نشأته وتعليمه
ولد عبد الرزاق أبو بكر جنجلاني في جزيرة باسيلان بالفلبين عام 1959. نشأ في بيئة متدينة، والتحق بمدرسة دينية محلية حيث درس تعاليم الإسلام. يُعتقد أنه سافر لاحقًا إلى الخارج، ربما إلى ليبيا أو المملكة العربية السعودية، لمواصلة دراسته في الشريعة الإسلامية. خلال هذه الفترة، يُفترض أنه تعرض لأيديولوجيات إسلامية متطرفة ساهمت في تطرفه اللاحق.
تأسيس جماعة أبو سياف
بعد عودته إلى الفلبين، انخرط جنجلاني في الحركات الإسلامية المحلية. في أوائل التسعينيات، أسس جماعة أبو سياف، وهي جماعة مسلحة تهدف ظاهريًا إلى إنشاء دولة إسلامية مستقلة في جنوب الفلبين. ومع ذلك، سرعان ما انحرفت الجماعة عن أهدافها المعلنة، وأصبحت متورطة في عمليات اختطاف وابتزاز وتفجيرات وأعمال عنف أخرى.
جاء اسم جماعة أبو سياف من اسم “أبو سياف”، وهو لقب حمله عبد الرزاق جنجلاني. الكلمة تعني “حامل السيف” باللغة العربية، ويرمز إلى التزامه بالجهاد المسلح.
أيديولوجية الجماعة
تبنت جماعة أبو سياف أيديولوجية متطرفة مستوحاة من تفسيرات متشددة للإسلام. دعت الجماعة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية بالقوة، ونبذت الحكومة الفلبينية العلمانية، واعتبرت المسيحيين والأجانب أعداء للإسلام. جذبت الجماعة مقاتلين من مختلف الخلفيات، بما في ذلك الفلبينيين المحليين والمجاهدين الأجانب.
العمليات والهجمات
نفذت جماعة أبو سياف عددًا من الهجمات البارزة خلال فترة قيادة جنجلاني، بما في ذلك:
- تفجير عبارة دونا باز: في عام 1987، يُعتقد أن جماعة أبو سياف كانت مسؤولة عن تفجير عبارة دونا باز، مما أسفر عن مقتل أكثر من 4000 شخص. على الرغم من أن هذه العملية سبقت التأسيس الرسمي لجماعة أبو سياف، إلا أن بعض أعضائها المؤسسين كانوا متورطين فيها.
- اختطاف الرهائن الأجانب: في عام 2000، اختطفت جماعة أبو سياف مجموعة من السياح الأجانب من منتجع دوس بالماس في جزيرة بالاوان. استمرت عملية الاختطاف لعدة أشهر، وأدت إلى مقتل العديد من الرهائن.
- تفجيرات في مانيلا: نفذت جماعة أبو سياف سلسلة من التفجيرات في مانيلا، العاصمة الفلبينية، مما أسفر عن مقتل وإصابة العديد من الأشخاص.
اتسمت أساليب جماعة أبو سياف بوحشيتها الشديدة. غالبًا ما كانت الجماعة تقطع رؤوس الرهائن الذين لم يتم دفع فدية مقابل إطلاق سراحهم. كما استخدمت الجماعة الأطفال كجنود، وزرعت الألغام الأرضية في المناطق المدنية.
مكافحة الإرهاب والملاحقة
أصبحت جماعة أبو سياف هدفًا رئيسيًا لعمليات مكافحة الإرهاب التي نفذتها الحكومة الفلبينية، بدعم من الولايات المتحدة ودول أخرى. تم اعتقال أو قتل العديد من قادة وأعضاء الجماعة. ومع ذلك، استمرت الجماعة في العمل، على الرغم من تقلص حجمها وقدراتها.
مقتل عبد الرزاق جنجلاني
في 18 ديسمبر 1998، قُتل عبد الرزاق جنجلاني في تبادل لإطلاق النار مع الشرطة الفلبينية في جزيرة باسيلان. مثّل مقتله ضربة قوية لجماعة أبو سياف، لكنها لم تؤد إلى تفككها الكامل. تولى شقيقه الأصغر، خذافي جنجلاني، قيادة الجماعة بعد وفاته.
