<![CDATA[
نشأته وتعليمه
ولد هانس هوربيغر في أتزغرسدورف، وهي بلدة تقع الآن ضمن فيينا، النمسا. لم يحصل على تعليم رسمي عالٍ في العلوم. بعد الانتهاء من تعليمه الأساسي، بدأ حياته المهنية كتقني في مجال الآلات والمعدات. شغفه بالهندسة دفعه إلى تطوير خبراته من خلال الدراسة الذاتية والتجربة العملية.
بداياته المهنية
بدأ هوربيغر حياته المهنية في مجال الهندسة، حيث عمل على تطوير وتحسين تصميم الآلات. انتقل لاحقًا إلى مجال المعادن، حيث عمل في تصميم أنظمة تهوية للمناجم. خلال هذه الفترة، اكتسب خبرة واسعة في الديناميكا الهوائية والديناميكا المائية، وهي الخبرة التي ستشكل لاحقًا أساس نظريته الكونية.
نظرية الجليد الكوني (Welteislehre)
في عام 1894، ادعى هوربيغر أنه تلقى “وحيًا” أدت به إلى تطوير نظريته المثيرة للجدل، والمعروفة باسم نظرية الجليد الكوني (Welteislehre). تقوم هذه النظرية على فكرة أن الجليد، وليس الصخور النارية، هو المكون الأساسي للكون. وفقًا لهوربيغر، يتكون الكون من جليد أبدي وجليد كوني. كان يعتقد أن غالبية الأجرام السماوية، بما في ذلك الكواكب والأقمار، تتكون بشكل أساسي من الجليد.
الأسس الرئيسية لنظرية الجليد الكوني:
- الجليد كمادة أساسية: ادعى هوربيغر أن الجليد هو المادة الأساسية التي تشكل الكون، وليس الصخور أو المواد الأخرى التي يعتقد العلماء أنها المكونات الرئيسية.
- التصادمات الجليدية الكونية: افترض أن الكون مليء بالتصادمات بين الأجرام الجليدية الضخمة، مما يؤدي إلى تشكيل الكواكب والأقمار والظواهر الكونية الأخرى.
- تأثير القمر على الأرض: زعم أن الأرض كانت تمتلك في الماضي أقمارًا متعددة، وأن سقوط هذه الأقمار الجليدية على الأرض تسبب في أحداث كارثية وتغيرات جيولوجية كبيرة.
- رفض النظريات العلمية السائدة: عارض هوربيغر بشكل قاطع النظريات العلمية السائدة في عصره، مثل نظرية التطور ونظرية الانفجار العظيم، واعتبرهما خاطئتين.
ادعى هوربيغر أن نظريته تستند إلى سلسلة من الرؤى والتجارب الشخصية، بدلاً من الأدلة العلمية التجريبية. وقد رفض بشدة أي نقد أو معارضة لنظريته، واعتبر أن معارضيه جزء من مؤامرة علمية تهدف إلى قمع الحقيقة. على الرغم من رفضها من قبل المجتمع العلمي، اكتسبت نظرية الجليد الكوني شعبية كبيرة، خاصة في ألمانيا والنمسا في أوائل القرن العشرين. جذبت النظرية مجموعة واسعة من الأتباع، بمن فيهم بعض الشخصيات البارزة في المجتمع والفن. تأسست العديد من المنظمات لدعم وتعزيز نظرية هوربيغر، وتم نشر العديد من الكتب والمقالات التي تشرح وتدافع عن هذه النظرية.
انتشار النظرية وتأثيرها
على الرغم من رفض المجتمع العلمي لنظرية الجليد الكوني، إلا أنها حظيت بشعبية واسعة النطاق، خاصة في ألمانيا والنمسا في أوائل القرن العشرين. وقد ساهمت عدة عوامل في انتشار هذه النظرية:
- تبسيط العلوم: قدمت نظرية هوربيغر تفسيرًا بسيطًا وسهل الفهم للكون، وهو ما جذب الكثير من الناس الذين لم يكن لديهم خلفية علمية قوية.
- الجاذبية العاطفية: استندت النظرية إلى رؤى شخصية وادعاءات بالوحي، مما منحها جاذبية عاطفية قوية بالنسبة لأولئك الذين يبحثون عن تفسير روحي للكون.
