حياته المبكرة وتعليمه
ولد مايكل جون سيتون في أكسفورد، إنجلترا، في عام 1923. أظهر شغفًا بالعلوم والرياضيات منذ صغره. التحق بمدرسة أكسفورد الثانوية، حيث تفوق في دراساته. خلال الحرب العالمية الثانية، عمل في البحث والتطوير المتعلق بالرادار، مما أكسبه خبرة عملية قيمة في مجال الفيزياء التطبيقية.
بعد الحرب، التحق بكلية لندن الإمبراطورية، حيث درس الرياضيات وحصل على درجة البكالوريوس مع مرتبة الشرف الأولى. ثم واصل دراسته العليا في جامعة لندن، حيث حصل على درجة الدكتوراه في الرياضيات عام 1951 تحت إشراف ديفيد روبرت بيتس، وهو أيضًا عالم فيزياء ذرية وفلكية مشهور. ركزت أبحاثه المبكرة على حساب مقاطع عرض التأين الذري، وهي عملية أساسية في فهم البلازما الفلكية.
مسيرته المهنية
بعد حصوله على الدكتوراه، انضم سيتون إلى قسم الرياضيات في كلية لندن الجامعية في عام 1952. سرعان ما ارتقى في الرتب الأكاديمية، وأصبح قارئًا في الفيزياء الفلكية الذرية في عام 1963 وأستاذًا في الفيزياء الفلكية الذرية في عام 1972. بقي في كلية لندن الجامعية حتى تقاعده في عام 1990.
خلال مسيرته المهنية الطويلة والمتميزة، أشرف سيتون على عدد كبير من طلاب الدكتوراه وقام بتدريس العديد من الدورات في الفيزياء الذرية والفيزياء الفلكية. كان معروفًا بقدرته على شرح المفاهيم المعقدة بطريقة واضحة وموجزة، وكان له تأثير كبير على جيل كامل من علماء الفيزياء الفلكية.
إسهاماته العلمية
ركزت أبحاث سيتون بشكل أساسي على تطوير طرق لحساب العمليات الذرية الهامة في الفيزياء الفلكية. ومن بين أهم إسهاماته:
- طريقة القنوات المقترنة (The Close-Coupling Method): قام سيتون بتطوير هذه الطريقة لحساب العمليات التصادمية بين الإلكترونات والأيونات. تعتبر هذه الطريقة أداة أساسية في الفيزياء الذرية النظرية، وتستخدم على نطاق واسع لحساب مقاطع عرض التأين والإثارة الذرية.
- نظرية الكم النقص (Quantum Defect Theory – QDT): قام سيتون بتوسيع وتطوير نظرية الكم النقص، وهي طريقة تستخدم لوصف سلوك الإلكترونات في الذرات والأيونات بالقرب من حد التأين. أدت أعماله في هذا المجال إلى فهم أعمق لأطياف الذرات والأيونات، وساعدت في تفسير العديد من الظواهر الفلكية.
- حسابات الأوباسيتي (Opacity Calculations): كان سيتون رائدًا في حسابات الأوباسيتي، وهي مقياس لمدى امتصاص المادة للإشعاع. تعتبر حسابات الأوباسيتي ضرورية لفهم بنية وتطور النجوم. قاد سيتون فريقًا من الباحثين قاموا بتطوير مشروع الأوباسيتي (The Opacity Project)، الذي أنتج مجموعة شاملة من البيانات حول الأوباسيتي للعديد من العناصر والظروف الفيزيائية.
بالإضافة إلى هذه الإسهامات الرئيسية، قام سيتون أيضًا بالعديد من الدراسات الهامة الأخرى في مجال الفيزياء الذرية والفيزياء الفلكية. كان له دور فعال في تطوير طرق جديدة لحساب التركيب الذري، وقام بدراسة العمليات الذرية في السدم الكوكبية والمناطق المتأينة. نشر سيتون أكثر من 200 ورقة بحثية في المجلات العلمية الرائدة، وكان له تأثير كبير على تطور الفيزياء الفلكية الحديثة.
