خلفية تاريخية
في عام 1947، أطلق جوزيف ستالين مشروعًا طموحًا لبناء سبع ناطحات سحاب ضخمة في موسكو. كان الهدف من هذا المشروع هو إظهار قوة الاتحاد السوفيتي وتقدمه التكنولوجي والمعماري للعالم. تم اختيار مواقع استراتيجية في جميع أنحاء المدينة لبناء هذه المباني، وتم تصميمها بأسلوب معماري فريد يجمع بين عناصر العمارة القوطية الجديدة والعمارة الإمبراطورية الستالينية. أصبحت هذه المباني، المعروفة باسم “الأخوات السبع”، رموزًا لموسكو وللاتحاد السوفيتي ككل.
بعد اكتمال بناء الأخوات السبع، ظهرت فكرة بناء ناطحة سحاب ثامنة لتكمل هذه المجموعة. تم اختيار موقع في حي زاراديي، وهو حي تاريخي يقع بالقرب من الكرملين والساحة الحمراء. تم تطوير تصميم أولي للمبنى، ولكن المشروع واجه العديد من التحديات والصعوبات، وفي النهاية تم إلغاؤه في عام 1953 بعد وفاة ستالين.
التصميم المقترح
على الرغم من أن مشروع الأخت الثامنة لم يتم تنفيذه، إلا أن التصميم المقترح للمبنى يُظهر طموحًا كبيرًا ورغبة في إنشاء تحفة معمارية فريدة من نوعها. كان من المفترض أن تكون الأخت الثامنة أطول من أي من الأخوات السبع الأخرى، وأن تتميز بتصميم أكثر تعقيدًا وفخامة.
تشير الرسوم والتصاميم الأولية إلى أن الأخت الثامنة كانت ستتكون من قاعدة عريضة ترتفع منها عدة أبراج متدرجة الارتفاع، تتوجها قمة مدببة مزينة بنجمة حمراء. كان من المفترض أن يتم تزيين واجهات المبنى بالعديد من العناصر الزخرفية، مثل الأعمدة والأقواس والتماثيل. بالإضافة إلى ذلك، كان من المخطط أن يضم المبنى العديد من المرافق والخدمات، مثل المكاتب والشقق والفنادق والمحلات التجارية وقاعات المؤتمرات.
بشكل عام، كان تصميم الأخت الثامنة يهدف إلى الجمع بين عناصر العمارة الكلاسيكية والعمارة الحديثة، وإلى إظهار قوة الاتحاد السوفيتي وتقدمه في جميع المجالات.
أسباب الإلغاء
هناك عدة أسباب أدت إلى إلغاء مشروع الأخت الثامنة في عام 1953. أحد هذه الأسباب هو وفاة جوزيف ستالين في ذلك العام. بعد وفاة ستالين، بدأت تغييرات كبيرة في السياسة السوفيتية، وتم التخلي عن العديد من المشاريع الضخمة التي كان قد أطلقها. بالإضافة إلى ذلك، كان هناك جدل كبير حول التكلفة الباهظة لبناء ناطحات السحاب، وحول مدى جدوى هذه المباني من الناحية الاقتصادية والاجتماعية.
سبب آخر لإلغاء المشروع هو التغييرات في التوجهات المعمارية في الاتحاد السوفيتي. بعد وفاة ستالين، بدأت الحكومة السوفيتية في تبني أسلوب معماري أكثر بساطة وعملية، وتم التركيز على بناء المساكن والمباني الصناعية بدلاً من ناطحات السحاب الفخمة.
بالإضافة إلى ذلك، واجه مشروع الأخت الثامنة بعض المشاكل التقنية والتنظيمية. كان بناء ناطحة سحاب بهذا الحجم والتعقيد يمثل تحديًا كبيرًا، وكان هناك نقص في الخبرة والموارد اللازمة لإنجاز المشروع بنجاح.
