، وحصل على الدكتوراه عام 1893 تحت إشراف الكيميائي الشهير يوهانس ديديريك فان دير فالس، الحائز على جائزة نوبل في الفيزياء لاحقًا. خلال دراسته، أبدى كوهين اهتمامًا خاصًا بالكيمياء الفيزيائية، وهو مجال يجمع بين مبادئ الكيمياء والفيزياء.
حياته المهنية
بعد حصوله على الدكتوراه، عمل كوهين في جامعة أمستردام كأستاذ مساعد. في عام 1902، انتقل إلى جامعة أوتريخت، حيث أصبح أستاذًا للكيمياء الفيزيائية. بقي في هذا المنصب حتى تقاعده في عام 1939. خلال مسيرته المهنية الطويلة، أشرف كوهين على العديد من طلاب الدكتوراه وأجرى أبحاثًا واسعة النطاق في مختلف مجالات الكيمياء الفيزيائية.
أبحاثه وإسهاماته العلمية
تركزت أبحاث كوهين بشكل أساسي على دراسة التآصل، وهي خاصية وجود العنصر في أكثر من شكل واحد في نفس الحالة الفيزيائية. على سبيل المثال، يمكن أن يوجد الكربون في شكلين متباينين هما الماس والجرافيت. درس كوهين التآصل في العديد من المعادن، بما في ذلك القصدير والرصاص والزرنيخ. اكتشف أن التحولات بين الأشكال المختلفة للعنصر يمكن أن تتأثر بعوامل مثل درجة الحرارة والضغط والضوء.
أهم إسهاماته:
- دراسة التآصل: يعتبر كوهين من الرواد في دراسة التآصل، حيث قدم مساهمات كبيرة في فهمنا للتحولات بين الأشكال المختلفة للعناصر.
- الكيمياء الفيزيائية: ساهم في تطوير الكيمياء الفيزيائية من خلال أبحاثه حول الديناميكا الحرارية وعلم الحركة الكيميائية.
- تاريخ الكيمياء: كان مهتمًا بتاريخ الكيمياء وكتب العديد من المقالات والكتب حول هذا الموضوع.
- تأثير الضوء على التفاعلات الكيميائية: درس تأثير الضوء على بعض التفاعلات الكيميائية، مما فتح الباب أمام فهم أعمق للكيمياء الضوئية.
- قياسات دقيقة للخصائص الفيزيائية: قام بتطوير طرق جديدة لقياس الخصائص الفيزيائية للمواد بدقة عالية، مما ساهم في تحسين جودة البيانات التجريبية في الكيمياء.
مثال على عمله في التآصل: القصدير
أجرى كوهين أبحاثًا مكثفة على التآصل في القصدير، حيث اكتشف أن القصدير يمكن أن يوجد في شكلين متباينين هما القصدير الأبيض (β- القصدير) والقصدير الرمادي (α- القصدير). القصدير الأبيض هو الشكل المستقر في درجات الحرارة العادية، بينما القصدير الرمادي هو الشكل المستقر في درجات الحرارة المنخفضة. اكتشف كوهين أن تحول القصدير الأبيض إلى القصدير الرمادي يمكن أن يتسارع بوجود بعض الشوائب، مثل الكلوريد. هذه الظاهرة تعرف باسم “طاعون القصدير” (Tin pest)، وهي مشكلة كبيرة في الصناعة حيث يمكن أن تتسبب في تدهور المنتجات المصنوعة من القصدير في درجات الحرارة المنخفضة.
بالإضافة إلى أبحاثه حول التآصل، أجرى كوهين أيضًا أبحاثًا في مجالات أخرى من الكيمياء الفيزيائية، مثل الديناميكا الحرارية وعلم الحركة الكيميائية. كان مهتمًا بشكل خاص بدراسة التفاعلات الكيميائية في المحاليل. قام بتطوير طرق جديدة لقياس معدلات التفاعلات الكيميائية ودرس تأثير العوامل المختلفة، مثل درجة الحرارة والضغط والمذيب، على هذه المعدلات.
مؤلفاته
نشر كوهين العديد من الكتب والمقالات العلمية خلال حياته المهنية. من بين أبرز مؤلفاته:
- “دراسات في الكيمياء الفيزيائية” (Studies in Chemical Dynamics)
- “الكيمياء الفيزيائية للتآصل” (Physico-Chemical Metamorphosis and Some Problems in Piezo-Chemistry)
- “تاريخ الكيمياء” (Outlines of Organic Chemistry)
تُرجمت أعماله إلى العديد من اللغات، مما ساهم في نشر أفكاره على نطاق واسع في المجتمع العلمي العالمي.
الجوائز والتكريمات
حصل كوهين على العديد من الجوائز والتكريمات تقديرًا لمساهماته العلمية، بما في ذلك:
- انتخابه زميلاً في الجمعية الملكية في عام 1910.
- حصوله على ميدالية ديفي من الجمعية الملكية في عام 1935.
- حصوله على الدكتوراه الفخرية من جامعة كامبريدج.
معارضته للنازية ووفاته
كان كوهين معارضًا صريحًا للنازية. خلال الحرب العالمية الثانية، رفض مغادرة هولندا على الرغم من تدهور الوضع السياسي. في عام 1944، تم القبض عليه من قبل النازيين وترحيله إلى معسكر الاعتقال أوشفيتز، حيث توفي في اليوم السابق لعيد ميلاده الخامس والسبعين.
تعتبر قصة إرنست كوهين مأساوية، حيث فقد حياته بسبب أفكاره ومعتقداته. ومع ذلك، فإن إرثه العلمي لا يزال حيًا حتى اليوم، ولا يزال عمله يلهم الباحثين في جميع أنحاء العالم.
إرثه
لا يزال إرث إرنست كوهين باقياً في مجال الكيمياء. فقد ساهمت أبحاثه في فهمنا للتآصل والديناميكا الحرارية وعلم الحركة الكيميائية. كما ألهم العديد من الطلاب والباحثين لمتابعة مهن في مجال الكيمياء. يعتبر كوهين شخصية بارزة في تاريخ الكيمياء، وسيظل اسمه مرتبطًا بالاكتشافات العلمية الهامة والمساهمات القيمة في هذا المجال.
خاتمة
إرنست يوليوس كوهين كان كيميائيًا هولنديًا بارزًا، اشتهر بعمله في مجال التآصل والكيمياء الفيزيائية. قدم مساهمات كبيرة في فهمنا للعلاقات بين العناصر والمركبات، وخاصةً فيما يتعلق بالتحولات بين الأشكال المختلفة لنفس العنصر. على الرغم من وفاته المأساوية في معسكر الاعتقال أوشفيتز، فإن إرثه العلمي لا يزال حيًا حتى اليوم، وسيظل اسمه مرتبطًا بالاكتشافات العلمية الهامة والمساهمات القيمة في مجال الكيمياء.