نظرة عامة على الكتاب
يتكون الكتاب من أربع مقالات منفصلة، ولكنها مترابطة، تستكشف جوانب مختلفة من الحياة في المؤسسات الشاملة، مع التركيز بشكل خاص على مستشفيات الأمراض النفسية. يقدم جوفمان وصفًا شاملاً للتجارب التي يمر بها المرضى، بدءًا من دخولهم إلى المؤسسة وحتى خروجهم منها، وكيف تتشكل هويتهم وتتغير بسبب هذه التجارب.
- المقالة الأولى: تتناول مفهوم “المؤسسة الشاملة” وتحدد خصائصها الرئيسية.
- المقالة الثانية: تركز على “المهانة” التي يعاني منها المرضى النفسيون وكيف يتعاملون معها.
- المقالة الثالثة: تحلل “الحياة تحت السرير” أو الحياة السرية التي يعيشها المرضى داخل المؤسسة.
- المقالة الرابعة: تستكشف “دورة المرضى” أو المراحل التي يمر بها المرضى من الدخول إلى الخروج.
المؤسسات الشاملة
يقدم جوفمان تعريفاً دقيقاً للمؤسسات الشاملة بأنها أماكن يعيش فيها ويعمل فيها عدد كبير من الأفراد معاً، معزولين عن العالم الخارجي لفترة طويلة من الزمن، ويخضعون لنمط حياة رسمي ومسيطر عليه بشكل مشدد. هذه المؤسسات تهدف إلى التحكم في جميع جوانب حياة الأفراد، من خلال مجموعة من القواعد واللوائح الصارمة. ومن الأمثلة على هذه المؤسسات: السجون، والمعسكرات، والأديرة، ومستشفيات الأمراض النفسية.
يؤكد جوفمان أن المؤسسات الشاملة تميل إلى تجريد الأفراد من هويتهم الشخصية وتفرض عليهم هوية جديدة تتناسب مع متطلبات المؤسسة. يتم ذلك من خلال مجموعة من الإجراءات، مثل تجريدهم من ممتلكاتهم الشخصية، وحلاقة رؤوسهم، وإعطائهم ملابس موحدة، وإخضاعهم لرقابة مستمرة.
المهانة
يشير مصطلح “المهانة” إلى الشعور بالعار والخزي الذي يشعر به الأفراد بسبب وصمة العار المرتبطة بوضعهم الاجتماعي. في حالة المرضى النفسيين، يمكن أن تنشأ المهانة من مجموعة متنوعة من المصادر، مثل الأعراض الظاهرة للمرض، والتاريخ المرضي، والتحيزات المجتمعية تجاه المرضى النفسيين. يوضح جوفمان كيف أن المرضى النفسيين يتعاملون مع هذه المهانة بطرق مختلفة، بما في ذلك محاولة إخفاء مرضهم، أو التقليل من أهميته، أو حتى تبني هوية المريض النفسي.
يجادل جوفمان بأن المهانة ليست مجرد شعور شخصي، بل هي أيضاً منتج اجتماعي. فالمجتمع يلعب دوراً هاماً في خلق وصمة العار المرتبطة بالمرض النفسي، من خلال التمييز ضد المرضى النفسيين، ونشر الصور النمطية السلبية عنهم. لذلك، فإن مكافحة المهانة تتطلب تغيير المواقف المجتمعية تجاه المرض النفسي.
الحياة تحت السرير
يستخدم جوفمان مصطلح “الحياة تحت السرير” لوصف الحياة السرية التي يعيشها المرضى داخل المؤسسة. هذه الحياة السرية تتضمن مجموعة متنوعة من الأنشطة، مثل تكوين صداقات، وتبادل المعلومات، وتهريب الأشياء، والتخطيط للهروب. يرى جوفمان أن “الحياة تحت السرير” هي وسيلة للمرضى لمقاومة سيطرة المؤسسة والحفاظ على بعض السيطرة على حياتهم.
يشير جوفمان إلى أن “الحياة تحت السرير” غالباً ما تكون ضرورية لبقاء المرضى. فمن خلال تكوين صداقات، يمكن للمرضى الحصول على الدعم العاطفي والمعلومات التي يحتاجونها للتغلب على صعوبات الحياة في المؤسسة. ومن خلال تهريب الأشياء، يمكن للمرضى الحصول على بعض الراحة والاستقلالية.
دورة المرضى
يصف جوفمان “دورة المرضى” بأنها المراحل التي يمر بها المرضى من الدخول إلى المؤسسة وحتى خروجهم منها. هذه الدورة تتضمن عادةً المراحل التالية:
- مرحلة ما قبل الدخول: في هذه المرحلة، يكون المريض يعيش في المجتمع ويحاول التعامل مع مرضه.
- مرحلة الدخول: في هذه المرحلة، يتم إدخال المريض إلى المؤسسة ويخضع لإجراءات القبول.