إرث عبد الرزاق جنجلاني
يعتبر عبد الرزاق أبو بكر جنجلاني شخصية مثيرة للجدل في تاريخ الفلبين. يرى البعض أنه بطل يسعى إلى الدفاع عن حقوق المسلمين في جنوب الفلبين. بينما يعتبره آخرون إرهابيًا مسؤولًا عن مقتل وإصابة آلاف الأبرياء. بغض النظر عن وجهة النظر، لا يمكن إنكار أن جنجلاني لعب دورًا مهمًا في تشكيل مسار الصراع في جنوب الفلبين.
كان لتأسيس جماعة أبو سياف على يد جنجلاني تأثير عميق على الأمن والاستقرار في الفلبين. أدت أنشطة الجماعة إلى تفاقم التوترات الطائفية، وعرقلت التنمية الاقتصادية، وساهمت في زعزعة استقرار المنطقة. على الرغم من مقتل جنجلاني، استمرت جماعة أبو سياف في العمل، ولا تزال تشكل تهديدًا أمنيًا في الفلبين حتى اليوم.
تظل قصة عبد الرزاق جنجلاني بمثابة تذكير بمخاطر التطرف العنيف. من الضروري معالجة الأسباب الجذرية للتطرف، وتعزيز التسامح والتفاهم بين الثقافات والأديان المختلفة، ومكافحة الإرهاب بكل الوسائل المشروعة.
جماعة أبو سياف بعد جنجلاني
بعد مقتل عبد الرزاق جنجلاني، واجهت جماعة أبو سياف العديد من التحديات، بما في ذلك الصراعات الداخلية والانشقاقات. تولى خذافي جنجلاني قيادة الجماعة، لكنه قُتل هو الآخر في عام 2007. بعد ذلك، تولى قادة مختلفون قيادة الجماعة، وشهدت الجماعة تحولات في أيديولوجيتها وأهدافها. في بعض الأحيان، أعلنت الجماعة ولاءها لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
على الرغم من جهود الحكومة الفلبينية والجيش الفلبيني للقضاء على جماعة أبو سياف، إلا أنها لا تزال موجودة، على الرغم من أنها أضعف بكثير مما كانت عليه في عهد عبد الرزاق جنجلاني. تواصل الجماعة تنفيذ هجمات متفرقة، وخاصة في مناطق جنوب الفلبين.
الدروس المستفادة
توفر قضية عبد الرزاق جنجلاني وجماعة أبو سياف العديد من الدروس المهمة حول التطرف والإرهاب. من بين هذه الدروس:
- أهمية معالجة الأسباب الجذرية للتطرف: لا يمكن مكافحة الإرهاب بشكل فعال إلا من خلال معالجة الأسباب الجذرية التي تدفع الناس إلى التطرف، مثل الفقر والظلم والتمييز.
- أهمية تعزيز التسامح والتفاهم بين الثقافات والأديان المختلفة: يمكن أن يساعد التسامح والتفاهم في منع انتشار الأيديولوجيات المتطرفة.
- أهمية مكافحة الإرهاب بكل الوسائل المشروعة: يجب على الحكومات والمجتمع المدني العمل معًا لمكافحة الإرهاب بكل الوسائل المشروعة، بما في ذلك إنفاذ القانون والاستخبارات والتعليم.
خاتمة
كان عبد الرزاق أبو بكر جنجلاني شخصية محورية في تاريخ التطرف والإرهاب في الفلبين. قادته أيديولوجيته المتطرفة إلى تأسيس جماعة أبو سياف، التي ارتكبت أعمال عنف مروعة. على الرغم من مقتله، استمرت جماعة أبو سياف في العمل، ولا تزال تشكل تهديدًا أمنيًا في الفلبين. تتطلب مكافحة الإرهاب معالجة الأسباب الجذرية للتطرف، وتعزيز التسامح والتفاهم، واستخدام جميع الوسائل المشروعة.