تاريخ التأسيس والأصول
يعود تاريخ مجتمع العيش الواعي إلى أوائل الثمانينيات، عندما بدأ مجموعة من الطلاب والممارسين المهتمين بتعاليم ثيت نهات هانه بالاجتماع بانتظام لممارسة التأمل وتبادل الخبرات. كانت هذه الاجتماعات الصغيرة بمثابة النواة التي نمت لتصبح مجتمعًا رسميًا في عام 1983. تأثر المؤسسون بشكل كبير بتعاليم ثيت نهات هانه حول “بوذية منخرطة” (Engaged Buddhism)، والتي تؤكد على تطبيق مبادئ البوذية في الحياة اليومية والمساهمة في حل المشكلات الاجتماعية والبيئية.
المبادئ الأساسية والتعاليم
يسترشد مجتمع العيش الواعي بمجموعة من المبادئ الأساسية والتعاليم المستوحاة من البوذية، وخاصة تقاليد الزن (Zen). تشمل هذه المبادئ:
- اليقظة الذهنية (Mindfulness): الانتباه الكامل للحظة الحاضرة دون إصدار أحكام. يتم ممارسة اليقظة الذهنية من خلال التأمل، والمشي التأملي، والانتباه إلى الأنشطة اليومية مثل الأكل والتنفس.
- التأمل (Meditation): ممارسة تساعد على تهدئة العقل وتنمية الوعي الداخلي. يمارس أعضاء المجتمع أنواعًا مختلفة من التأمل، بما في ذلك تأمل الجلوس، وتأمل المشي، وتأمل المحبة واللطف (Metta).
- السلام (Peace): السعي إلى تحقيق السلام الداخلي والخارجي. يؤمن المجتمع بأن السلام الحقيقي يبدأ بالسلام داخل أنفسنا، ثم ينتشر إلى علاقاتنا ومجتمعاتنا والعالم.
- الرحمة (Compassion): التعاطف مع معاناة الآخرين والرغبة في تخفيفها. يتم التعبير عن الرحمة من خلال الأفعال الطيبة، والمساهمة في الأعمال الخيرية، والدفاع عن العدالة الاجتماعية.
- التواصل الواعي (Mindful Communication): التحدث والاستماع بانتباه وصدق واحترام. يهدف التواصل الواعي إلى تجنب سوء الفهم والصراعات، وبناء علاقات صحية وإيجابية.
- الاستهلاك الواعي (Mindful Consumption): اتخاذ خيارات واعية بشأن ما نستهلكه، مع الأخذ في الاعتبار تأثير هذه الخيارات على البيئة والمجتمع. يشجع المجتمع على تقليل الاستهلاك، وإعادة التدوير، ودعم المنتجات المستدامة والأخلاقية.
الممارسات والأنشطة
يقدم مجتمع العيش الواعي مجموعة متنوعة من الممارسات والأنشطة التي تهدف إلى دعم أعضائه في تنمية الوعي والسلام والرحمة. تشمل هذه الممارسات والأنشطة:
- جلسات التأمل المنتظمة: تُعقد جلسات تأمل جماعية بانتظام في مراكز المجتمع والمنازل الخاصة. تتيح هذه الجلسات للأعضاء ممارسة التأمل معًا وتبادل الخبرات.
- ورش العمل والدورات التدريبية: يقدم المجتمع ورش عمل ودورات تدريبية حول مواضيع مختلفة، مثل اليقظة الذهنية، والتأمل، والتواصل الواعي، وإدارة الغضب، والتعامل مع التوتر.
- التراجعات الروحية (Retreats): ينظم المجتمع تراجعات روحية في أماكن هادئة وطبيعية، حيث يمكن للأعضاء قضاء أيام أو أسابيع في ممارسة التأمل واليوغا والأنشطة الأخرى التي تعزز السلام الداخلي.
- مجموعات الدعم: يوفر المجتمع مجموعات دعم للأشخاص الذين يعانون من تحديات معينة، مثل الحزن، والقلق، والإدمان. تتيح هذه المجموعات للأعضاء مشاركة تجاربهم وتلقي الدعم من الآخرين.
- الخدمة المجتمعية: يشجع المجتمع أعضائه على المشاركة في الخدمة المجتمعية، مثل التطوع في بنوك الطعام، ومساعدة المشردين، وحماية البيئة.
- الأحداث الاجتماعية: ينظم المجتمع أحداثًا اجتماعية مختلفة، مثل النزهات، والحفلات، والاحتفالات، لخلق شعور بالانتماء والتواصل بين الأعضاء.
