أصل التسمية والمعنى
كلمة “مثنوي” مشتقة من الكلمة العربية “اثنين” أو “مثنى”، وذلك للإشارة إلى أن كل بيت في القصيدة يتكون من شطرين، وكل شطر يحمل قافيته الخاصة. هذا النمط يسمح للشاعر بحرية أكبر في التعبير وتناول مواضيع متنوعة دون التقيد بقافية واحدة طوال القصيدة.
خصائص شعر المثنوي
يتميز شعر المثنوي بعدة خصائص تجعله فريدًا ومميزًا عن غيره من الأشكال الشعرية:
- الأبيات المزدوجة: يعتمد المثنوي على الأبيات المزدوجة المقفاة، حيث يتحد كل بيت بقافيته الخاصة.
- حرية القافية: يمنح الشاعر حرية تغيير القافية في كل بيت، مما يسمح له بتناول مواضيع متنوعة والتعبير عن أفكار مختلفة بسهولة.
- الطول: يمكن أن تكون قصائد المثنوي طويلة جدًا، حيث تتألف من مئات أو حتى آلاف الأبيات.
- التنوع الموضوعي: يمكن استخدام المثنوي في تناول مختلف الموضوعات، مثل القصص والحكايات، والمواعظ الدينية، والفلسفة، والتاريخ، والعشق، وغيرها.
تاريخ المثنوي وتطوره
يعود تاريخ المثنوي إلى الأدب الفارسي القديم، حيث ازدهر هذا النوع من الشعر في العصور الوسطى. يعتبر الشاعر الفارسي رودكي (القرن العاشر الميلادي) من أوائل من استخدموا هذا القالب الشعري. ومع ذلك، فإن المثنوي وصل إلى ذروة شهرته مع الشاعر جلال الدين الرومي في القرن الثالث عشر الميلادي.
انتشر المثنوي بعد ذلك إلى الأدب العربي والتركي والأردي وغيرها من الآداب الإسلامية، حيث تم استخدامه في كتابة القصص والحكايات والمواعظ الدينية والفلسفية.
أشهر قصائد المثنوي
تعتبر “المثنوي المعنوي” لجلال الدين الرومي من أشهر وأهم قصائد المثنوي في الأدب الفارسي والعالمي. تتألف هذه القصيدة من أكثر من 25000 بيت، وتتناول مواضيع متنوعة مثل الحب الإلهي، والتصوف، والأخلاق، والحكمة. وقد ترجمت هذه القصيدة إلى العديد من اللغات، ولا تزال تحظى بشعبية كبيرة حتى اليوم.
ومن قصائد المثنوي الشهيرة الأخرى:
- الشاهنامه للفردوسي: وهي ملحمة فارسية ضخمة تتناول تاريخ إيران القديم.
- ليلى ومجنون لنظامي الكنجوي: وهي قصة حب شهيرة تتناول قصة حب قيس وليلى.
- خمسة نظامي: وهي مجموعة من خمس قصائد مثنوية لنظامي الكنجوي، تتناول مواضيع متنوعة مثل الحب والحكمة والأخلاق.
المثنوي في الأدب العربي
على الرغم من أن المثنوي نشأ في الأدب الفارسي، إلا أنه وجد له مكانًا في الأدب العربي. استخدم بعض الشعراء العرب هذا القالب الشعري في كتابة القصص والحكايات والمواعظ الدينية. ومن الأمثلة على ذلك:
- مقامات الحريري: على الرغم من أنها ليست مثنوي بالمعنى الدقيق، إلا أنها تعتمد على السجع والقافية المزدوجة في بعض الأحيان.
- بعض القصص والحكايات الشعبية: استخدم بعض الكتاب العرب قالب المثنوي في كتابة القصص والحكايات الشعبية.
أهمية المثنوي في الأدب
تكمن أهمية المثنوي في الأدب في عدة جوانب:
- التعبير عن الأفكار المعقدة: يسمح المثنوي للشاعر بالتعبير عن الأفكار المعقدة والمشاعر العميقة بسهولة ويسر، وذلك بفضل حرية القافية وتنوع الموضوعات.
- رواية القصص والحكايات: يعتبر المثنوي قالبًا شعريًا مثاليًا لرواية القصص والحكايات، وذلك بفضل طوله وإمكانية تغيير القافية في كل بيت.
- نشر المعرفة والحكمة: استخدم المثنوي في نشر المعرفة والحكمة والمواعظ الدينية، وذلك بفضل قدرته على التأثير في القارئ وإيصال الرسالة بشكل فعال.
- الحفاظ على التراث الثقافي: ساهم المثنوي في الحفاظ على التراث الثقافي والأدبي للشعوب التي استخدمته، وذلك من خلال تدوين القصص والحكايات والأساطير والأحداث التاريخية.
تأثير المثنوي على الآداب الأخرى
لم يقتصر تأثير المثنوي على الأدب الفارسي والعربي فقط، بل امتد إلى الآداب الأخرى أيضًا. فقد تأثر به الأدب التركي والأردي والبنغالي وغيرها من الآداب الإسلامية. وقد استخدم الشعراء في هذه الآداب قالب المثنوي في كتابة القصص والحكايات والمواعظ الدينية والفلسفية.
المثنوي في العصر الحديث
على الرغم من أن المثنوي يعتبر من الأشكال الشعرية القديمة، إلا أنه لا يزال يستخدم حتى اليوم في بعض الآداب. وقد استخدم بعض الشعراء المعاصرين هذا القالب الشعري في التعبير عن أفكارهم ومشاعرهم. ومع ذلك، فإن شعبية المثنوي قد تراجعت في العصر الحديث، وذلك بسبب ظهور أشكال شعرية جديدة أكثر حداثة.
أوزان المثنوي
يُكتب المثنوي بأوزان مختلفة، وأكثرها شيوعاً:
- بحر الرمل: فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن (في كل شطر).
- بحر الهزج: مفاعيلن مفاعيلن (في كل شطر).
- بحر المتقارب: فعولن فعولن فعولن فعولن (في كل شطر).
أمثلة على أبيات من المثنوي المعنوي لجلال الدين الرومي
هذه ترجمة تقريبية لبعض الأبيات، إذ أن جمالية الشعر تكمن في لغته الأصلية:
بشنو از ني چون حكايت مي كند
وز جدايي ها شكايت مي كند
اسمع من الناي كيف يحكي
ومن الفراق يشكو
هر كسي كو دور ماند از اصل خويش
باز جويد روزگار وصل خويش
كل من ابتعد عن أصله
يبحث عن زمن الوصال
خاتمة
المثنوي هو شكل شعري فريد ومميز يعتمد على الأبيات المزدوجة المقفاة. ازدهر هذا النوع من الشعر في الأدب الفارسي، ثم انتقل إلى الأدب العربي والتركي والأردي وغيرها من الآداب الإسلامية. استخدم المثنوي في كتابة القصص والحكايات والمواعظ الدينية والفلسفية. وتعتبر “المثنوي المعنوي” لجلال الدين الرومي من أشهر وأهم قصائد المثنوي في الأدب الفارسي والعالمي.