<![CDATA[
مقدمة
تاج الدين أبو الفضل أحمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد بن عيسى بن حسين بن عطاء الله السكندري، المعروف بابن عطاء الله السكندري، هو أحد أعلام التصوف الإسلامي في القرن السابع الهجري/الثالث عشر الميلادي. كان فقيهاً مالكياً، وشيخاً من شيوخ الطريقة الشاذلية، اشتهر بحكمه ومواعظه وكتاباته التي تمزج بين الشريعة والحقيقة، وبين الفقه والتصوف.
نشأته وحياته
ولد ابن عطاء الله السكندري في مدينة الإسكندرية بمصر، ولا يعرف تاريخ ميلاده على وجه التحديد، لكن يرجح أنه ولد في النصف الثاني من القرن السابع الهجري. نشأ في بيئة علمية ودينية، وتلقى تعليمه الأولي في الإسكندرية، حيث حفظ القرآن الكريم، وتعلم الفقه المالكي، ودرس علوم اللغة العربية.
كان والده من أهل العلم والصلاح، وقد أثر فيه تأثيراً كبيراً، حيث وجهه نحو طلب العلم والتصوف. وقد تتلمذ ابن عطاء الله على يد عدد من العلماء والشيوخ، منهم الشيخ أبو العباس المرسي، وهو خليفة أبي الحسن الشاذلي وشيخ الطريقة الشاذلية في عصره. وقد لازم ابن عطاء الله المرسي، وتأثر به تأثراً عميقاً، حتى أصبح من أبرز تلاميذه وخلفائه.
بعد وفاة الشيخ أبو العباس المرسي، خلفه ابن عطاء الله في مشيخة الطريقة الشاذلية، وتولى تربية المريدين وتوجيههم. وقد قام برحلات إلى عدد من المدن المصرية، مثل القاهرة ودمياط، لنشر العلم والدعوة إلى الله. كان له مجلس علم يعقده في الجامع الأزهر بالقاهرة، يحضره العلماء والفقهاء والطلاب، وكان يتحدث فيه عن علوم الشريعة والتصوف.
عاش ابن عطاء الله السكندري حياة زاهدة متقشفة، معرضاً عن الدنيا وزخارفها، مقبلاً على الله تعالى. وكان يتميز بالتواضع والورع وحسن الخلق، وكان محبوباً من الناس، يحظى بتقديرهم واحترامهم.
مؤلفاته وآثاره
ترك ابن عطاء الله السكندري عدداً كبيراً من المؤلفات والرسائل، التي تدل على سعة علمه وعمق فهمه، وغزارة إنتاجه. وقد تنوعت مؤلفاته بين كتب في الفقه والتصوف والأدب والتاريخ. من أبرز مؤلفاته:
- الحكم العطائية: وهو أشهر كتبه، ويشتمل على مجموعة من الحكم والمواعظ والنصائح، التي تتناول جوانب مختلفة من الحياة الروحية والأخلاقية. وقد ترجم هذا الكتاب إلى العديد من اللغات، وشرحه الكثير من العلماء والمفكرين.
- المفتاح: وهو شرح لكتاب “الرسالة القشيرية” لأبي القاسم القشيري، وهو من أهم الكتب في علم التصوف.
- التنوير في إسقاط التدبير: وهو كتاب يتناول موضوع التوكل على الله، والتسليم لقضائه وقدره.
- لطائف المنن في التعريف بسيدي أبي العباس وشيخه أبي الحسن: وهو كتاب يتحدث عن حياة وسيرة الشيخين أبي العباس المرسي وأبي الحسن الشاذلي، ويذكر مناقبهما وكراماتهما.
- عنوان التوفيق في آداب الطريق: وهو كتاب يتناول آداب السلوك في طريق التصوف، ويذكر ما ينبغي على المريد أن يلتزم به من الأخلاق والآداب.
- القصد المجرد في معرفة الاسم المفرد: وهو كتاب يتناول موضوع الاسم الأعظم، وكيفية ذكره والتأثير به.
- ديوان شعر: يحتوي على مجموعة من القصائد والأشعار، التي تعبر عن تجربته الروحية وعلاقته بالله تعالى.
