مقدمة
يوما (بالآرامية: יומא، وتعني “اليوم”) هي المسכת الخامسة من سفر موعيد (“ترتيب الأعياد”) من المشناه والتلمود. تتناول هذه المسכת بشكل أساسي تفاصيل طقوس يوم الغفران (يوم كيبور)، وهو أقدس أيام السنة في الديانة اليهودية. تركز المسכת على دور رئيس الكهنة (כהן גדול، كوهين غادول) والخدمات التي يؤديها في الهيكل في ذلك اليوم، بالإضافة إلى القوانين والأحكام المتعلقة بالصوم والتوبة.
أهمية مسכת يوما
تعتبر مسכת يوما من أهم المسالك في التلمود، وذلك للأسباب التالية:
- تتعلق بأقدس يوم في السنة اليهودية: يوم الغفران هو يوم التوبة والاستغفار، حيث يسعى اليهود إلى تطهير أنفسهم من الذنوب والخطايا.
- تصف طقوسًا معقدة ومفصلة: تقدم المسכת وصفًا دقيقًا للطقوس التي كان يؤديها رئيس الكهنة في الهيكل، بما في ذلك القرابين والصلوات والإعلانات.
- تسلط الضوء على دور رئيس الكهنة: تعتبر شخصية رئيس الكهنة مركزية في المسכת، حيث يمثل وسيطًا بين الله والشعب.
- تتناول قضايا أخلاقية ودينية هامة: تناقش المسכת مفاهيم مثل التوبة، والغفران، والتكفير عن الذنوب، وأهمية الصلاة والصوم.
محتوى مسכת يوما
تنقسم مسכת يوما إلى ثمانية فصول (פרקים، براكيم)، يتناول كل فصل جانبًا مختلفًا من طقوس يوم الغفران. فيما يلي ملخص موجز لمحتوى كل فصل:
- الفصل الأول: يتناول استعدادات رئيس الكهنة ليوم الغفران، بما في ذلك عزله عن زوجته لمدة سبعة أيام قبل اليوم، وتدريبه على أداء الطقوس.
- الفصل الثاني: يصف كيفية سحب القرعة لتحديد الكبش الذي سيقدم قربانًا، وكيفية إعداد البخور.
- الفصل الثالث: يصف الصلوات التي كان يصليها رئيس الكهنة، وكيف كان يعترف بخطايا بني إسرائيل.
- الفصل الرابع: يصف الطقوس المتعلقة بالكبش الذي كان يرسل إلى عزازيل (الشيطان)، والذي كان يمثل التكفير عن ذنوب الشعب.
- الفصل الخامس: يصف كيفية دخول رئيس الكهنة إلى قدس الأقداس (קֹדֶשׁ הַקֳּדָשִׁים، كودش هاكوداشيم)، وهو أقدس مكان في الهيكل، وكيف كان يرش الدم على غطاء التابوت.
- الفصل السادس: يتناول القواعد المتعلقة بالصوم في يوم الغفران، بما في ذلك المحظورات (الأكل، الشرب، الاستحمام، وضع الزيوت، وارتداء الأحذية الجلدية).
- الفصل السابع: يصف الطقوس التي كان يؤديها رئيس الكهنة بعد الانتهاء من الصلوات والقرابين.
- الفصل الثامن: يتناول بعض الأحكام المتفرقة المتعلقة بيوم الغفران، مثل أحكام من يشعرون بالعطش الشديد أو المرض.
دور رئيس الكهنة
كما ذكرنا سابقًا، يلعب رئيس الكهنة دورًا مركزيًا في مسכת يوما. فهو الشخص الوحيد المسموح له بدخول قدس الأقداس في يوم الغفران، وهو الذي يؤدي معظم الطقوس الهامة. يعتبر رئيس الكهنة وسيطًا بين الله والشعب، وصلواته وقرابينه تساعد على تطهير الشعب من الذنوب والخطايا. تركز المسכת على أهمية نقاء رئيس الكهنة وطهارته، حيث يجب أن يكون في حالة استعداد روحي وجسدي كاملين قبل أداء الطقوس.
التوبة والغفران
تؤكد مسכת يوما على أهمية التوبة والغفران في الديانة اليهودية. يوم الغفران هو يوم مخصص للتوبة والاستغفار، حيث يسعى اليهود إلى تصحيح أخطائهم والعودة إلى الله. تعتبر التوبة شرطًا أساسيًا للحصول على الغفران، ويجب أن تكون مصحوبة بالندم الصادق والالتزام بعدم تكرار الأخطاء. كما تشدد المسכת على أهمية مسامحة الآخرين، حيث لا يمكن للإنسان أن يتوقع الحصول على الغفران من الله إذا كان غير مستعد لمسامحة من أخطأوا في حقه.
