التأسيس والخلفية
تعود جذور الفيلق اللاتفي إلى الفترة التي أعقبت الاحتلال السوفيتي للاتفيا في عام 1940. بعد الاحتلال، قامت السلطات السوفيتية بعمليات قمع واسعة النطاق، شملت الاعتقالات والإعدامات والترحيل إلى سيبيريا. أدت هذه الإجراءات إلى تنامي مشاعر العداء تجاه الاتحاد السوفيتي بين السكان اللاتفيين. عندما غزت ألمانيا النازية لاتفيا في عام 1941، استقبلها بعض اللاتفيين كمحررين من الحكم السوفيتي.
في البداية، لم يكن الألمان حريصين على تجنيد اللاتفيين في صفوف قواتهم المسلحة. ومع ذلك، ومع استمرار الحرب وتزايد الخسائر، تغير هذا الموقف. في عام 1943، أصدرت السلطات الألمانية قراراً بتشكيل الفيلق اللاتفي، الذي كان يهدف إلى حشد القوى العاملة اللاتفية لدعم المجهود الحربي الألماني.
التجنيد والتكوين
تم التجنيد في الفيلق اللاتفي بشكل إلزامي في البداية، حيث صدرت أوامر لجميع اللاتفيين المؤهلين للخدمة العسكرية بالانضمام إليه. لاحقاً، أصبح التجنيد تطوعياً أيضاً، وإن كان الضغط الاجتماعي والاقتصادي يلعب دوراً كبيراً في تشجيع الشباب اللاتفي على التطوع. تم تقسيم الفيلق إلى فرقتين: الفرقة اللاتفية الخامسة عشرة والفرقة اللاتفية التاسعة عشرة. كانت كل فرقة تتألف من عدة أفواج ووحدات دعم.
على الرغم من أن الفيلق كان يضم في الأساس لاتفيين، إلا أنه كان يضم أيضاً بعض الأفراد من جنسيات أخرى، مثل الألمان والأوكرانيين والروس. كان الضباط الألمان يشغلون مناصب قيادية عليا في الفيلق، في حين كان الضباط اللاتفيون يشغلون مناصب قيادية دنيا.
الأهداف والأيديولوجيا
كان الهدف المعلن للفيلق اللاتفي هو الدفاع عن لاتفيا ضد الغزو السوفيتي. كان القادة الألمان يأملون في استخدام الفيلق كأداة للدعاية، لإظهار أنهم يحظون بدعم السكان المحليين في لاتفيا. ومع ذلك، كان لدى العديد من الجنود اللاتفيين أهدافهم الخاصة، مثل الرغبة في الانتقام من الاتحاد السوفيتي بسبب القمع الذي تعرضوا له في الماضي، أو الأمل في استعادة استقلال لاتفيا.
من الناحية الأيديولوجية، كان الفيلق اللاتفي متأثراً بالدعاية النازية، التي كانت تصور الاتحاد السوفيتي على أنه عدو لدود لأوروبا والحضارة الغربية. تم غرس مفاهيم معادية للسامية ومعادية للشيوعية في نفوس الجنود اللاتفيين، وإن كان مدى تأثير هذه المفاهيم على سلوكهم الفعلي لا يزال موضع نقاش.
المشاركة في الحرب
شارك الفيلق اللاتفي في معارك عنيفة على الجبهة الشرقية، وخاصة في منطقة كورلاند. تكبد الفيلق خسائر فادحة في الأرواح، حيث قُتل وجُرح وأُسر الآلاف من جنوده. على الرغم من ذلك، أظهر الفيلق مقاومة شرسة ضد القوات السوفيتية، وتمكن من إبطاء تقدمها في بعض الأحيان.
خلال الحرب، اتُهم الفيلق اللاتفي بارتكاب جرائم حرب ضد المدنيين، وخاصة ضد اليهود والغجر. ومع ذلك، يرى بعض المؤرخين أن هذه الاتهامات مبالغ فيها، وأن الفيلق لم يكن مسؤولاً عن جميع الفظائع التي ارتكبت في لاتفيا خلال الحرب. يزعمون أن العديد من جرائم الحرب ارتكبتها وحدات أخرى تابعة لقوات الأمن الخاصة الألمانية، أو من قبل متعاونين محليين.
الجدل والإرث
لا يزال تاريخ الفيلق اللاتفي مثيراً للجدل في لاتفيا وخارجها. يعتبره البعض رمزاً للمقاومة ضد الاحتلال السوفيتي، في حين يعتبره البعض الآخر رمزاً للتعاون مع النظام النازي. في لاتفيا، يتم الاحتفال بيوم 16 مارس من كل عام باعتباره “يوم الفيلق”، وهو يوم لإحياء ذكرى الجنود اللاتفيين الذين قاتلوا في الفيلق. ومع ذلك، يثير هذا الاحتفال انتقادات شديدة من قبل الجماعات اليهودية ومنظمات حقوق الإنسان، التي تعتبره تمجيداً للنازية.
بعد الحرب، تم القبض على العديد من جنود الفيلق اللاتفي من قبل القوات السوفيتية، وحُكم عليهم بالسجن أو الإعدام. فر آخرون إلى الغرب، حيث تمكنوا من الاندماج في المجتمعات اللاتفية في المنفى. في لاتفيا المستقلة، تم تكريم بعض جنود الفيلق كمحاربين من أجل الحرية، في حين تم انتقاد آخرين بسبب تعاونهم مع النظام النازي.
إن تقييم دور الفيلق اللاتفي في الحرب العالمية الثانية يمثل تحدياً كبيراً. من ناحية، قاتل الفيلق ضد نظام شمولي آخر، هو الاتحاد السوفيتي، الذي كان مسؤولاً عن ارتكاب جرائم فظيعة في لاتفيا. من ناحية أخرى، تعاون الفيلق مع النظام النازي، الذي كان مسؤولاً عن ارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية على نطاق واسع. إن فهم تعقيدات هذا التاريخ يتطلب دراسة متأنية للظروف التي أدت إلى تشكيل الفيلق، والأهداف التي سعى إليها الجنود اللاتفيون، والعواقب التي ترتبت على مشاركتهم في الحرب.
خاتمة
كان الفيلق اللاتفي تشكيلاً عسكرياً مثيراً للجدل، تكون ضمن قوات فافن إس إس الألمانية خلال الحرب العالمية الثانية. تأسس الفيلق بهدف الدفاع عن لاتفيا ضد الغزو السوفيتي، إلا أن مشاركته في جرائم حرب، وتعاون الفيلق مع النظام النازي، جعلا تاريخه مثيراً للجدل. لا يزال تاريخ الفيلق موضوع نقاش حاد في لاتفيا وخارجها، حيث يعتبره البعض رمزاً للمقاومة ضد الاحتلال السوفيتي، في حين يعتبره البعض الآخر رمزاً للتعاون مع النظام النازي.