آراء هوبير دريفوس حول الذكاء الاصطناعي (Hubert Dreyfus’s views on artificial intelligence)

خلفية هوبير دريفوس

ولد هوبير دريفوس في عام 1929 وتوفي في عام 2017. كان فيلسوفًا أمريكيًا وأستاذًا فخريًا للفلسفة في جامعة كاليفورنيا، بيركلي. تأثر دريفوس بشكل كبير بالفلسفة الوجودية والأعمال الفلسفية لمارتن هايدجر وموريس ميرلوبونتي. ركزت أبحاثه على الفلسفة الغربية، وخاصة الفلسفة القارية، وكذلك على الفلسفة اليونانية القديمة. كان دريفوس معروفًا بنقده الشديد للذكاء الاصطناعي والتحليل السلوكي للغة. لقد أثرت رؤاه في العديد من المجالات، من الفلسفة إلى العلوم المعرفية.

نقد دريفوس للذكاء الاصطناعي

ركز نقد دريفوس للذكاء الاصطناعي على عدة نقاط أساسية:

• الخبرة الجسدية: جادل دريفوس بأن الذكاء البشري متجذر في تجربتنا الجسدية للعالم. نحن نتفاعل مع العالم من خلال أجسادنا، وهذا التفاعل يشكل فهمنا للمعنى. الذكاء الاصطناعي، في رأيه، يفتقر إلى هذه الخبرة الجسدية، وبالتالي لا يمكنه أن يفهم العالم بالطريقة التي نفهمها بها نحن كبشر.
• الفهم السياقي: أكد دريفوس على أهمية السياق في الفهم البشري. نحن نفهم الأشياء بناءً على السياق الذي تظهر فيه. الذكاء الاصطناعي، وفقًا له، يميل إلى معالجة المعلومات بشكل مجرد وبمعزل عن السياق، مما يحد من قدرته على الفهم الحقيقي.
• الحكمة والمهارة: اعتقد دريفوس أن الذكاء البشري لا يقتصر على القواعد والخوارزميات. بل يشمل أيضًا الحكمة والمهارة التي تتطور من خلال التجربة والتعلم. الذكاء الاصطناعي، على الرغم من قدرته على محاكاة بعض جوانب الذكاء، يفتقر إلى هذه القدرة على التكيف والتعلم من التجربة.

بشكل عام، اعتقد دريفوس أن الذكاء الاصطناعي في عصره يتبع نموذجًا خاطئًا، وهو نموذج يعتمد على فكرة أن الذكاء هو مجرد معالجة للمعلومات. لقد جادل بأن هذا النموذج يقلل من تعقيد الذكاء البشري ولا يمكنه أن يؤدي إلى ذكاء حقيقي.

مراحل تطور نقد دريفوس

مر نقد دريفوس للذكاء الاصطناعي بعدة مراحل تطور رئيسية:

• مرحلة “الكيمياء والذكاء الاصطناعي” (1965): في هذا العمل المبكر، هاجم دريفوس الأهداف الطموحة لبرامج الذكاء الاصطناعي في ذلك الوقت. جادل بأن هذه البرامج تجاهلت طبيعة الإدراك البشري، وركزت بدلاً من ذلك على المحاكاة المجردة للعمليات المعرفية.
• “ما لا تستطيع الكمبيوترات فعله” (1972): توسع دريفوس في حججه في هذا الكتاب، وقدم تحليلًا أكثر تفصيلاً لمحدودية الذكاء الاصطناعي في التعامل مع العالم الحقيقي. ركز على دور الخبرة الجسدية والسياق في الفهم البشري.
• إعادة النظر (1992): في وقت لاحق، أعاد دريفوس النظر في بعض حججه الأصلية، مع إدراك التقدم في مجال الذكاء الاصطناعي. ومع ذلك، استمر في التشديد على القيود الأساسية للذكاء الاصطناعي، خاصة فيما يتعلق بالوعي والفهم.

على الرغم من التغيرات في التقدم التكنولوجي، ظلت انتقادات دريفوس ذات صلة، حيث سلطت الضوء على التحديات الأساسية في محاولة تصميم آلات ذكية.

تأثير دريفوس على مجال الذكاء الاصطناعي

على الرغم من أن دريفوس كان ناقدًا للذكاء الاصطناعي، إلا أن أفكاره كان لها تأثير كبير على هذا المجال:

• إثارة الجدل: أثارت كتابات دريفوس جدلاً واسعًا في مجال الذكاء الاصطناعي، مما دفع الباحثين إلى إعادة النظر في أهدافهم ونهجهم.
• التأثير على الفلسفة: أثرت أفكاره على الفلسفة المعاصرة، خاصة في مجالات الفلسفة العقلية والظواهرية.
• توجيه الأبحاث: ساعد نقد دريفوس في توجيه الأبحاث نحو فهم أعمق للذكاء البشري والوعي.

على الرغم من أن بعض الباحثين اختلفوا مع استنتاجاته، إلا أن مساهمات دريفوس ساهمت في تشكيل المناقشات حول طبيعة الذكاء وكيف يمكن تحقيقه.