الصوم والصلاة
الصوم والصلاة هما جزءان أساسيان من طقوس يوم الغفران. يمتنع اليهود عن الطعام والشراب لمدة 25 ساعة، بدءًا من غروب الشمس في اليوم الذي يسبق يوم الغفران وحتى غروب الشمس في يوم الغفران نفسه. يهدف الصوم إلى تطهير الجسد والروح، وإلى التركيز على الصلاة والتأمل. تقام الصلوات الخاصة في الكنيس طوال اليوم، وتتضمن قراءات من الكتاب المقدس وصلوات للتوبة والاستغفار. تعتبر الصلاة وسيلة للتواصل مع الله، والتعبير عن الندم والطلب المغفرة.
يوم الغفران في العصر الحديث
على الرغم من عدم وجود هيكل في القدس في العصر الحديث، إلا أن يوم الغفران لا يزال يحتل مكانة مركزية في الحياة الدينية لليهود. يلتزم معظم اليهود بالصوم في يوم الغفران، ويقضون اليوم في الصلاة والتأمل. تعتبر الكنائس اليهودية مراكز للعبادة والتجمع في هذا اليوم، وتقام فيها الصلوات الخاصة والمواعظ الدينية. يؤكد الحاخامات على أهمية التوبة والعودة إلى الله، وعلى أهمية مسامحة الآخرين والسعي إلى السلام والمصالحة.
دراسة مسכת يوما
تعتبر دراسة مسכת يوما جزءًا هامًا من دراسة التلمود، حيث تقدم فهمًا عميقًا لطقوس يوم الغفران ومفاهيم التوبة والغفران. يدرس الطلاب المسكة في المدارس الدينية والجامعات، ويحللون النصوص ويناقشون معانيها. كما أن هناك العديد من الشروحات والتفاسير التي كتبت على مر العصور لمساعدة الطلاب والباحثين على فهم المسكة بشكل أفضل. يمكن الوصول إلى هذه الشروحات والتفاسير من خلال المكتبات والمواقع الإلكترونية المتخصصة.
الأحكام المستخلصة من مسכת يوما
تستخلص من مسכת يوما العديد من الأحكام والقواعد الفقهية المتعلقة بيوم الغفران، والتي تطبق في الحياة الدينية لليهود في العصر الحديث. بعض هذه الأحكام تشمل:
- وجوب الصوم في يوم الغفران: يعتبر الصوم فريضة دينية على جميع اليهود القادرين عليه.
- حرمة الأكل والشرب في يوم الغفران: يحظر تناول أي طعام أو شراب خلال فترة الصوم.
- حرمة الاستحمام ووضع الزيوت وارتداء الأحذية الجلدية: تعتبر هذه الأمور من المحظورات في يوم الغفران، حيث تهدف إلى إظهار التواضع والتوبة.
- وجوب الصلاة في يوم الغفران: تقام الصلوات الخاصة في الكنيس طوال اليوم.
- أهمية التوبة والاستغفار: يجب على كل يهودي أن يسعى إلى التوبة والاستغفار عن ذنوبه وخطاياه.
- أهمية مسامحة الآخرين: يجب على كل يهودي أن يكون مستعدًا لمسامحة من أخطأوا في حقه.
تأثير مسכת يوما على الفكر اليهودي
تركت مسכת يوما تأثيرًا عميقًا على الفكر اليهودي، حيث ساهمت في تشكيل المفاهيم المتعلقة بالتوبة والغفران والتكفير عن الذنوب. أثرت المسكة على الأدب الديني والفلسفي اليهودي، وعلى الممارسات الدينية والاجتماعية. كما أن المسكة تثير العديد من الأسئلة الفلسفية والأخلاقية المتعلقة بطبيعة الله والخير والشر، والتي لا تزال موضع نقاش وجدل بين العلماء والمفكرين اليهود.
خاتمة
مسכת يوما هي مسכת هامة في التلمود تتناول تفاصيل طقوس يوم الغفران، أقدس أيام السنة في الديانة اليهودية. تركز المسכת على دور رئيس الكهنة والخدمات التي يؤديها في الهيكل، بالإضافة إلى القوانين والأحكام المتعلقة بالصوم والتوبة. تؤكد المسכת على أهمية التوبة والغفران، والصوم والصلاة، وتترك تأثيرًا عميقًا على الفكر اليهودي والممارسات الدينية.