نشأته وتعليمه
ولد فريدريش بانيت في فيينا، النمسا، في 31 أغسطس 1887، لعائلة يهودية ميسورة الحال. درس الكيمياء في جامعة فيينا، حيث حصل على درجة الدكتوراه في عام 1910 تحت إشراف البروفيسور زدينكو هـ. سكيلر. خلال فترة دراسته، أظهر بانيت اهتمامًا خاصًا بالكيمياء الإشعاعية والتحليل الكيميائي.
بعد حصوله على الدكتوراه، واصل بانيت أبحاثه في الكيمياء الإشعاعية في معهد أبحاث الراديوم في فيينا، حيث عمل مع الفيزيائي النمساوي ستيفان ماير. هناك، اكتسب خبرة كبيرة في التعامل مع المواد المشعة وتقنيات القياس الإشعاعي. هذه التجربة ستكون حاسمة في مسيرته المهنية اللاحقة.
مسيرته المهنية
بدأ بانيت مسيرته الأكاديمية في عام 1913 كمحاضر في جامعة فيينا. خلال الحرب العالمية الأولى، خدم في الجيش النمساوي. بعد الحرب، عاد إلى الأوساط الأكاديمية وعمل في عدة جامعات مرموقة في ألمانيا.
في عام 1919، أصبح أستاذًا للكيمياء الفيزيائية في جامعة هامبورغ. خلال فترة وجوده في هامبورغ، قام بانيت بأبحاث رائدة في مجال النظائر وتطبيقاتها في الكيمياء والجيولوجيا. طور طريقة جديدة لتحديد عمر الصخور والمعادن باستخدام قياسات النظائر المشعة، وهي تقنية أصبحت تعرف لاحقًا باسم التأريخ الإشعاعي. كما قام بدراسة امتزاز الغازات على الأسطح الصلبة.
في عام 1929، انتقل بانيت إلى جامعة كونيغسبرغ كأستاذ للكيمياء. استمر في أبحاثه حول النظائر وتطبيقاتها، بالإضافة إلى دراسة التفاعلات الكيميائية في الطور الغازي.
مع صعود الحزب النازي إلى السلطة في ألمانيا في عام 1933، واجه بانيت، وهو من أصل يهودي، صعوبات متزايدة. نتيجة لذلك، قرر مغادرة ألمانيا والبحث عن منصب أكاديمي في الخارج.
الهجرة إلى بريطانيا
في عام 1933، انتقل بانيت إلى بريطانيا، حيث حصل على منصب محاضر في الكيمياء في إمبريال كوليدج لندن. في عام 1939، أصبح أستاذًا للكيمياء في جامعة دورهام. خلال الحرب العالمية الثانية، عمل بانيت كمستشار علمي للحكومة البريطانية، حيث قدم خبرته في مجال الكيمياء الإشعاعية.
بعد الحرب، عاد بانيت إلى جامعة دورهام واستأنف أبحاثه الأكاديمية. واصل دراسة النظائر وتطبيقاتها، بالإضافة إلى تطوير طرق جديدة للتحليل الكيميائي. في عام 1953، تقاعد من جامعة دورهام وأصبح أستاذًا زائرًا في جامعة ماينز في ألمانيا.
إسهاماته العلمية
قدم فريدريش بانيت العديد من المساهمات الهامة في مجال الكيمياء، وخاصة في مجال الكيمياء الإشعاعية وعلم النظائر. من بين أبرز إنجازاته:
- تطوير تقنية التأريخ الإشعاعي: طور بانيت طريقة جديدة لتحديد عمر الصخور والمعادن باستخدام قياسات النظائر المشعة. هذه التقنية، التي أصبحت تعرف لاحقًا باسم التأريخ الإشعاعي، أحدثت ثورة في علم الجيولوجيا وعلم الآثار، مما سمح للعلماء بتحديد عمر المواد القديمة بدقة أكبر.
- دراسة امتزاز الغازات على الأسطح الصلبة: قام بانيت بدراسة امتزاز الغازات على الأسطح الصلبة، وهي عملية مهمة في العديد من التطبيقات الصناعية والعلمية. اكتشف أن الامتزاز يعتمد على طبيعة الغاز والسطح الصلب، بالإضافة إلى درجة الحرارة والضغط.
- دراسة التفاعلات الكيميائية في الطور الغازي: درس بانيت التفاعلات الكيميائية في الطور الغازي، وهي تفاعلات تحدث بين الغازات. اكتشف أن هذه التفاعلات يمكن أن تكون معقدة للغاية وتعتمد على العديد من العوامل، مثل درجة الحرارة والضغط ووجود محفز.
- تطبيقات النظائر في الكيمياء والجيولوجيا: استكشف بانيت استخدامات النظائر في مجالات الكيمياء والجيولوجيا. أظهر أن النظائر يمكن استخدامها لتتبع العمليات الكيميائية والجيولوجية، وتحديد مصدر المواد، وتحديد عمرها.
- إسهامات في الكيمياء الإشعاعية: قدم بانيت إسهامات كبيرة في مجال الكيمياء الإشعاعية، بما في ذلك تطوير طرق جديدة للتعامل مع المواد المشعة وقياس النشاط الإشعاعي.
بالإضافة إلى إسهاماته البحثية، كان بانيت أيضًا معلمًا ومحاضرًا متميزًا. قام بتدريس أجيال من الطلاب وألهمهم لمتابعة مهن في مجال الكيمياء. نشر العديد من الكتب والمقالات العلمية التي ساهمت في نشر المعرفة في مجال الكيمياء.
جوائز وتكريمات
تقديرًا لإنجازاته العلمية، حصل فريدريش بانيت على العديد من الجوائز والتكريمات، بما في ذلك:
- انتخابه زميلًا في الجمعية الملكية (FRS) في عام 1947.
- حصوله على ميدالية كافنديش من جامعة كامبريدج في عام 1955.
- حصوله على الدكتوراه الفخرية من جامعة دورهام.
حياته الشخصية
تزوج فريدريش بانيت من إليزابيث ريكه في عام 1913. كان لديهم ثلاثة أطفال. كان بانيت محبًا للموسيقى والفن، وكان يعزف على البيانو. كان أيضًا مهتمًا بالفلسفة والتاريخ.
وفاته
توفي فريدريش بانيت في ماينز، ألمانيا، في 17 سبتمبر 1958، عن عمر يناهز 71 عامًا. ترك وراءه إرثًا علميًا كبيرًا وإسهامات قيمة في مجال الكيمياء. لا تزال أبحاثه حول النظائر والتأريخ الإشعاعي ذات أهمية كبيرة للعلماء اليوم.
خاتمة
كان فريدريش بانيت عالمًا كيميائيًا متميزًا قدم إسهامات كبيرة في مجال الكيمياء، وخاصة في مجال الكيمياء الإشعاعية وعلم النظائر. طور تقنية التأريخ الإشعاعي التي أحدثت ثورة في علم الجيولوجيا وعلم الآثار، وساهم في فهم امتزاز الغازات على الأسطح الصلبة والتفاعلات الكيميائية في الطور الغازي. بفضل أبحاثه وتدريسه، ترك بانيت إرثًا علميًا دائمًا ألهم أجيالًا من العلماء.