بداياته ومسيرته المهنية
ولد نات كوهين في لندن عام 1905، وبدأ حياته المهنية في صناعة السينما في سن مبكرة. سرعان ما أظهر موهبة فذة في مجال الإنتاج والتوزيع، مما مكنه من الترقي بسرعة في المناصب. في بداية مسيرته، عمل في عدة شركات إنتاج صغيرة، حيث اكتسب خبرة قيمة في جميع جوانب صناعة السينما، من اختيار النصوص إلى إدارة الميزانيات والتسويق.
في الأربعينيات من القرن الماضي، انضم كوهين إلى شركة أنجلو-أميريكان فيلم ديستريبيوترز (Anglo-American Film Distributors)، وهي شركة توزيع أفلام مستقلة. لعب دورًا حاسمًا في تطوير الشركة وتوسيع نطاقها، حيث قام بتوزيع العديد من الأفلام البريطانية والأمريكية الناجحة. تحت قيادته، أصبحت الشركة واحدة من أبرز شركات توزيع الأفلام في بريطانيا.
في عام 1950، أسس كوهين شركة إنتاج خاصة به تحت اسم أنجليا فيلم برودكشنز (Anglia Film Productions). من خلال هذه الشركة، أنتج العديد من الأفلام الناجحة التي ساهمت في تعزيز مكانة السينما البريطانية على الساحة العالمية. تميزت أفلامه بالتنوع والابتكار، حيث شملت مختلف الأنواع السينمائية، من الكوميديا إلى الدراما والإثارة.
أوج مسيرته في شركة إي إم آي
في عام 1969، وصل نات كوهين إلى ذروة مسيرته المهنية عندما انضم إلى شركة إي إم آي فيلمز (EMI Films) كرئيس تنفيذي للإنتاج. كانت إي إم آي واحدة من أكبر شركات الإنتاج والتوزيع السينمائي في العالم، وتمتلك استوديوهات باينوود (Pinewood Studios) الشهيرة. تحت قيادة كوهين، شهدت إي إم آي فترة ذهبية، حيث أنتجت العديد من الأفلام الناجحة التي حازت على جوائز الأوسكار والتقدير النقدي.
خلال فترة توليه منصب الرئيس التنفيذي في إي إم آي، أشرف كوهين على إنتاج مجموعة واسعة من الأفلام التي لاقت نجاحًا كبيرًا في شباك التذاكر. من بين هذه الأفلام:
- جريمة في قطار الشرق السريع (Murder on the Orient Express): فيلم جريمة مقتبس عن رواية أجاثا كريستي الشهيرة، حقق نجاحًا تجاريًا ونقديًا كبيرًا.
- المتجسس الذي أحبني (The Spy Who Loved Me): فيلم من سلسلة جيمس بوند، حقق إيرادات عالية وأشاد به النقاد.
- الممر (The Passage): فيلم درامي تدور أحداثه خلال الحرب العالمية الثانية.
- موعد مع الموت (Appointment with Death): فيلم آخر مقتبس عن رواية أجاثا كريستي، حقق نجاحًا معقولًا.
تميزت فترة كوهين في إي إم آي بالتركيز على إنتاج أفلام ذات جودة عالية وجاذبية عالمية. كان لديه رؤية واضحة لأهمية الاستثمار في المواهب الشابة ودعم المخرجين والكتاب المبدعين. كما كان مؤمنًا بأهمية التسويق الفعال للأفلام لضمان وصولها إلى أوسع شريحة من الجمهور.
إسهاماته في السينما البريطانية
ترك نات كوهين بصمة واضحة على صناعة السينما البريطانية. كان له دور كبير في تطوير الصناعة وتعزيز مكانتها على الساحة العالمية. من خلال عمله في شركات الإنتاج والتوزيع المختلفة، ساهم في اكتشاف وتنمية العديد من المواهب الشابة التي أصبحت فيما بعد من أبرز الشخصيات في السينما البريطانية.
بالإضافة إلى ذلك، كان كوهين من الداعمين المتحمسين لتمويل الأفلام البريطانية المستقلة. كان يؤمن بأهمية دعم صناعة السينما المحلية لضمان استمراريتها وتطورها. لعب دورًا فعالًا في إقناع الحكومة البريطانية بتقديم الدعم المالي لصناعة السينما، مما ساهم في ازدهارها في العقود اللاحقة.
كما كان كوهين عضوًا نشطًا في العديد من المنظمات والجمعيات السينمائية. شارك في العديد من المؤتمرات والندوات التي تناولت قضايا صناعة السينما، وقدم العديد من المحاضرات وورش العمل للشباب المهتمين بالعمل في هذا المجال.
تكريمه وجوائزه
تقديرًا لإسهاماته الكبيرة في صناعة السينما، حصل نات كوهين على العديد من الجوائز والتكريمات. في عام 1975، حصل على جائزة بافتا (BAFTA) للإنجاز المتميز في السينما البريطانية. كما حصل على وسام الإمبراطورية البريطانية (CBE) تقديرًا لخدماته في صناعة السينما.
بالإضافة إلى ذلك، تم تكريم كوهين في العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على جائزة الإنجاز مدى الحياة من مهرجان لندن السينمائي، وجائزة مماثلة من مهرجان كان السينمائي.
حياته الشخصية ووفاته
كان نات كوهين شخصية محبوبة ومحترمة في صناعة السينما. كان يتمتع بشخصية ودودة ومتواضعة، وكان يتمتع بعلاقات جيدة مع العديد من الممثلين والمخرجين والمنتجين. كان معروفًا بدعمه للمواهب الشابة وحرصه على تطوير صناعة السينما.
توفي نات كوهين في لندن في 10 فبراير 1988 عن عمر يناهز 82 عامًا. ترك وراءه إرثًا غنيًا في صناعة السينما، وسيظل اسمه محفورًا في تاريخ السينما البريطانية.
خاتمة
كان نات كوهين شخصية بارزة في صناعة السينما البريطانية لأكثر من أربعة عقود. من خلال عمله كمنتج ومدير تنفيذي، ساهم في إنتاج وتوزيع العديد من الأفلام الناجحة التي لاقت نجاحًا كبيرًا على الصعيدين المحلي والدولي. لعب دورًا حاسمًا في تطوير صناعة السينما البريطانية وتعزيز مكانتها على الساحة العالمية. سيظل نات كوهين رمزًا للإبداع والابتكار في صناعة السينما، وسيظل إرثه مصدر إلهام للأجيال القادمة من صناع الأفلام.