تاريخ المقهى
افتُتح مقهى لا نوفيل أثين في منتصف القرن التاسع عشر، وسرعان ما أصبح نقطة التقاء للفنانين والكتاب الذين كانوا يبحثون عن مكان يلهمهم ويحفزهم على الإبداع. كان المقهى يقع في منطقة بيغال، التي كانت مركزًا للحياة الفنية والثقافية في باريس. جذبت المنطقة العديد من الفنانين والكتاب الطموحين الذين كانوا يسعون إلى تحقيق أحلامهم في العاصمة الفرنسية.
يُعتقد أن اسم المقهى، “لا نوفيل أثين” (أثينا الجديدة)، يشير إلى الطموحات الفنية والثقافية للمجموعة التي كانت ترتاده. كانت أثينا القديمة تعتبر مهد الفلسفة والفن والأدب، وكان الفنانون والكتاب الذين تجمعوا في المقهى يأملون في إنشاء مركز ثقافي جديد في باريس يضاهي أثينا القديمة.
رواد المقهى
استقطب مقهى لا نوفيل أثين مجموعة متنوعة من الشخصيات البارزة في عالم الفن والأدب، ومن بين أبرز رواده:
- إدغار ديغا (Edgar Degas): رسام ونحات فرنسي، اشتهر بلوحاته التي تصور الحياة الباريسية، وخاصة راقصات الباليه. كان ديغا من رواد المقهى، وغالبًا ما كان يرسم أو يرسم اسكتشات في المقهى.
- إدوارد مانيه (Édouard Manet): رسام فرنسي، يعتبر شخصية رئيسية في الانتقال من الواقعية إلى الانطباعية. كان مانيه من رواد المقهى، وكان يجتمع فيه مع أصدقائه الفنانين والكتاب لمناقشة الأفكار الفنية والأدبية.
- كلود مونيه (Claude Monet): رسام فرنسي، يعتبر مؤسس الحركة الانطباعية. كان مونيه يرتاد المقهى في بعض الأحيان، على الرغم من أنه كان يفضل العمل في الهواء الطلق.
- بيير أوغست رينوار (Pierre-Auguste Renoir): رسام فرنسي، يعتبر من أبرز الرسامين الانطباعيين. كان رينوار من رواد المقهى، وغالبًا ما كان يرسم صورًا لأصدقائه وزملائه الفنانين في المقهى.
- إميل زولا (Émile Zola): كاتب فرنسي، يعتبر من مؤسسي المدرسة الطبيعية في الأدب. كان زولا من رواد المقهى، وكان يجتمع فيه مع أصدقائه الكتاب لمناقشة الأفكار الأدبية والسياسية.
- مارسيل بروست (Marcel Proust): كاتب فرنسي، اشتهر بروايته “البحث عن الزمن الضائع”. كان بروست يرتاد المقهى في بعض الأحيان، على الرغم من أنه كان شخصًا انطوائيًا.
بالإضافة إلى هؤلاء الفنانين والكتاب البارزين، كان المقهى يرتاده العديد من الفنانين والكتاب الطموحين الآخرين الذين كانوا يسعون إلى تحقيق النجاح في عالم الفن والأدب. كان المقهى بمثابة مكان التقاء وتبادل للأفكار، وساهم في تشكيل المشهد الفني والثقافي الباريسي في تلك الحقبة.
الأجواء في المقهى
كان مقهى لا نوفيل أثين يتميز بأجوائه الحيوية والمفعمة بالإبداع. كان الفنانون والكتاب يجتمعون فيه لمناقشة الأفكار الفنية والأدبية، وتبادل الآراء، والعمل على مشاريعهم. كان المقهى بمثابة ورشة عمل غير رسمية، حيث كان الفنانون والكتاب يتبادلون النصائح والتشجيع.
كانت الجدران مغطاة بلوحات ورسومات للفنانين الذين كانوا يرتادون المقهى، مما أضفى عليه جوًا فنيًا مميزًا. كانت الموسيقى تعزف في الخلفية، مما زاد من حيوية الأجواء. كان المقهى مكانًا مثاليًا للإلهام والإبداع.
