خلفية تاريخية
نشأت فكرة الحكم الذاتي في أيرلندا في سياق المشاكل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي واجهتها البلاد في القرن التاسع عشر. كانت أيرلندا قد اتحدت مع بريطانيا العظمى بموجب قانون الاتحاد لعام 1800، والذي أدى إلى إلغاء البرلمان الأيرلندي المستقل. ومع ذلك، أدى هذا الاتحاد إلى تفاقم العديد من المشاكل، بما في ذلك:
- التمثيل غير العادل: كان الأيرلنديون يشعرون بأن تمثيلهم في البرلمان البريطاني غير كافٍ، وأن مصالحهم غالبًا ما يتم تجاهلها.
- المشاكل الاقتصادية: عانت أيرلندا من الفقر والبطالة، إلى جانب الاعتماد الكبير على الزراعة، والتي كانت عرضة للأزمات مثل المجاعة الكبرى في أربعينيات القرن التاسع عشر.
- الظلم الديني: كان الكاثوليك الأيرلنديون يعانون من التمييز الديني بموجب القوانين الجنائية القديمة، على الرغم من تخفيفها تدريجيًا.
في مواجهة هذه التحديات، بدأت تظهر حركات سياسية تدعو إلى قدر أكبر من الحكم الذاتي لأيرلندا. كان من بين هذه الحركات حركة “إلغاء الاتحاد” في أربعينيات القرن التاسع عشر، والتي سعت إلى إلغاء قانون الاتحاد واستعادة البرلمان الأيرلندي المستقل. ومع ذلك، لم تنجح هذه الحركة في تحقيق أهدافها.
تأسيس الجمعية
تأسست جمعية الحكم الذاتي في 21 مايو 1870 في دبلن، أيرلندا، على يد المحامي والسياسي الأيرلندي البارز إسحاق بوت. كان بوت عضوًا في البرلمان البريطاني وكان يعتقد أن الحكم الذاتي هو أفضل وسيلة لتحقيق الاستقرار والازدهار في أيرلندا. جمع بوت مجموعة متنوعة من المؤيدين، بمن فيهم البرلمانيون الأيرلنديون، والوطنيون، وأصحاب المصالح التجارية.
كان الهدف الرئيسي للجمعية هو الحصول على حكم ذاتي لأيرلندا من خلال الوسائل الدستورية. دعت الجمعية إلى إنشاء برلمان أيرلندي خاص به سلطة على الشؤون الداخلية لأيرلندا، في حين يظل البرلمان البريطاني مسؤولاً عن شؤون الدفاع والسياسة الخارجية والمسائل الأخرى ذات الأهمية الإمبراطورية.
أهداف الجمعية
حددت جمعية الحكم الذاتي أهدافًا واضحة ومحددة لبرنامجها السياسي. كانت الأهداف الرئيسية للجمعية كما يلي:
- الحكم الذاتي: كان الهدف الرئيسي للجمعية هو الحصول على الحكم الذاتي لأيرلندا، والذي يعني إنشاء برلمان أيرلندي مسؤول عن الشؤون الداخلية لأيرلندا.
- التمثيل العادل: سعت الجمعية إلى ضمان تمثيل عادل للأيرلنديين في البرلمان البريطاني، حتى في فترة السعي لتحقيق الحكم الذاتي.
- الإصلاح الزراعي: أيدت الجمعية الإصلاح الزراعي لإنهاء نظام الإيجار غير العادل الذي كان يؤثر على العديد من المزارعين الأيرلنديين.
- التنمية الاقتصادية: سعت الجمعية إلى تعزيز التنمية الاقتصادية في أيرلندا من خلال تشجيع التجارة والصناعة.
تأثير الجمعية
لعبت جمعية الحكم الذاتي دورًا مهمًا في السياسة الأيرلندية في أواخر القرن التاسع عشر. لقد نجحت في:
- توحيد القوى الوطنية: ساعدت الجمعية في توحيد مختلف القوى الوطنية الأيرلندية تحت راية واحدة، وهي قضية الحكم الذاتي.
- تعبئة الدعم الشعبي: تمكنت الجمعية من تعبئة الدعم الشعبي الواسع النطاق لقضية الحكم الذاتي في جميع أنحاء أيرلندا.
