<![CDATA[
نشأتها وزواجها من عموري الأول
ولدت ماريا كومنين في القسطنطينية، وكانت ابنة يوحنا كومنينوس، دوق قبرص، وإيريني دوبروسينا. كانت عائلة كومنينوس من بين أكثر العائلات الأرستقراطية نفوذاً في الإمبراطورية البيزنطية، مما منح ماريا مكانة اجتماعية مرموقة. في عام 1167، تزوجت من الملك عموري الأول ملك القدس. كان هذا الزواج ذا أهمية سياسية كبيرة، حيث سعى عموري إلى تعزيز العلاقات مع الإمبراطورية البيزنطية، القوة العظمى المجاورة التي يمكن أن تقدم مساعدات قيمة ضد التهديدات الإسلامية.
كان زواج ماريا وعموري يهدف إلى تحقيق الاستقرار السياسي وتعزيز موقف مملكة القدس. قدمت الإمبراطورية البيزنطية مساعدات عسكرية ومالية للمملكة الصليبية، مما ساهم في تقوية دفاعاتها ضد الزنكيين والأيوبيين. كان يُنظر إلى ماريا نفسها على أنها شخصية مؤثرة في البلاط، حيث كانت تعمل كوسيط بين المصالح البيزنطية واللاتينية.
فترة حكمها كملكة
خلال فترة حكمها كملكة، شاركت ماريا بنشاط في الشؤون السياسية للمملكة. كانت معروفة بذكائها ودبلوماسيتها، وغالبًا ما كانت تلعب دورًا حاسمًا في المفاوضات والتحالفات. دعمت الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية في القدس وحاولت تعزيز التفاهم بين الطوائف المسيحية المختلفة في المملكة.
تميزت فترة حكم عموري بالحروب المستمرة ضد نور الدين زنكي وصلاح الدين الأيوبي. لعبت ماريا دورًا في دعم جهود زوجها الحربية من خلال حشد الدعم وتأمين الموارد. بعد وفاة عموري عام 1174، واجهت المملكة تحديات كبيرة بسبب صغر سن الملك الجديد، بالدوين الرابع، وتدهور حالته الصحية.
الوصاية والزواج من باليان الثاني
بعد وفاة عموري، تولى بالدوين الرابع، وهو ابن عموري من زواجه الأول، العرش. نظرًا لأن بالدوين كان قاصرًا ومصابًا بالجذام، كانت هناك حاجة إلى وصي. سعت ماريا إلى الحصول على الوصاية على ابنها غير الشقيق بالدوين الرابع، ولكن تم تجاهلها لصالح ريموند الثالث، كونت طرابلس. أدى هذا إلى زيادة تعقيد المشهد السياسي في المملكة.
في عام 1177، تزوجت ماريا من باليان الثاني من إبلين، وهو نبيل قوي ومحترم في المملكة. كان باليان شخصية بارزة في البلاط وكان له تأثير كبير على الشؤون السياسية. من خلال الزواج من باليان، عززت ماريا موقعها في المملكة وشكلت تحالفًا قويًا ضد خصومها.
دورها في السياسة والمؤامرات
كانت ماريا وباليان من بين الشخصيات البارزة التي عارضت سياسات ريموند الثالث وآخرين في البلاط. لعبوا دورًا في تعيين غي دي لوزينيان كوصي على بالدوين الرابع المريض، وهي خطوة أثارت الجدل العميق وأدت إلى انقسامات داخل المملكة. كانت ماريا وباليان من بين المؤيدين الرئيسيين لغي، معتقدين أنه الأنسب للدفاع عن المملكة ضد التهديدات الخارجية.
بعد وفاة بالدوين الرابع، تصاعدت الصراعات على السلطة. دعمت ماريا وباليان ترشيح سيبيلا، أخت بالدوين الرابع، كملكة، وزواجها لاحقًا من غي دي لوزينيان. أدت هذه الخطوة إلى مزيد من التوتر مع فصيل ريموند الثالث، الذي فضل مرشحًا آخر. لعبت ماريا دورًا فعالًا في ضمان تولي غي وسيبيلا العرش، مما شكل بشكل كبير مسار تاريخ مملكة القدس.
معركة حطين وسقوط القدس
في عام 1187، واجهت مملكة القدس كارثة في معركة حطين، حيث هُزم الجيش الصليبي بشكل حاسم على يد صلاح الدين الأيوبي. قُتل أو أُسر العديد من النبلاء والجنود، مما أدى إلى سقوط القدس في أيدي المسلمين. لعب باليان دورًا حاسمًا في الدفاع عن القدس خلال الحصار، لكن المدينة سقطت في النهاية.
بعد سقوط القدس، تمكنت ماريا وباليان من الفرار إلى طرابلس مع أفراد آخرين من العائلة المالكة. فقدت المملكة معظم أراضيها، وأصبح وضع الصليبيين في المنطقة محفوفًا بالمخاطر بشكل متزايد. شاركت ماريا وباليان في الجهود المبذولة لإعادة بناء المملكة الصليبية وإطلاق حملة صليبية جديدة لاستعادة القدس.
الحملة الصليبية الثالثة
لعبت الحملة الصليبية الثالثة، بقيادة ريتشارد قلب الأسد وفيليب الثاني ملك فرنسا، دورًا حاسمًا في استعادة بعض الأراضي المفقودة للمملكة الصليبية. على الرغم من عدم تمكنهم من استعادة القدس، إلا أن الصليبيين تمكنوا من تأمين شريط ساحلي من صور إلى يافا، مما سمح بإنشاء مملكة صليبية جديدة في عكا.
واصلت ماريا وباليان لعب دور نشط في السياسة في المملكة الصليبية الجديدة. دعموا جهود كونراد من مونفيراتو لتولي العرش وعارضوا مطالبات غي دي لوزينيان. بعد اغتيال كونراد، دعموا زواج إيزابيلا الأولى من هنري الثاني، كونت شامبانيا، لضمان وجود حاكم قوي للمملكة.
حياتها اللاحقة ووفاتها
بعد انتهاء الحملة الصليبية الثالثة، استقرت ماريا وباليان في المملكة الصليبية الجديدة في عكا. استمروا في لعب دور في الشؤون السياسية ودعم مصالح عائلتهم. توفيت ماريا عام 1217، منهية حياة مليئة بالتقلبات السياسية والصراعات في مملكة القدس الصليبية.
تراثها
تعتبر ماريا كومنين شخصية مهمة في تاريخ مملكة القدس الصليبية. لعبت دورًا حاسمًا في تشكيل السياسة والتحالفات في المملكة خلال فترة مضطربة. كان زواجها من عموري الأول بمثابة تحالف استراتيجي مع الإمبراطورية البيزنطية، وزواجها اللاحق من باليان الثاني عزز مكانتها في البلاط. كانت ماريا شخصية قوية ومؤثرة، وتركت بصمة دائمة على مملكة القدس الصليبية.
خاتمة
كانت ماريا كومنين، ملكة القدس، شخصية محورية في تاريخ مملكة القدس الصليبية. من خلال زواجها وعلاقاتها السياسية ومشاركتها في الصراعات على السلطة، تركت بصمة لا تُمحى على المملكة. من خلال دعمها للكنيسة الأرثوذكسية الشرقية إلى دورها في الحملة الصليبية الثالثة، أظهرت ماريا مرونة سياسية والتزامًا بمصالح مملكتها. لا تزال قصتها شهادة على تعقيدات ودراما العصور الصليبية.