<![CDATA[
مقدمة
مشروع المتابعة (Follow Through) كان أكبر وأغلى مشروع تجريبي في مجال التعليم تم تمويله من قبل الحكومة الفيدرالية الأمريكية. انطلق المشروع في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات من القرن الماضي، واستهدف الأطفال من الأسر ذات الدخل المنخفض في مرحلة ما قبل المدرسة ورياض الأطفال، بهدف مساعدتهم على تحقيق النجاح الأكاديمي على المدى الطويل. كانت الفكرة الأساسية هي “متابعة” المكاسب التي تحققت في برامج مثل “Head Start” والتأكد من أن هؤلاء الأطفال لا يتخلفون عن الركب مع تقدمهم في المراحل التعليمية.
تضمن المشروع مقارنة فعالية نماذج تعليمية مختلفة، حيث تم تطبيق كل نموذج في مواقع مختلفة في جميع أنحاء البلاد. كان الهدف هو تحديد أفضل الممارسات التعليمية التي يمكن أن تساعد الأطفال المحرومين على تحقيق النجاح في المدرسة وخارجها. على الرغم من النوايا الحسنة والاستثمار الكبير، إلا أن مشروع المتابعة أثار جدلاً واسعاً وأسفر عن نتائج متباينة، مما أدى إلى نقاشات مستمرة حول أفضل السبل لدعم تعليم الأطفال المحرومين.
الأهداف والتصميم
كان الهدف الرئيسي لمشروع المتابعة هو تحسين التحصيل الأكاديمي للأطفال من الأسر ذات الدخل المنخفض. تم تصميم المشروع لمعالجة الفجوة التعليمية التي غالباً ما تظهر بين الأطفال من خلفيات مختلفة، وضمان حصول جميع الأطفال على فرصة متساوية للنجاح في المدرسة. لتحقيق هذا الهدف، تم وضع عدة أهداف فرعية:
- تحديد النماذج التعليمية الأكثر فعالية: كان المشروع يهدف إلى مقارنة فعالية النماذج التعليمية المختلفة وتحديد أيها يحقق أفضل النتائج للأطفال المحرومين.
- تحسين المهارات الأساسية: التركيز على تطوير المهارات الأساسية مثل القراءة والكتابة والحساب لضمان استعداد الأطفال للمراحل التعليمية اللاحقة.
- تعزيز التنمية الاجتماعية والعاطفية: بالإضافة إلى التحصيل الأكاديمي، كان المشروع يهدف إلى تعزيز التنمية الاجتماعية والعاطفية للأطفال، مما يساعدهم على بناء علاقات صحية وتطوير مهارات التعامل مع الآخرين.
- إشراك الأسر والمجتمعات: إشراك الأسر والمجتمعات المحلية في العملية التعليمية لضمان دعم الأطفال في المنزل والمدرسة.
تم تصميم مشروع المتابعة على نطاق واسع، حيث شمل أكثر من 170 موقعاً في جميع أنحاء الولايات المتحدة. تم اختيار هذه المواقع لتمثيل تنوعاً جغرافياً واجتماعياً واقتصادياً، مما يسمح بتقييم فعالية النماذج التعليمية المختلفة في سياقات مختلفة. تم اختيار الأطفال المشاركين في المشروع بناءً على معايير محددة، مثل الدخل المنخفض والمشاركة في برامج مثل “Head Start”.
تم تطبيق نماذج تعليمية مختلفة في المواقع المختلفة، وتم جمع البيانات حول التحصيل الأكاديمي والتنمية الاجتماعية والعاطفية للأطفال المشاركين. تم تحليل هذه البيانات لتحديد النماذج التعليمية الأكثر فعالية في تحقيق أهداف المشروع.
النماذج التعليمية المستخدمة
تم استخدام مجموعة متنوعة من النماذج التعليمية في مشروع المتابعة، كل منها يعتمد على فلسفة تربوية مختلفة. بعض النماذج كانت تركز على التعليم المباشر والتدريس المنظم، بينما كانت نماذج أخرى تعتمد على التعلم القائم على الاكتشاف والأنشطة العملية. فيما يلي بعض النماذج التعليمية الرئيسية التي تم استخدامها:
- التعليم المباشر (Direct Instruction): يعتمد هذا النموذج على التدريس المنظم والموجه من قبل المعلم، مع التركيز على المهارات الأساسية والمفاهيم الواضحة. يتم تقديم المعلومات بشكل تدريجي ومنظم، مع توفير الكثير من الممارسة والتغذية الراجعة.
- نموذج بنك ستريت (Bank Street Model): يركز هذا النموذج على التعلم القائم على الاكتشاف والأنشطة العملية، مع تشجيع الأطفال على استكشاف بيئتهم والتفاعل معها. يتم تصميم الأنشطة التعليمية لتلبية احتياجات واهتمامات الأطفال الفردية.