- مرحلة التكيف: في هذه المرحلة، يحاول المريض التكيف مع الحياة في المؤسسة.
- مرحلة الخروج: في هذه المرحلة، يخرج المريض من المؤسسة ويحاول الاندماج في المجتمع.
يؤكد جوفمان أن كل مرحلة من هذه المراحل لها تحدياتها الخاصة. ففي مرحلة الدخول، قد يشعر المريض بالصدمة والخوف. وفي مرحلة التكيف، قد يشعر المريض بالعزلة والاكتئاب. وفي مرحلة الخروج، قد يشعر المريض بالقلق بشأن مستقبله.
أهمية الكتاب وتأثيره
يعتبر كتاب “الملاجئ” من أهم الكتب في علم الاجتماع، وقد أثر بشكل كبير على فهمنا للمؤسسات الشاملة وتأثيرها على الأفراد. ساهم الكتاب في تغيير المواقف المجتمعية تجاه المرض النفسي، وأدى إلى تحسين ظروف العلاج في مستشفيات الأمراض النفسية. كما ألهم الكتاب العديد من الباحثين والناشطين للعمل على إصلاح نظام الرعاية الصحية النفسية.
بالإضافة إلى ذلك، قدم الكتاب أدوات مفاهيمية قيمة لتحليل السلطة والتفاعل الاجتماعي في مختلف السياقات المؤسسية. أثرت أفكار جوفمان في مجالات متنوعة مثل علم الجريمة، والتعليم، والطب، والتنظيم.
لا يزال كتاب “الملاجئ” ذا صلة كبيرة اليوم، حيث يساعدنا على فهم التحديات التي يواجهها الأفراد الذين يعيشون في المؤسسات الشاملة، ويدعونا إلى التفكير في كيفية بناء مجتمعات أكثر شمولاً وعدلاً.
انتقادات للكتاب
على الرغم من أهميته، تعرض كتاب “الملاجئ” لبعض الانتقادات. يرى بعض النقاد أن جوفمان يركز بشكل كبير على الجوانب السلبية للمؤسسات الشاملة، ويتجاهل الجوانب الإيجابية المحتملة. كما يرى بعض النقاد أن جوفمان يقدم صورة نمطية عن المرضى النفسيين، ويتجاهل التنوع في تجاربهم.
ومع ذلك، لا يزال الكتاب يعتبر عملاً رائداً في علم الاجتماع، وله تأثير كبير على فهمنا للمؤسسات الشاملة وتأثيرها على الأفراد. من المهم قراءة الكتاب بعين ناقدة، مع الأخذ في الاعتبار الانتقادات الموجهة إليه، ولكن لا يمكن إنكار أهميته في تسليط الضوء على قضايا مهمة تتعلق بالصحة النفسية والعدالة الاجتماعية.
تطبيقات معاصرة
تظل رؤى جوفمان في كتاب “الملاجئ” ذات صلة بالتحديات المعاصرة في مجال الصحة النفسية والرعاية المؤسسية. يمكن تطبيق مفاهيمه حول المؤسسات الشاملة، والمهانة، والحياة تحت السرير، ودورة المرضى على مجموعة واسعة من الإعدادات المؤسسية، بما في ذلك السجون، ومراكز علاج الإدمان، ودور رعاية المسنين.
على سبيل المثال، يمكن استخدام مفهوم “المهانة” لفهم التمييز الذي يواجهه الأفراد الذين يعانون من مشاكل الصحة النفسية في المجتمع. يمكن أيضاً استخدام مفهوم “الحياة تحت السرير” لفهم كيف يقاوم الأفراد سيطرة المؤسسات ويحافظون على بعض السيطرة على حياتهم.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن استخدام أفكار جوفمان لتطوير سياسات وممارسات أكثر إنسانية وفعالية في مجال الرعاية الصحية النفسية. من خلال فهم التحديات التي يواجهها الأفراد الذين يعيشون في المؤسسات الشاملة، يمكننا العمل على بناء مجتمعات أكثر شمولاً وعدلاً.
خاتمة
يعد كتاب “الملاجئ” لإرفينج جوفمان عملاً كلاسيكياً في علم الاجتماع يقدم تحليلاً عميقاً للمؤسسات الشاملة وتأثيرها على الأفراد. يستكشف الكتاب تجارب المرضى النفسيين في مستشفيات الأمراض النفسية، ويسلط الضوء على قضايا مهمة تتعلق بالصحة النفسية والعدالة الاجتماعية. على الرغم من بعض الانتقادات الموجهة إليه، لا يزال الكتاب ذا صلة كبيرة اليوم، حيث يساعدنا على فهم التحديات التي يواجهها الأفراد الذين يعيشون في المؤسسات الشاملة، ويدعونا إلى التفكير في كيفية بناء مجتمعات أكثر شمولاً وعدلاً.