أصل المصطلح ومعناه
مصطلح “معشر ثاني” مشتق من الكلمات العبرية “معشر” (عُشر أو جزء من عشرة) و “ثاني” (الثاني). يشير هذا المصطلح إلى الجزء الثاني الذي يتم فصله من المحاصيل الزراعية بعد فصل العشر الأول (معشر ليفي)، الذي يُعطى للاويين. وبالتالي، فإن “معشر ثاني” هو العشر الثاني الذي يتم تخصيصه لأغراض محددة.
مصادر التشريع
تستند قوانين معشر ثاني بشكل أساسي إلى نصوص التوراة، وتحديدًا سفر التثنية (Deuteronomy). تتناول العديد من الآيات في سفر التثنية فكرة العشر الثاني والغرض منه وكيفية التعامل معه. على سبيل المثال، يصف سفر التثنية 14: 22-26 كيف يجب على الإسرائيليين أن يعشروا كل محصول من زروعهم، وإذا كانت المسافة إلى القدس بعيدة جدًا، فيمكنهم بيع العشر وتحويله إلى نقود، ثم شراء الطعام والشراب في القدس والاحتفال أمام الرب.
بالإضافة إلى ذلك، تم توسيع وتوضيح هذه القوانين التوراتية في المشناه والتلمود، اللذين يوفّران تفاصيل دقيقة حول كيفية تطبيق هذه القوانين في الحياة اليومية. يوفر مسار معشر ثاني في المشناه مجموعة شاملة من القواعد والإرشادات المتعلقة بفصل العشر الثاني، وكيفية نقله إلى القدس، وماذا يمكن شراؤه به، وما هي الظروف التي يمكن فيها استبداله بالمال.
أهمية معشر ثاني
لمعشر ثاني أهمية دينية واجتماعية كبيرة في الديانة اليهودية. من الناحية الدينية، يعتبر معشر ثاني بمثابة تعبير عن الشكر والامتنان لله على البركات الزراعية. إنه أيضًا تذكير بأن الأرض وكل ما فيها ملك لله، وأن الإنسان مسؤول عن استخدام موارده بحكمة وعدل.
من الناحية الاجتماعية، يهدف معشر ثاني إلى تعزيز التكافل الاجتماعي والوحدة الوطنية. من خلال مطالبة الناس بالسفر إلى القدس وتناول الطعام والشراب معًا، فإنه يخلق فرصًا للتفاعل الاجتماعي وتعزيز الشعور بالانتماء إلى مجتمع واحد. بالإضافة إلى ذلك، يساعد معشر ثاني في دعم اقتصاد القدس، حيث كان الناس ينفقون أموالهم على شراء الطعام والشراب من البائعين المحليين.
أحكام معشر ثاني
تتضمن أحكام معشر ثاني تفاصيل دقيقة حول كيفية فصل العشر، وما هي المحاصيل التي تخضع لهذه القوانين، وكيفية التعامل مع العشر في مختلف الظروف. فيما يلي بعض الأحكام الرئيسية:
- فصل العشر: يجب فصل العشر الثاني من المحاصيل الزراعية في السنوات الأولى والرابعة والخامسة من دورة شميطة. يتم فصله بعد فصل العشر الأول (معشر ليفي) والهبة التي تُعطى للكاهن (ترومة).
- المحاصيل الخاضعة: تخضع جميع المحاصيل الزراعية لقوانين معشر ثاني، بما في ذلك الحبوب والفواكه والخضروات. ومع ذلك، هناك بعض الاستثناءات، مثل المحاصيل التي تزرع لأغراض غير غذائية.
- نقل العشر إلى القدس: يجب نقل العشر الثاني إلى القدس وتناوله هناك. إذا كانت المسافة إلى القدس بعيدة جدًا، فيمكن بيع العشر وتحويله إلى نقود، ثم شراء الطعام والشراب في القدس بهذه النقود.
- استخدام العشر في القدس: يمكن استخدام العشر الثاني لشراء أي نوع من الطعام أو الشراب في القدس. ومع ذلك، هناك بعض القيود، مثل عدم جواز شراء القرابين التي يتم تقديمها في الهيكل.