- نموذج توكومن (Tucson Model): يركز هذا النموذج على التنمية الاجتماعية والعاطفية للأطفال، مع التركيز على بناء علاقات صحية وتعزيز احترام الذات. يتم تشجيع الأطفال على التعبير عن مشاعرهم وحل المشكلات بشكل بناء.
- نموذج بيركلي (Berkeley Model): يعتمد هذا النموذج على نظرية بياجيه في التنمية المعرفية، مع التركيز على توفير فرص للأطفال لاستكشاف بيئتهم والتفاعل معها بطرق تدعم نموهم المعرفي.
- نموذج الإيجابية السلوكية التطبيقية (Applied Behavior Analysis – ABA): يستخدم هذا النموذج مبادئ التعزيز والعقاب لتشكيل السلوك وتعزيز التعلم. يتم تحليل السلوكيات المستهدفة وتصميم التدخلات لزيادة السلوكيات المرغوبة وتقليل السلوكيات غير المرغوبة.
كانت فكرة استخدام نماذج تعليمية متنوعة تهدف إلى تحديد أيها الأنسب لمساعدة الأطفال ذوي الدخل المنخفض على النجاح. ومع ذلك، أدى هذا التنوع أيضاً إلى صعوبات في مقارنة النتائج وتقييم الفعالية النسبية لكل نموذج.
النتائج والتحليلات
أسفر مشروع المتابعة عن نتائج متباينة أثارت جدلاً واسعاً في مجال التعليم. أظهرت بعض النماذج التعليمية نتائج إيجابية في مجالات معينة، بينما لم تظهر نماذج أخرى أي تأثير كبير. بشكل عام، لم يكن للمشروع التأثير المتوقع على التحصيل الأكاديمي للأطفال المشاركين.
أظهرت التحليلات اللاحقة أن نموذج التعليم المباشر كان الأكثر فعالية في تحسين المهارات الأساسية مثل القراءة والكتابة والحساب. ومع ذلك، انتقد البعض هذا النموذج لتركيزه المفرط على التدريس المنظم وعدم توفير فرص كافية للأطفال للاستكشاف والإبداع.
أظهرت النماذج الأخرى، مثل نموذج بنك ستريت ونموذج توكومن، نتائج إيجابية في مجالات التنمية الاجتماعية والعاطفية. ومع ذلك، لم يكن لهذه النماذج تأثير كبير على التحصيل الأكاديمي للأطفال.
أحد الانتقادات الرئيسية لمشروع المتابعة هو صعوبة مقارنة النتائج بين النماذج التعليمية المختلفة. كانت هناك اختلافات كبيرة في تصميم النماذج وتنفيذها، مما جعل من الصعب تحديد أي العوامل كانت مسؤولة عن النتائج المختلفة. بالإضافة إلى ذلك، كانت هناك اختلافات كبيرة في خصائص الأطفال المشاركين في المشروع، مما أثر على النتائج.
أظهرت بعض الدراسات اللاحقة أن تأثير مشروع المتابعة كان أكثر وضوحاً على المدى الطويل. وجد الباحثون أن الأطفال الذين شاركوا في المشروع كانوا أكثر عرضة للتخرج من المدرسة الثانوية والالتحاق بالجامعة من الأطفال الذين لم يشاركوا في المشروع. ومع ذلك، لا تزال هذه النتائج موضع نقاش، حيث يرى البعض أن العوامل الأخرى قد تكون مسؤولة عن هذه النتائج.
الجدل والانتقادات
أثار مشروع المتابعة جدلاً واسعاً في مجال التعليم، حيث انتقد البعض تصميم المشروع وتنفيذه وتحليل النتائج. أحد الانتقادات الرئيسية هو أن المشروع كان معقداً للغاية ويصعب إدارته وتقييمه. تم تطبيق نماذج تعليمية مختلفة في مواقع مختلفة، مما جعل من الصعب مقارنة النتائج وتقييم الفعالية النسبية لكل نموذج.
انتقد البعض أيضاً تركيز المشروع على التحصيل الأكاديمي وحده، وتجاهل الجوانب الأخرى من التنمية، مثل التنمية الاجتماعية والعاطفية. يرى هؤلاء النقاد أن التعليم يجب أن يكون شاملاً ويهدف إلى تطوير جميع جوانب شخصية الطفل.
انتقد البعض الآخر تحليل البيانات المستخدمة في المشروع، مشيرين إلى أن التحليلات كانت متحيزة لصالح نماذج تعليمية معينة. يرى هؤلاء النقاد أن الباحثين قاموا بتفسير البيانات بطرق تدعم وجهات نظرهم الخاصة.
بالإضافة إلى ذلك، انتقد البعض التكلفة العالية للمشروع، مشيرين إلى أن الأموال كان يمكن أن تستخدم بشكل أفضل في برامج تعليمية أخرى. كان مشروع المتابعة مكلفاً للغاية، حيث تم إنفاق ملايين الدولارات على تمويله. يرى البعض أن هذه الأموال كان يمكن أن تستخدم في برامج تعليمية أكثر فعالية من حيث التكلفة.