بالإضافة إلى هذه المؤلفات، فقد ترك ابن عطاء الله السكندري عدداً من الرسائل والمقالات، التي تتناول موضوعات مختلفة في الفقه والتصوف والأخلاق. وقد كان له تأثير كبير على الحركة الصوفية في مصر والعالم الإسلامي، ولا تزال مؤلفاته تدرس وتنتشر حتى اليوم.
أفكاره وآراؤه
تميزت أفكار ابن عطاء الله السكندري بالجمع بين الشريعة والحقيقة، وبين الفقه والتصوف. كان يرى أن الشريعة هي الظاهر، والحقيقة هي الباطن، وأنه لا يمكن الوصول إلى الحقيقة إلا من خلال الالتزام بالشريعة. وكان يدعو إلى التمسك بالكتاب والسنة، وإلى اتباع منهج السلف الصالح.
كما كان يؤكد على أهمية التوكل على الله، والتسليم لقضائه وقدره، والرضا بما قسمه الله. وكان يرى أن العبد يجب أن يسعى في طلب الرزق، ولكن يجب أن يعلم أن الرزق بيد الله، وأن الله هو الذي يرزق من يشاء بغير حساب.
وكان يدعو إلى الإخلاص في العمل، وإلى تجنب الرياء والسمعة. وكان يرى أن العمل يجب أن يكون خالصاً لوجه الله تعالى، وأن العبد يجب أن لا يطلب من الناس جزاءً ولا شكوراً.
وكان يحذر من الدنيا وزخارفها، ويدعو إلى الزهد فيها، والإقبال على الله تعالى. وكان يرى أن الدنيا دار فناء، وأن الآخرة هي دار البقاء، وأن العبد يجب أن يعمل للآخرة، وأن لا يغتر بالدنيا.
وكان يؤكد على أهمية محاسبة النفس، ومراقبة الأعمال، وتجنب المعاصي والذنوب. وكان يرى أن العبد يجب أن يحاسب نفسه قبل أن يحاسب، وأن يراقب أعماله قبل أن تراقب عليه، وأن يتوب إلى الله من جميع الذنوب والمعاصي.
مكانته وتأثيره
يعد ابن عطاء الله السكندري من أبرز أعلام التصوف الإسلامي في التاريخ. وقد كان له تأثير كبير على الحركة الصوفية في مصر والعالم الإسلامي. وقد انتشرت مؤلفاته في جميع أنحاء العالم الإسلامي، ولا تزال تدرس وتنتشر حتى اليوم.
وقد كان له أتباع ومريدون كثيرون، الذين حملوا عنه العلم والتصوف، ونشروا دعوته في مختلف البلدان. وقد كان له تأثير كبير على عدد من العلماء والمفكرين، الذين تأثروا بأفكاره وآرائه.
وقد أثنى عليه كثير من العلماء والمؤرخين، وأشادوا بعلمه وفضله وزهده وورعه. وقد وصفه بعضهم بأنه “قطب من أقطاب التصوف”، و”إمام من أئمة الهدى”، و”عالم من علماء الأمة”.
ولا تزال مؤلفات ابن عطاء الله السكندري تلهم الناس في جميع أنحاء العالم، وتهديهم إلى طريق الحق والصواب. ولا تزال حكمه ومواعظه تتردد على ألسنة الناس، وتذكرهم بالله تعالى.
وفاته
توفي ابن عطاء الله السكندري في القاهرة سنة 709 هـ/1309 م، ودفن في مقبرة المقطم. وقد حضر جنازته جمع غفير من الناس، ودعوا له بالرحمة والمغفرة. وقد خلف وراءه علماً نافعاً، وذكراً حسناً، وأثراً باقياً.
خاتمة
ابن عطاء الله السكندري، قامة شامخة في سماء التصوف الإسلامي، ترك إرثاً غنياً من العلم والمعرفة والأخلاق. كانت حياته نموذجاً للزهد والورع والإقبال على الله، وما زالت كلماته وحكمه نبراساً يضيء دروب السالكين إلى الله تعالى، ومصدر إلهام للأجيال المتعاقبة.