- الظروف التي يمكن فيها استبدال العشر بالمال: يمكن استبدال العشر الثاني بالمال إذا كانت المسافة إلى القدس بعيدة جدًا، أو إذا كان العشر فاسدًا أو تالفًا. في هذه الحالات، يجب إضافة خُمس قيمة العشر الأصلية إلى المال.
تطبيق معشر ثاني في العصر الحديث
على الرغم من أن الهيكل في القدس لم يعد قائمًا، إلا أن بعض اليهود المتدينين ما زالوا يمارسون قوانين معشر ثاني اليوم. في إسرائيل، هناك منظمات تساعد المزارعين على فصل العشر الثاني والتعامل معه وفقًا للشريعة اليهودية. في الشتات، يتبع بعض اليهود المتدينين ممارسات مماثلة، مثل فصل جزء من دخلهم السنوي واستخدامه لشراء الطعام والشراب وتناوله معًا في مناسبات خاصة.
بالإضافة إلى ذلك، يرى البعض أن قوانين معشر ثاني تحمل دروسًا قيمة حول أهمية الشكر والامتنان، والتكافل الاجتماعي، والوحدة الوطنية. حتى بدون تطبيق حرفي للقوانين، يمكن لهذه الدروس أن تلهم الناس للعيش حياة أكثر معنى وإشباعًا.
معشر ثاني في الأدب الحاخامي
تمت مناقشة قوانين معشر ثاني بشكل مستفيض في الأدب الحاخامي، بما في ذلك المشناه والتلمود. يوفر مسار معشر ثاني في المشناه مجموعة شاملة من القواعد والإرشادات المتعلقة بهذا الموضوع. بالإضافة إلى ذلك، تتناول العديد من النصوص الحاخامية الأخرى جوانب مختلفة من معشر ثاني، مثل الغرض منه، وأهميته، وكيفية تطبيقه في مختلف الظروف.
تعتبر هذه النصوص الحاخامية مصادر قيمة لفهم قوانين معشر ثاني وتاريخ تطورها. إنها توفر نظرة ثاقبة على القيم والمعتقدات التي شكلت هذه القوانين، وكيف تم تفسيرها وتطبيقها على مر العصور.
العلاقة بين معشر ثاني والمعشرات الأخرى
يعتبر معشر ثاني جزءًا من نظام أوسع من المعشرات في الشريعة اليهودية. تشمل المعشرات الأخرى معشر ليفي (الذي يُعطى للاويين)، وترومة (الهبة التي تُعطى للكاهن)، ومعشر عاني (العشر الذي يُعطى للفقراء). كل من هذه المعشرات له غرض محدد، ويساهم في دعم مختلف جوانب المجتمع اليهودي.
من المهم فهم العلاقة بين هذه المعشرات المختلفة من أجل فهم الصورة الكاملة لنظام المعشرات في الشريعة اليهودية. على سبيل المثال، يساعد معشر ليفي في دعم اللاويين الذين يخدمون في الهيكل، بينما يساعد معشر عاني في دعم الفقراء والمحتاجين. يلعب معشر ثاني دورًا فريدًا في تعزيز التكافل الاجتماعي والوحدة الوطنية.
تفسيرات مختلفة لمعشر ثاني
على مر العصور، قدم الحاخامات والعلماء تفسيرات مختلفة لقوانين معشر ثاني. ركزت بعض هذه التفسيرات على الجوانب العملية للقوانين، مثل كيفية فصل العشر ونقله إلى القدس. ركزت تفسيرات أخرى على الجوانب الروحية والأخلاقية للقوانين، مثل أهمية الشكر والامتنان والتكافل الاجتماعي.
تعكس هذه التفسيرات المختلفة تنوع الآراء ووجهات النظر داخل الديانة اليهودية. إنها تظهر أن قوانين معشر ثاني يمكن فهمها وتطبيقها بطرق مختلفة، اعتمادًا على السياق والظروف.
خاتمة
معشر ثاني هو جزء هام من الشريعة اليهودية، وله أهمية دينية واجتماعية كبيرة. إنه تعبير عن الشكر والامتنان لله، وتعزيز للتكافل الاجتماعي والوحدة الوطنية. على الرغم من أن الهيكل لم يعد قائمًا، إلا أن قوانين معشر ثاني لا تزال تحمل دروسًا قيمة حول أهمية العطاء والمسؤولية الاجتماعية.