مشروع الأوباسيتي (The Opacity Project)
يعتبر مشروع الأوباسيتي (OP) أحد أبرز إنجازات سيتون. كان هذا المشروع عبارة عن جهد دولي واسع النطاق يهدف إلى حساب معاملات امتصاص الإشعاع (الأوباسيتي) للمادة في الظروف الفيزيائية الموجودة في النجوم. تتطلب هذه الحسابات معرفة دقيقة بالتركيب الذري واحتمالات الانتقال الذري، وكانت تتطلب في السابق جهودًا حسابية ضخمة. قاد سيتون هذا المشروع لسنوات عديدة، وساهم بشكل كبير في تطوير الأساليب الحسابية اللازمة لإنجاحه.
أنتج مشروع الأوباسيتي قاعدة بيانات شاملة للأوباسيتي، والتي أصبحت معيارًا ذهبيًا في هذا المجال. تم استخدام هذه البيانات على نطاق واسع في نماذج تطور النجوم، وساعدت في حل العديد من المشكلات التي كانت قائمة في الفيزياء الفلكية. على سبيل المثال، ساعدت بيانات الأوباسيتي في تفسير مشكلة النجوم النابضة، وهي عبارة عن اختلاف بين النماذج النظرية والملاحظات التجريبية لأوقات نبض النجوم المتغيرة.
الجوائز والتكريمات
تقديرًا لإسهاماته العلمية المتميزة، حصل سيتون على العديد من الجوائز والتكريمات، بما في ذلك:
- انتخابه زميلاً في الجمعية الملكية (FRS) في عام 1967.
- ميدالية هيوز من الجمعية الملكية في عام 1983.
- جائزة كارل يانجسكي من المرصد الراديوي الوطني في عام 1992.
- جائزة جورج داروين من الجمعية الفلكية الملكية في عام 1998.
بالإضافة إلى هذه الجوائز، حصل سيتون على العديد من الدكتوراه الفخرية من الجامعات المرموقة، وتم تكريمه من قبل العديد من المؤسسات العلمية حول العالم.
تأثيره وإرثه
كان لمايكل جون سيتون تأثير عميق على مجالات الفيزياء الذرية والفيزياء الفلكية. لقد ساهم بشكل كبير في تطوير الأساليب النظرية والحسابية المستخدمة لدراسة العمليات الذرية في الأجرام السماوية. أدت أعماله إلى فهم أعمق لأطياف النجوم والسدم الكوكبية والمناطق المتأينة. كان سيتون أيضًا معلمًا وموجهًا للعديد من العلماء الشباب، وساهم في تدريب جيل كامل من علماء الفيزياء الفلكية.
لا تزال أبحاث سيتون مؤثرة حتى اليوم، ويستمر العلماء في استخدام طرق وأساليب سيتون في دراسة العمليات الذرية في الفضاء. يعتبر سيتون أحد الشخصيات الرائدة في الفيزياء الفلكية الذرية، وسيظل إرثه العلمي يلهم الباحثين في المستقبل.
حياته الشخصية
تزوج مايكل جون سيتون من مايبل بيل في عام 1949. كان لديهم ثلاثة أطفال: ابنتان وابن واحد. كان سيتون يتمتع بحياة اجتماعية نشطة، وكان يحب الموسيقى الكلاسيكية والمسرح. كان أيضًا لاعب شطرنج ماهرًا، وكان يستمتع بلعب الشطرنج مع أصدقائه وزملائه.
توفي مايكل جون سيتون في لندن في 29 مايو 2007، عن عمر يناهز 84 عامًا. ترك وراءه إرثًا علميًا كبيرًا وعائلة محبة وأصدقاء وزملاء يقدرونه ويحترمونه.
خاتمة
كان مايكل جون سيتون عالمًا بارزًا في الفيزياء الذرية والفيزياء الفلكية. من خلال تطوير طرق حسابية متقدمة ودراسة العمليات الذرية في الفضاء، ساهم بشكل كبير في فهمنا للنجوم والسدم والأجرام السماوية الأخرى. كان مشروع الأوباسيتي الذي قاده إنجازًا علميًا هامًا، ولا تزال أبحاثه مؤثرة حتى اليوم. سيظل سيتون رمزًا للإلهام لعلماء الفيزياء الفلكية في جميع أنحاء العالم.