نشأته وحياته
ولد زين الدين العراقي في منطقة كردستان، ونشأ في بيئة علمية حفزته على طلب العلم والاجتهاد. رحل إلى العديد من البلدان الإسلامية المشهورة بمراكزها العلمية، مثل مصر والشام والحجاز، حيث التقى بالعلماء والفقهاء، ونهل من علومهم ومعارفهم. عرف عنه دماثة الأخلاق، والتواضع الجم، وحسن المعشر، مما أكسبه محبة الناس وتقديرهم.
تميزت حياة العراقي بالجد والاجتهاد في طلب العلم، والتفاني في خدمة الحديث النبوي الشريف. كان مثالاً يحتذى به في الزهد والورع، والإخلاص في العمل، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. عاش حياة بسيطة متقشفة، رغم مكانته العلمية الرفيعة، واهتم بنشر العلم وتعليم الناس، وتوجيههم إلى الخير والصلاح.
شيوخه وتلاميذه
تتلمذ زين الدين العراقي على يد نخبة من كبار العلماء والمحدثين في عصره، الذين أثروا في تكوينه العلمي والفكري. من أبرز شيوخه:
- الحافظ أبو الفداء ابن كثير: صاحب التفسير المشهور، والمؤرخ الكبير.
- العلامة سراج الدين البلقيني: الفقيه الشافعي، والقاضي المعروف.
- الحافظ جمال الدين المزي: صاحب كتاب “تهذيب الكمال في أسماء الرجال”.
- الشيخ بهاء الدين السبكي: الفقيه الأصولي، والمحدث المتقن.
وقد أجاز له العديد من العلماء والمحدثين، منهم:
- الحافظ الذهبي: محدث الإسلام، وشيخ المؤرخين.
- العلامة تقي الدين السبكي: فقيه الشافعية، وأصولي متبحر.
وقد تخرج على يديه العديد من العلماء والفقهاء، الذين حملوا علمه ونشروه في الآفاق. من أشهر تلاميذه:
- الحافظ ابن حجر العسقلاني: صاحب “فتح الباري شرح صحيح البخاري”، و”تهذيب التهذيب”.
- العلامة ولي الدين العراقي: ابنه، وهو أيضاً من كبار العلماء والمحدثين.
- الشيخ عمر بن رسلان البلقيني: الفقيه الشافعي، والقاضي المعروف.
- الشيخ محمد بن يعقوب الفيروزآبادي: صاحب “القاموس المحيط”.
مكانته العلمية
تبوأ زين الدين العراقي مكانة علمية رفيعة في عصره، واشتهر بالدقة والإتقان في الحديث النبوي الشريف. كان حافظاً متقناً، وعارفاً بأحوال الرواة، ومتعمقاً في علوم الحديث. شهد له العلماء بالفضل والعلم، والتبحر في الفقه والأصول، والتاريخ والتراجم. اعتبره الكثيرون إماماً مجدداً في علم الحديث، ومحيياً لسنن النبي صلى الله عليه وسلم.
عرف عنه سعة الاطلاع، والقدرة على الاستنباط، والتمكن من الأدلة. كان مجتهداً في الفتوى، حريصاً على اتباع الحق، متجنباً للتعصب والتقليد الأعمى. كان من العلماء العاملين بعلمهم، المخلصين في عملهم، الذين يسعون إلى نفع الناس وهدايتهم.
مؤلفاته
ترك زين الدين العراقي رصيداً ضخماً من المؤلفات القيمة في مختلف العلوم الإسلامية، وخاصة في الحديث النبوي الشريف. من أبرز مؤلفاته:
- “ألفية العراقي في علم الحديث”: وهي منظومة شعرية تلخص قواعد علم الحديث، وتعد من أهم المتون الدراسية في هذا العلم. وقد شرحها العديد من العلماء، منهم ابنه ولي الدين العراقي، والحافظ ابن حجر العسقلاني.
- “التبصرة والتذكرة”: وهو شرح لألفية العراقي في علم الحديث، يعتبر من أهم شروح الألفية.
- “طرح التثريب في شرح التقريب”: وهو شرح لكتاب “التقريب” للإمام النووي في الفقه الشافعي.
- “المغني عن حمل الأسفار في الأسفار في تخريج ما في الإحياء من الأخبار”: وهو تخريج لأحاديث كتاب “إحياء علوم الدين” للإمام الغزالي.
- “ذيل تاريخ الإسلام للذهبي”: وهو إضافة إلى كتاب “تاريخ الإسلام” للإمام الذهبي.
- “تحفة التحصيل في المراسيل”: كتاب نفيس في علم المراسيل.
- “السنن الواضحة المروية في المناقب الصحيحة العلوية”: كتاب في فضائل الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
- “شرح سنن أبي داود”: شرح لم يكتمل لسُنن أبي داود.
- “شرح الجامع الصحيح للبخاري”: شرح لم يكتمل لصحيح البخاري.
- “تذكرة المحتاج إلى أحاديث المنهاج”: تخريج لأحاديث كتاب “منهاج الطالبين” للإمام النووي.
- “نكت على ابن الصلاح”: تعليقات على كتاب “علوم الحديث” لابن الصلاح.
بالإضافة إلى هذه المؤلفات، فقد ترك العراقي العديد من الرسائل والمختصرات والتعليقات في مختلف العلوم الإسلامية، تدل على غزارة علمه وسعة اطلاعه.
منهجه العلمي
تميز زين الدين العراقي بمنهج علمي دقيق ومنظم، يعتمد على التحقيق والتدقيق، والرجوع إلى المصادر الأصلية، والاستناد إلى الأدلة والبراهين. كان حريصاً على التوثيق والتثبت، والتمييز بين الصحيح والضعيف، والمقبول والمردود. كان ينتقد الآراء المخالفة بأدب واحترام، ويحرص على بيان الحق وإظهاره.
في علم الحديث، كان يعتمد على قواعد المحدثين وأصولهم، ويطبقها بدقة وإتقان. كان يعرف أحوال الرواة، ويدرس أسانيد الأحاديث، ويوازن بين الروايات المختلفة. كان يحرص على الجمع بين الروايات المتعارضة، وبيان الراجح منها. كان يسعى إلى فهم معاني الأحاديث، واستنباط الأحكام منها، وتطبيقها على الواقع.
في الفقه، كان يتبع المذهب الشافعي، ويحرص على الالتزام بأصوله وقواعده. كان يجتهد في استنباط الأحكام، ويعتمد على الأدلة الشرعية، من الكتاب والسنة والإجماع والقياس. كان يحرص على بيان علل الأحكام، ومقاصد الشريعة، وتطبيقها على المستجدات.
وفاته
توفي الحافظ زين الدين العراقي في القاهرة في شهر شعبان من عام 806 هـ الموافق 1403 م، عن عمر يناهز الواحد والثمانين عاماً. وقد خلف وراءه علماً نافعاً، وذكراً حسناً، ومؤلفات قيمة، تشهد له بالفضل والعلم، والاجتهاد والإخلاص. رحمه الله رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته.
خاتمة
يعتبر زين الدين العراقي علماً بارزاً من أعلام الأمة الإسلامية، وإماماً مجدداً في علم الحديث، وفقيهًا متبحرًا، ومؤرخًا مدققًا. ترك بصمة واضحة في مجال الدراسات الإسلامية، وأثرى المكتبة الإسلامية بمؤلفات قيمة، لا تزال مرجعًا للعلماء والباحثين حتى يومنا هذا. يجب على طلاب العلم والباحثين الاقتداء به، والسير على نهجه، في طلب العلم والاجتهاد، والإخلاص في العمل، ونشر العلم النافع.