موقع زاراديي اليوم
بعد إلغاء مشروع الأخت الثامنة، ظل موقع زاراديي مهجورًا لسنوات عديدة. في عام 2012، تم إطلاق مشروع جديد لتحويل هذا الموقع إلى حديقة عامة حديثة. تم افتتاح حديقة زاراديي في عام 2018، وسرعان ما أصبحت واحدة من أشهر الوجهات السياحية في موسكو. تتميز الحديقة بتصميمها الفريد الذي يجمع بين عناصر الطبيعة والتكنولوجيا، وتضم العديد من المعالم الجذابة، مثل الجسر العائم فوق نهر موسكو، والكهف الجليدي، ومدرج الهواء الطلق.
على الرغم من أن الأخت الثامنة لم يتم بناؤها أبدًا، إلا أن موقعها السابق في زاراديي لا يزال يحمل أهمية تاريخية وثقافية كبيرة. يمثل هذا الموقع تذكيرًا بالطموحات الكبيرة التي كانت لدى الاتحاد السوفيتي في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وبالتغييرات الكبيرة التي شهدتها موسكو خلال القرن العشرين.
الأخوات السبع: نظرة عامة
لكي نفهم بشكل أفضل أهمية مشروع الأخت الثامنة، من المهم أن نلقي نظرة عامة على الأخوات السبع اللاتي سبقنها. هذه المباني السبعة هي:
- فندق أوكرانيا: يُعرف الآن باسم فندق راديسون رويال، وهو فندق فخم يقع على ضفاف نهر موسكو.
- مبنى وزارة الخارجية: مبنى ضخم يضم وزارة الخارجية الروسية.
- مبنى جامعة موسكو الحكومية: أطول مبنى في موسكو حتى عام 1990، ويضم جامعة موسكو الحكومية.
- فندق لينينغرادسكايا: فندق يقع بالقرب من محطة سكة حديد لينينغرادسكي.
- مبنى المساكن الواقعة على رصيف كوتيلنيتشسكايا: مبنى سكني يقع على ضفاف نهر موسكو.
- مبنى ساحة البوابة الحمراء الإداري والسكني: مبنى يضم مكاتب وشقق سكنية.
- مبنى فندق هيلتون موسكو لينينغرادسكايا: فندق فاخر يقع بالقرب من ساحة كومسومولسكايا.
تتميز هذه المباني السبعة بتصميمها المعماري الفريد الذي يجمع بين عناصر العمارة القوطية الجديدة والعمارة الإمبراطورية الستالينية. تُعتبر هذه المباني من أبرز معالم موسكو، وتُظهر قوة الاتحاد السوفيتي وتقدمه التكنولوجي والمعماري.
الإرث الثقافي
على الرغم من أن الأخت الثامنة لم يتم بناؤها، إلا أنها تركت إرثًا ثقافيًا مهمًا. يمثل هذا المشروع تذكيرًا بالطموحات الكبيرة التي كانت لدى الاتحاد السوفيتي في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وبالتغييرات الكبيرة التي شهدتها موسكو خلال القرن العشرين. بالإضافة إلى ذلك، يُعتبر تصميم الأخت الثامنة مصدر إلهام للعديد من المهندسين المعماريين والفنانين، ولا يزال يثير اهتمام الباحثين والمؤرخين.
يمكن القول إن الأخت الثامنة، على الرغم من عدم وجودها المادي، لا تزال جزءًا من الذاكرة الجماعية لموسكو، وتمثل رمزًا للطموح والتحدي والابتكار.
خاتمة
الأخت الثامنة هو مشروع ناطحة سحاب طموح لم يتم تنفيذه في موسكو، وكان من المفترض أن يكون إضافة مميزة إلى مجموعة الأخوات السبع الشهيرة. على الرغم من إلغاء المشروع لأسباب سياسية واقتصادية وتقنية، إلا أن فكرته وتصميمه لا يزالان يثيران الاهتمام والفضول. يمثل موقع الأخت الثامنة السابق في زاراديي اليوم حديقة عامة حديثة، لكن ذكرى هذا المشروع الطموح لا تزال حية في الذاكرة الجماعية لموسكو.