- القومية والعداء للعلم “اليهودي”: تبنت بعض الجماعات القومية نظرية هوربيغر باعتبارها علمًا “آريًا” بديلاً للعلم “اليهودي” السائد. وقد ساهم هذا في انتشار النظرية في أوساط معينة من المجتمع.
خلال الحقبة النازية في ألمانيا، اكتسبت نظرية الجليد الكوني دعمًا رسميًا من بعض المسؤولين النازيين. اعتبروا النظرية متوافقة مع أيديولوجيتهم العرقية، وشجعوا على تدريسها في المدارس والجامعات. ومع ذلك، لم يتم تبني النظرية رسميًا كعلم دولة، وظلت محل جدل حتى داخل النظام النازي.
نقد النظرية
واجهت نظرية الجليد الكوني انتقادات واسعة النطاق من قبل المجتمع العلمي. استندت الانتقادات إلى عدة نقاط:
- غياب الأدلة العلمية: لم تقدم النظرية أي أدلة علمية تجريبية تدعم ادعاءاتها. بدلاً من ذلك، اعتمدت على الرؤى الشخصية والتفسيرات غير العلمية للظواهر الطبيعية.
- مخالفة القوانين الفيزيائية: تتعارض العديد من ادعاءات النظرية مع القوانين الفيزيائية المعروفة، مثل قوانين الجاذبية والديناميكا الحرارية.
- رفض المنهج العلمي: رفض هوربيغر المنهج العلمي وأصر على أن نظريته لا تحتاج إلى إثبات علمي.
- التبسيط المفرط: قدمت النظرية تبسيطًا مفرطًا للظواهر الكونية المعقدة، وتجاهلت العديد من الحقائق العلمية المعروفة.
على الرغم من هذه الانتقادات، استمر أتباع هوربيغر في الدفاع عن نظريته، ورفضوا أي دليل علمي يتعارض معها. وقد أدى ذلك إلى حالة من الاستقطاب الشديد بين مؤيدي النظرية ومعارضيها.
تأثيره على الأدب والثقافة
على الرغم من رفضها العلمي، تركت نظرية الجليد الكوني أثرًا ملحوظًا على الأدب والثقافة الشعبية، خاصة في ألمانيا والنمسا. ظهرت إشارات إلى النظرية في العديد من الأعمال الأدبية والفنية، وأصبحت جزءًا من الفولكلور الحضري. كما ألهمت النظرية بعض الكتاب والفنانين لاستكشاف موضوعات مثل نهاية العالم والتغيرات الكونية الكارثية.
يعتبر تأثير نظرية هوربيغر على الثقافة الشعبية مثالًا على كيفية تأثير الأفكار العلمية الزائفة على المجتمع، حتى بعد رفضها من قبل المجتمع العلمي. إنه يسلط الضوء على أهمية التفكير النقدي والتحقق من الحقائق في مواجهة الادعاءات غير المدعومة بالأدلة.
إرثه
على الرغم من أن نظرية الجليد الكوني قد تم تجاهلها على نطاق واسع من قبل المجتمع العلمي، إلا أن هانس هوربيغر لا يزال شخصية مثيرة للاهتمام في تاريخ العلوم الزائفة. إنه يمثل مثالًا على كيفية قدرة الأفكار غير العلمية على اكتساب شعبية واسعة النطاق، خاصة عندما تستغل المخاوف العاطفية والاجتماعية للناس.
تُذكر قصة هوربيغر كنذير، وتؤكد على أهمية التمييز بين العلم الحقيقي والعلم الزائف، وتشجع على التفكير النقدي والتحقق من الحقائق قبل تبني أي فكرة أو نظرية.
خاتمة
كان هانس هوربيغر مهندسًا نمساويًا اشتهر بنظرية الجليد الكوني، وهي نظرية مثيرة للجدل تدعي أن الجليد هو المكون الأساسي للكون. على الرغم من رفض المجتمع العلمي لهذه النظرية، إلا أنها اكتسبت شعبية كبيرة، خاصة في ألمانيا والنمسا في أوائل القرن العشرين. تُذكر قصة هوربيغر بأهمية التفكير النقدي والتمييز بين العلم الحقيقي والعلم الزائف.