الذكاء الاصطناعي اليوم

شهد مجال الذكاء الاصطناعي تقدمًا هائلاً منذ كتابات دريفوس. ومع ذلك، تظل بعض انتقاداته ذات صلة:

• التعلم الآلي: على الرغم من أن التعلم الآلي قد حقق نجاحًا كبيرًا في بعض المجالات، إلا أنه لا يزال يواجه صعوبة في فهم السياق العام والتكيف مع المواقف الجديدة.
• الوعي: لا يزال تطوير آلات واعية يمثل تحديًا كبيرًا، ولا يزال العلماء غير متأكدين من كيفية تحقيق ذلك.
• الخبرة الجسدية: لا يزال الذكاء الاصطناعي يفتقر إلى الخبرة الجسدية التي يعتمد عليها الفهم البشري.

في ضوء هذه التحديات، تظل أفكار دريفوس ذات صلة، وتشجعنا على التفكير النقدي في حدود الذكاء الاصطناعي الحالي.

مقارنة بين آراء دريفوس والاتجاهات الحديثة في الذكاء الاصطناعي

يمكن مقارنة آراء دريفوس بالاتجاهات الحديثة في الذكاء الاصطناعي لتسليط الضوء على التحديات المستمرة والتقدم المحرز:

• الذكاء الاصطناعي الضيق والذكاء الاصطناعي العام: كان دريفوس متشككًا في قدرة الذكاء الاصطناعي على تحقيق الذكاء العام، وهو القدرة على أداء أي مهمة فكرية يمكن للإنسان القيام بها. لا يزال الذكاء الاصطناعي الضيق، المتخصص في مهام محددة، هو السائد اليوم.
• التعلم العميق والشبكات العصبية: على الرغم من أن التعلم العميق قد حقق نجاحًا كبيرًا في مجالات مثل معالجة اللغة الطبيعية ورؤية الكمبيوتر، إلا أنه يعتمد على كميات هائلة من البيانات ولا يزال يفتقر إلى القدرة على الفهم الحقيقي للعالم.
• الواقع المعزز والافتراضي: يمكن اعتبار التقنيات مثل الواقع المعزز والافتراضي محاولات لسد الفجوة بين العالم المادي والذكاء الاصطناعي، ولكنها لا تزال تواجه تحديات في توفير خبرة جسدية كاملة.

يبدو أن التقدم في الذكاء الاصطناعي يواجه القيود التي أشار إليها دريفوس، مما يؤكد على أهمية دراسة طبيعة الذكاء البشري.

مساهمات دريفوس في الفلسفة

بالإضافة إلى عمله في مجال الذكاء الاصطناعي، ترك دريفوس إرثًا كبيرًا في الفلسفة:

• الفلسفة الوجودية: قدم دريفوس مساهمات كبيرة في فهم الفلسفة الوجودية، وخاصة أعمال هايدجر. ساعد في توضيح الأفكار المعقدة والتأكيد على أهمية الوجود الإنساني.
• الفلسفة الظواهرية: عمل دريفوس على تعزيز فهمنا للفلسفة الظواهرية، وخاصة في سياق التكنولوجيا والذكاء.
• الخبرة والمعرفة: بحث دريفوس في طبيعة الخبرة والمعرفة، وسلط الضوء على أهمية المهارات المكتسبة من خلال التجربة العملية.

تساعد مساهمات دريفوس في الفلسفة على توفير الأساس لفهم الذكاء البشري والقيود المفروضة على الذكاء الاصطناعي.

تحديات مستقبل الذكاء الاصطناعي

في ضوء آراء دريفوس، تواجه أبحاث الذكاء الاصطناعي العديد من التحديات في المستقبل:

• الوعي والإدراك: كيفية تصميم آلات واعية أو قادرة على الإدراك الحقيقي للعالم.
• السياق والفهم: تطوير أنظمة قادرة على فهم السياق العام، والتكيف مع المواقف الجديدة.
• الخبرة الجسدية: كيفية دمج الخبرة الجسدية في تصميم الآلات الذكية.
• الأخلاق: التعامل مع القضايا الأخلاقية المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، مثل التحيز والخصوصية.

إن معالجة هذه التحديات ستكون ضرورية لتحقيق تقدم حقيقي في مجال الذكاء الاصطناعي.

خاتمة

كان هوبير دريفوس ناقدًا بارزًا للذكاء الاصطناعي، وقد ترك بصمة كبيرة في هذا المجال من خلال تحليل فلسفي معمق. جادل دريفوس بأن الذكاء الاصطناعي، كما كان يُفهم في عصره، فشل في فهم جوانب أساسية من الذكاء البشري، مثل الخبرة الجسدية والفهم السياقي والحكمة المتأتية من التجربة. على الرغم من التقدم في الذكاء الاصطناعي، تظل بعض انتقادات دريفوس ذات صلة، وتشجعنا على التفكير النقدي في حدود الذكاء الاصطناعي الحالي والتحديات التي تواجهه في المستقبل. إن إرثه الفكري لا يزال يلهم الباحثين في مجال الذكاء الاصطناعي والفلسفة على حد سواء.