على الرغم من هذه الانتقادات، يرى البعض أن مشروع المتابعة كان له تأثير إيجابي على مجال التعليم. ساهم المشروع في زيادة الوعي بأهمية التعليم المبكر وضرورة توفير الدعم للأطفال المحرومين. كما ساهم المشروع في تطوير نماذج تعليمية جديدة وتحسين الممارسات التعليمية.
التأثيرات والإرث
على الرغم من الجدل والانتقادات، كان لمشروع المتابعة تأثير كبير على مجال التعليم. ساهم المشروع في زيادة الوعي بأهمية التعليم المبكر وضرورة توفير الدعم للأطفال المحرومين. كما ساهم المشروع في تطوير نماذج تعليمية جديدة وتحسين الممارسات التعليمية.
أحد التأثيرات الرئيسية للمشروع هو زيادة التركيز على التعليم المباشر والتدريس المنظم. أظهرت نتائج المشروع أن هذا النموذج كان فعالاً في تحسين المهارات الأساسية مثل القراءة والكتابة والحساب. نتيجة لذلك، تم اعتماد هذا النموذج على نطاق واسع في المدارس في جميع أنحاء الولايات المتحدة.
ساهم المشروع أيضاً في تطوير نماذج تعليمية أخرى، مثل نموذج بنك ستريت ونموذج توكومن. أظهرت هذه النماذج نتائج إيجابية في مجالات التنمية الاجتماعية والعاطفية، مما أدى إلى زيادة الاهتمام بأهمية هذه الجوانب من التنمية في التعليم.
بالإضافة إلى ذلك، ساهم المشروع في تحسين الممارسات التعليمية من خلال توفير بيانات وأدلة حول فعالية النماذج التعليمية المختلفة. استخدم المعلمون والباحثون هذه البيانات لتصميم وتنفيذ برامج تعليمية أكثر فعالية.
لا يزال مشروع المتابعة يثير نقاشات مستمرة حول أفضل السبل لدعم تعليم الأطفال المحرومين. يرى البعض أن المشروع كان فاشلاً وأنه لم يحقق أهدافه. يرى البعض الآخر أن المشروع كان له تأثير إيجابي على مجال التعليم وأنه ساهم في تحسين الممارسات التعليمية.
دروس مستفادة
يمكن استخلاص العديد من الدروس من مشروع المتابعة. أحد الدروس الرئيسية هو أهمية تصميم المشاريع التعليمية بعناية وتنفيذها وتقييمها بشكل منهجي. يجب أن تكون الأهداف واضحة ومحددة، ويجب أن تكون هناك آليات لجمع البيانات وتحليلها لتقييم فعالية المشروع.
درس آخر هو أهمية النظر في جميع جوانب التنمية عند تصميم البرامج التعليمية. يجب أن تركز البرامج التعليمية على التحصيل الأكاديمي والتنمية الاجتماعية والعاطفية. يجب أن تكون البرامج التعليمية شاملة وتهدف إلى تطوير جميع جوانب شخصية الطفل.
درس آخر هو أهمية إشراك الأسر والمجتمعات المحلية في العملية التعليمية. يجب أن يكون الأهل والمجتمعات المحلية جزءاً من العملية التعليمية، ويجب أن يتم توفير الدعم والموارد لهم لتمكينهم من دعم تعليم أطفالهم.
درس آخر هو أهمية توفير الدعم المستمر للأطفال المحرومين. يجب أن يستمر الدعم للأطفال المحرومين طوال حياتهم التعليمية. يجب أن يتم توفير الدعم الأكاديمي والاجتماعي والعاطفي للأطفال المحرومين لتمكينهم من تحقيق النجاح في المدرسة وخارجها.
خاتمة
كان مشروع المتابعة تجربة طموحة وهامة في مجال التعليم، على الرغم من نتائجه المتباينة والانتقادات التي وجهت إليه. قدم المشروع رؤى قيمة حول فعالية النماذج التعليمية المختلفة وأهمية الدعم المستمر للأطفال المحرومين. الدروس المستفادة من هذا المشروع لا تزال ذات صلة حتى اليوم، وتساعد في توجيه الجهود المبذولة لتحسين تعليم الأطفال وتوفير فرص متساوية للجميع.
المراجع
- Stebbins, L. B., St. Pierre, R. G., Proper, E. C., Anderson, R. B., & Cerva, T. R. (1977). Education as Experimentation: A Planned Variation Model, Vol. IV-A: An Evaluation of Follow Through.
- Anderson, R. B., & Others. (1978). A Study of Exemplary Follow Through Projects.
- Lazar, I., Darlington, R., Murray, H., Royce, J., & Snipper, A. (1982). Lasting effects of early education: A report from the Consortium for Longitudinal Studies. Monographs of the Society for Research in Child Development, 47(2-3), i-151.
- Watkins, C. (2005). The Follow Through Story: Why Didn’t America Adopt the Greatest Educational Success Story?. Yale University Press.