- التأثير على البرلمان البريطاني: مارست الجمعية ضغوطًا على الحكومة البريطانية للتعامل بجدية مع مسألة الحكم الذاتي.
أدى نجاح الجمعية في توحيد القوى الوطنية وتعبئة الدعم الشعبي إلى دفع قضية الحكم الذاتي إلى مركز الصدارة في السياسة البريطانية والأيرلندية. ومع ذلك، واجهت الجمعية تحديات كبيرة. عارضت الأحزاب السياسية البريطانية الرئيسية، وخاصة حزب المحافظين، الحكم الذاتي، وخافت من أن يؤدي إلى تفكك المملكة المتحدة. بالإضافة إلى ذلك، كان هناك انقسام داخل الحركة الوطنية الأيرلندية حول كيفية تحقيق الحكم الذاتي.
التحولات والتطورات
شهدت جمعية الحكم الذاتي تغييرات وتطورات مهمة على مر السنين. في عام 1873، أسس إسحاق بوت “حزب الحكم الذاتي” كحزب سياسي رسمي لتعزيز أهداف الجمعية في البرلمان البريطاني. بعد وفاة بوت في عام 1879، تولى تشارلز ستيوارت بارنيل قيادة الحزب. كان بارنيل سياسيًا موهوبًا وقائدًا كاريزماتيًا، وقد لعب دورًا حاسمًا في تعزيز قضية الحكم الذاتي. تحت قيادة بارنيل، أصبح الحزب أكثر تنظيمًا وفعالية.
في عام 1886، قدم رئيس الوزراء البريطاني وليام غلادستون مشروع قانون الحكم الذاتي الأول لأيرلندا. أثار مشروع القانون جدلاً كبيرًا في بريطانيا وأيرلندا، ولكنه هُزم في البرلمان. على الرغم من هذه النكسة، واصل حزب الحكم الذاتي الضغط من أجل الحكم الذاتي. في عام 1893، قدم غلادستون مشروع قانون الحكم الذاتي الثاني، والذي تم تمريره في مجلس العموم ولكنه رفض في مجلس اللوردات.
بعد وفاة بارنيل في عام 1891، انقسم الحزب الوطني الأيرلندي. أضعف هذا الانقسام حركة الحكم الذاتي وأدى إلى بعض التدهور في الدعم الشعبي. في أوائل القرن العشرين، ظهرت حركات وطنية أخرى، مثل “السن فيين”، والتي دعت إلى استقلال أيرلندا الكامل عن بريطانيا. أدت هذه الحركات إلى زيادة تعقيد المشهد السياسي الأيرلندي.
الإرث والنتائج
على الرغم من أن جمعية الحكم الذاتي لم تحقق هدفها النهائي المتمثل في الحكم الذاتي الكامل لأيرلندا في ذلك الوقت، إلا أنها تركت إرثًا دائمًا. لعبت الجمعية دورًا حاسمًا في تشكيل المشهد السياسي الأيرلندي في أواخر القرن التاسع عشر. لقد ساعدت في توحيد القوى الوطنية وتعبئة الدعم الشعبي لقضية الحكم الذاتي. كما أدت إلى قيام حزب سياسي قوي ومؤثر في البرلمان البريطاني.
على الرغم من أن مشاريع قوانين الحكم الذاتي التي تم تقديمها في القرن التاسع عشر فشلت في الحصول على الموافقة، إلا أن قضية الحكم الذاتي ظلت على قيد الحياة. في عام 1914، تم تمرير قانون الحكم الذاتي الثالث لأيرلندا. ومع ذلك، تم تعليق تنفيذ هذا القانون بسبب اندلاع الحرب العالمية الأولى. بعد الحرب، أدت الانتفاضة الأيرلندية عام 1916 والحرب الأيرلندية من أجل الاستقلال (1919-1921) إلى تقسيم أيرلندا.
