مقدمة
ريتشارد مارتن غانز (7 مارس 1880 – 27 يونيو 1954)، فيزيائي ألماني من أصل يهودي، ولد في هامبورغ. يعتبر غانز مؤسس علم البلورات الفيزيائية الظاهري (Phenomenological crystal physics). اشتهر بأبحاثه في مجالات البصريات، والكهرومغناطيسية، وخصائص المواد.
نشأته وتعليمه
ولد ريتشارد غانز في هامبورغ بألمانيا عام 1880. تلقى تعليمه الأولي في مدارس هامبورغ، وأظهر نبوغًا مبكرًا في الرياضيات والعلوم. التحق بجامعة ستراسبورغ (Université de Strasbourg) حيث درس الفيزياء والرياضيات. حصل على درجة الدكتوراه في الفيزياء عام 1901 تحت إشراف الفيزيائي الشهير فيلهلم كونراد رونتجن (Wilhelm Conrad Röntgen)، مكتشف الأشعة السينية. كانت أطروحته للدكتوراه حول توزيع درجة الحرارة في قضيب معدني غير منتظم.
مسيرته الأكاديمية والمهنية
بعد حصوله على الدكتوراه، عمل غانز كمساعد باحث في معهد الفيزياء بجامعة ستراسبورغ. في عام 1903، انتقل إلى جامعة توبنغن (Eberhard Karls Universität Tübingen) حيث عمل مع الأستاذ باول لودفيغ درود (Paul Karl Ludwig Drude)، المتخصص في البصريات والكهرومغناطيسية. تحت إشراف درود، بدأ غانز في تطوير اهتمامه بالخصائص البصرية والمغناطيسية للمواد.
بعد وفاة درود المفاجئة في عام 1906، تولى غانز مسؤولية إدارة مختبر البصريات في توبنغن. في عام 1911، حصل على درجة الأستاذية في الفيزياء النظرية والتجريبية في جامعة لا بلاتا (Universidad Nacional de La Plata) في الأرجنتين. أمضى غانز عدة سنوات في الأرجنتين، حيث ساهم بشكل كبير في تطوير الفيزياء في أمريكا الجنوبية. أسس مختبرًا للأبحاث الفيزيائية وأشرف على العديد من الطلاب.
في عام 1925، عاد غانز إلى ألمانيا وعُين أستاذًا للفيزياء في جامعة كونيغسبرغ (Albertus-Universität Königsberg). استمر في أبحاثه في مجال البصريات والكهرومغناطيسية، وأصبح له تأثير كبير على الجيل القادم من الفيزيائيين الألمان.
بحلول ثلاثينيات القرن العشرين، بدأت الأوضاع السياسية في ألمانيا تتدهور بسبب صعود الحزب النازي. نظرًا لأصوله اليهودية، واجه غانز تمييزًا متزايدًا. في عام 1935، تم فصله من منصبه في جامعة كونيغسبرغ بموجب القوانين العنصرية النازية.
بعد فصله، هاجر غانز إلى الأرجنتين مرة أخرى عام 1936، حيث أعيد تعيينه في جامعة لا بلاتا. استمر في التدريس والبحث حتى تقاعده عام 1953. توفي في بوينس آيرس في عام 1954.
إسهاماته العلمية
قدم ريتشارد غانز مساهمات كبيرة في مجالات الفيزياء المتعددة، بما في ذلك:
- البصريات: درس غانز انتشار الضوء في المواد المختلفة، وخاصة في المواد الغروية والمعادن. طور نظريات لشرح تشتت الضوء وامتصاصه، وساهم في فهم الألوان في هذه المواد.
- الكهرومغناطيسية: بحث غانز في الخصائص المغناطيسية للمواد، وخاصة المواد المغناطيسية الحديدية. طور نماذج رياضية لوصف سلوك هذه المواد في المجالات المغناطيسية.
- علم البلورات الفيزيائية الظاهري: يعتبر غانز مؤسس هذا المجال، الذي يدرس الخصائص الفيزيائية للبلورات من منظور ظاهري، دون الخوض في التركيب الذري التفصيلي.