كان المقهى أيضًا مكانًا للنقاش السياسي والاجتماعي. كان الفنانون والكتاب يناقشون القضايا السياسية والاجتماعية التي كانت تشغل بالهم، ويعبرون عن آرائهم بحرية. كان المقهى بمثابة منبر حر للتعبير عن الأفكار.
تأثير المقهى على الفن والأدب
كان لمقهى لا نوفيل أثين تأثير كبير على الفن والأدب في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. ساهم المقهى في تشكيل المشهد الفني والثقافي الباريسي، وساعد في إطلاق العديد من الحركات الفنية والأدبية الهامة.
كان المقهى بمثابة حاضنة للحركة الانطباعية، وهي حركة فنية ثورية غيرت طريقة رؤية العالم. كان الفنانون الانطباعيون يجتمعون في المقهى لمناقشة أفكارهم وتبادل الآراء، وتطوير أسلوبهم الفني المميز.
كما ساهم المقهى في تطوير المدرسة الطبيعية في الأدب، وهي حركة أدبية تسعى إلى تصوير الواقع بشكل دقيق وموضوعي. كان الكتاب الطبيعيون يجتمعون في المقهى لمناقشة أفكارهم وتبادل الآراء، وتطوير أسلوبهم الأدبي المميز.
بشكل عام، لعب مقهى لا نوفيل أثين دورًا هامًا في تطوير الفن والأدب الحديث، وساهم في تشكيل المشهد الفني والثقافي الباريسي في تلك الحقبة.
المقهى في الفن والأدب
ظهر مقهى لا نوفيل أثين في العديد من الأعمال الفنية والأدبية، مما يعكس أهميته في المشهد الثقافي الباريسي. قام العديد من الفنانين برسم صور للمقهى ورواده، وقام العديد من الكتاب بكتابة قصص وروايات تدور أحداثها في المقهى.
من بين أشهر اللوحات التي تصور المقهى، لوحة “في مقهى لا نوفيل أثين” لإدغار ديغا. تصور اللوحة مجموعة من الفنانين والكتاب يجلسون في المقهى، ويناقشون الأفكار الفنية والأدبية. تعتبر اللوحة وثيقة تاريخية هامة، حيث أنها تعطينا لمحة عن الحياة الفنية والثقافية الباريسية في تلك الحقبة.
كما ظهر المقهى في العديد من الروايات والقصص، مثل رواية “نانسي” لإميل زولا. تدور أحداث الرواية في باريس في القرن التاسع عشر، وتصور حياة فتاة شابة تعمل كعاملة في أحد المصانع. تتردد نانسي على مقهى لا نوفيل أثين، حيث تلتقي بالفنانين والكتاب الذين يلهمونها ويساعدونها على تحقيق أحلامها.
نهاية المقهى
أغلق مقهى لا نوفيل أثين أبوابه في أوائل القرن العشرين، بعد أن فقد بريقه وأهميته. تغير المشهد الفني والثقافي الباريسي، وظهرت مقاهي جديدة أصبحت أكثر شعبية من لا نوفيل أثين.
على الرغم من ذلك، لا يزال مقهى لا نوفيل أثين يحظى بمكانة خاصة في تاريخ الفن والأدب. يعتبر المقهى رمزًا للحياة الفنية والثقافية الباريسية في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، ويذكرنا بأهمية المقاهي كمكان التقاء وتبادل للأفكار.
خاتمة
كان مقهى لا نوفيل أثين أكثر من مجرد مكان لشرب القهوة. كان مركزًا للحياة الفنية والثقافية الباريسية، ومكانًا يلتقي فيه الفنانون والكتاب والمثقفون لتبادل الأفكار والإلهام. ساهم المقهى في تشكيل المشهد الفني والثقافي الباريسي، وساعد في إطلاق العديد من الحركات الفنية والأدبية الهامة. على الرغم من أن المقهى قد أغلق أبوابه منذ فترة طويلة، إلا أنه لا يزال يحظى بمكانة خاصة في تاريخ الفن والأدب.