في عام 1921، تم تقسيم أيرلندا إلى دولتين: أيرلندا الشمالية، التي ظلت جزءًا من المملكة المتحدة، وأيرلندا الحرة، التي أصبحت دولة مستقلة. في النهاية، حصلت أيرلندا الحرة على استقلالها الكامل في عام 1949. يعتبر إرث جمعية الحكم الذاتي معقدًا. على الرغم من أنها لم تحقق الحكم الذاتي الكامل في ذلك الوقت، إلا أنها أعدت الطريق للاستقلال الأيرلندي وألهمت الأجيال القادمة من الوطنيين الأيرلنديين.
أهمية جمعية الحكم الذاتي
تكمن أهمية جمعية الحكم الذاتي في عدة جوانب:
- بناء الحركة الوطنية: ساهمت الجمعية في بناء حركة وطنية قوية ومتماسكة في أيرلندا، مما أدى إلى تعزيز الوعي الوطني والرغبة في تقرير المصير.
- تأثيرها على السياسة البريطانية: أجبرت الجمعية الحكومة البريطانية على التعامل بجدية مع القضية الأيرلندية، مما أدى إلى نقاشات في البرلمان ومحاولات لإيجاد حلول دستورية.
- تمهيد الطريق للاستقلال: على الرغم من الفشل في تحقيق الحكم الذاتي الكامل في البداية، إلا أن الجمعية ساهمت في تمهيد الطريق للاستقلال الأيرلندي في القرن العشرين.
- إلهام الحركات الوطنية الأخرى: شكلت تجربة جمعية الحكم الذاتي مصدر إلهام للحركات الوطنية الأخرى في جميع أنحاء العالم التي سعت إلى تقرير المصير والاستقلال.
العوامل المؤثرة في مسار الجمعية
تأثرت جمعية الحكم الذاتي بمجموعة متنوعة من العوامل التي شكلت مسارها ونجاحها في تحقيق أهدافها:
- القيادة: لعب قادة الجمعية، مثل إسحاق بوت وتشارلز ستيوارت بارنيل، دورًا حاسمًا في توجيه الحركة وتعبئة الدعم.
- الدعم الشعبي: كان الدعم الشعبي الواسع لقضية الحكم الذاتي في جميع أنحاء أيرلندا عاملاً مهمًا في الضغط على الحكومة البريطانية.
- الظروف السياسية والاقتصادية: أثرت الظروف السياسية والاقتصادية في بريطانيا وأيرلندا على تطور الحركة.
- المعارضة: واجهت الجمعية معارضة قوية من الأحزاب السياسية البريطانية، وخاصة حزب المحافظين، وكذلك من بعض الجماعات داخل أيرلندا.
تحديات ومشاكل واجهت الجمعية
واجهت جمعية الحكم الذاتي العديد من التحديات والمشاكل التي أعاقت تقدمها:
- الانقسامات الداخلية: أدت الانقسامات الداخلية داخل الحركة الوطنية الأيرلندية إلى إضعاف الجمعية وتقليل فعاليتها.
- المعارضة البريطانية: عارضت الأحزاب السياسية البريطانية الرئيسية الحكم الذاتي، مما جعل من الصعب تمرير التشريعات.
- العنف: أدى العنف والاضطرابات السياسية في أيرلندا إلى تعقيد الوضع وإعاقة عملية السلام.
- المشاكل الاقتصادية: استمرت المشاكل الاقتصادية في أيرلندا في التأثير على الوضع الاجتماعي والسياسي، مما جعل من الصعب تحقيق الاستقرار.
خاتمة
بشكل عام، كانت جمعية الحكم الذاتي قوة سياسية مهمة في أيرلندا في أواخر القرن التاسع عشر. على الرغم من أنها لم تحقق الحكم الذاتي الكامل في ذلك الوقت، إلا أنها تركت إرثًا دائمًا من خلال توحيد القوى الوطنية، وتعبئة الدعم الشعبي، والضغط على الحكومة البريطانية. مهدت الجمعية الطريق للاستقلال الأيرلندي في القرن العشرين، ولا يزال إرثها يتردد صداه في أيرلندا حتى اليوم.
المراجع
- Home Rule movement – Britannica
- Home Rule: The long and winding road to Irish independence – The Irish Times
- Irish Home Rule Bill passed – HISTORY
- Home Rule – BBC
“`