- نظرية ميو-غانز: بالتعاون مع غوستاف ميو (Gustav Mie)، طور غانز نظرية ميو-غانز (Mie-Gans theory)، وهي امتداد لنظرية ميو (Mie theory) لوصف تشتت الضوء بواسطة الجسيمات غير الكروية. هذه النظرية مهمة في فهم تشتت الضوء في الغلاف الجوي، وفي المواد الغروية، وفي الخلايا البيولوجية.
- تطوير الأجهزة العلمية: قام غانز بتصميم وتطوير العديد من الأجهزة العلمية المستخدمة في قياس الخصائص البصرية والمغناطيسية للمواد.
نظرية ميو-غانز
تعتبر نظرية ميو-غانز (Mie-Gans theory) واحدة من أهم إنجازات ريتشارد غانز العلمية. وهي امتداد لنظرية ميو (Mie theory) التي تصف تشتت الضوء بواسطة الجسيمات الكروية. طور غانز هذه النظرية بالتعاون مع غوستاف ميو لتفسير تشتت الضوء بواسطة الجسيمات غير الكروية، وخاصة الجسيمات البيضاوية الشكل.
تعتبر نظرية ميو-غانز مهمة بشكل خاص في فهم تشتت الضوء في:
- الغلاف الجوي: حيث تتكون الجسيمات المعلقة في الغلاف الجوي غالبًا من جسيمات غير كروية مثل الغبار وحبوب اللقاح.
- المواد الغروية: حيث تكون الجسيمات المتشتتة في المحلول الغروي غالبًا غير كروية.
- الخلايا البيولوجية: حيث تحتوي الخلايا على العديد من الجسيمات غير الكروية مثل العضيات الخلوية.
تستخدم نظرية ميو-غانز في العديد من التطبيقات، بما في ذلك:
- الاستشعار عن بعد: لتحليل البيانات التي تم الحصول عليها من الأقمار الصناعية والطائرات لتحديد خصائص الغلاف الجوي وسطح الأرض.
- الطب: لتطوير تقنيات التصوير الطبي التي تعتمد على تشتت الضوء.
- علم المواد: لتوصيف المواد الغروية والمواد النانوية.
تأثيره وإرثه
كان لريتشارد غانز تأثير كبير على تطور الفيزياء في القرن العشرين. ساهم في العديد من المجالات المختلفة، وأشرف على العديد من الطلاب الذين أصبحوا بدورهم علماء بارزين. على الرغم من الصعوبات التي واجهها بسبب أصوله اليهودية، إلا أنه استمر في البحث والتدريس حتى نهاية حياته.
تُستخدم نظرياته ونماذجه الرياضية حتى يومنا هذا في العديد من التطبيقات العلمية والتكنولوجية. يُذكر غانز كواحد من رواد علم البصريات والكهرومغناطيسية، ومؤسس علم البلورات الفيزيائية الظاهري.
تكريمه
على الرغم من أنه لم يحصل على العديد من الجوائز الرسمية خلال حياته بسبب الظروف السياسية، إلا أن إسهامات ريتشارد غانز العلمية حظيت بتقدير واسع النطاق في مجتمع الفيزياء. يُذكر اسمه في العديد من الكتب والمقالات العلمية، ويُحتفل بإنجازاته في المؤتمرات والندوات.
خاتمة
ريتشارد غانز، عالم الفيزياء الألماني، ترك بصمة واضحة في مجالات البصريات والكهرومغناطيسية وعلم البلورات. على الرغم من التحديات التي واجهها بسبب التمييز، استمر في تقديم إسهامات علمية قيمة. تُعد نظرية ميو-غانز من أبرز إنجازاته، ولا تزال تستخدم على نطاق واسع في العديد من التطبيقات العلمية والتكنولوجية. يعتبر غانز شخصية مؤثرة في تاريخ الفيزياء، ومثالًا على المثابرة والتفاني في البحث العلمي.