مراكز المجتمع
يمتلك مجتمع العيش الواعي العديد من المراكز في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك:
- دير البرقوق (Plum Village): هو الدير الرئيسي لمجتمع العيش الواعي، ويقع في جنوب غرب فرنسا. تأسس الدير عام 1982 على يد ثيت نهات هانه، وهو مركز عالمي للتدريب على اليقظة الذهنية والتأمل.
- مركز الجبل الأخضر (Green Mountain Dharma Center): يقع في ولاية فيرمونت بالولايات المتحدة. يوفر المركز برامج تدريبية مكثفة على التأمل واليوغا.
- مركز الباب الذهبي (Deer Park Monastery): يقع في ولاية كاليفورنيا بالولايات المتحدة. يوفر المركز برامج تدريبية حول البوذية واليقظة الذهنية.
- مركز أفالون (Magnolia Village Practice Center): يقع في ولاية مسيسيبي بالولايات المتحدة. يوفر المركز بيئة داعمة لممارسة اليقظة الذهنية والتأمل.
تأثير المجتمع وانتشاره
أحدث مجتمع العيش الواعي تأثيرًا كبيرًا على حركة اليقظة الذهنية في العالم. لقد ساهم في نشر تعاليم ثيت نهات هانه حول اليقظة الذهنية والتأمل، وألهم الآلاف من الناس لتبني هذه الممارسات في حياتهم اليومية. كما أن المجتمع كان له دور فعال في تعزيز الحوار بين الأديان، والدفاع عن العدالة الاجتماعية، وحماية البيئة.
تنتشر فروع مجتمع العيش الواعي في العديد من البلدان حول العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة، وكندا، وأوروبا، وأستراليا، وآسيا. تقدم هذه الفروع المحلية مجموعة متنوعة من البرامج والأنشطة التي تهدف إلى دعم أعضائها في ممارسة اليقظة الذهنية والتأمل.
مساهمات ثيت نهات هانه
كان لثيت نهات هانه دور محوري في تأسيس وتطوير مجتمع العيش الواعي. بصفته المعلم الروحي للمجتمع، فقد ألهم الملايين من الناس حول العالم بتعاليمه حول اليقظة الذهنية، والسلام، والرحمة. لقد كتب أكثر من 100 كتاب حول هذه المواضيع، والتي ترجمت إلى العديد من اللغات. كما أنه سافر على نطاق واسع لإلقاء المحاضرات وقيادة التراجعات الروحية.
يعتبر ثيت نهات هانه أحد أهم الشخصيات البوذية في العصر الحديث. لقد ساهم بشكل كبير في جعل البوذية في متناول الناس من جميع الخلفيات الثقافية والدينية. كما أنه كان له دور فعال في تطبيق مبادئ البوذية في حل المشكلات الاجتماعية والبيئية.
نقد المجتمع
على الرغم من شعبيته وتأثيره الواسع، فقد تعرض مجتمع العيش الواعي لبعض الانتقادات. يرى بعض النقاد أن المجتمع يركز بشكل كبير على التأمل الفردي، ويتجاهل القضايا الاجتماعية والسياسية الأكثر إلحاحًا. كما أنهم ينتقدون المجتمع بسبب هيكله الهرمي، والذي يمنح ثيت نهات هانه سلطة كبيرة.
يدافع أنصار المجتمع عن ممارساته وتعاليمه، ويؤكدون أن التأمل الفردي هو الأساس الذي يمكن أن نبني عليه السلام والعدالة في العالم. كما أنهم يؤكدون أن هيكل المجتمع ضروري للحفاظ على وحدته وفعاليته.
خاتمة
مجتمع العيش الواعي هو مجتمع بوذي عالمي يهدف إلى تعزيز السلام والوعي والرحمة من خلال ممارسات التأمل واليقظة الذهنية. تأسس المجتمع على يد أتباع المعلم البوذي الفيتنامي ثيت نهات هانه، ويسترشد بمجموعة من المبادئ الأساسية والتعاليم المستوحاة من البوذية. يقدم المجتمع مجموعة متنوعة من الممارسات والأنشطة التي تهدف إلى دعم أعضائه في تنمية الوعي والسلام والرحمة، وقد أحدث تأثيرًا كبيرًا على حركة اليقظة الذهنية في العالم. على الرغم من بعض الانتقادات، يظل مجتمع العيش الواعي قوة دافعة للتغيير الإيجابي في العالم.