مقدمة
إيثيل ستيفانا دراور (اسمها قبل الزواج: ستيفنز؛ الاسم الكامل: إيثيل ماي ستيفانا دراور؛ 1 ديسمبر 1879 – 27 يناير 1972) كانت باحثة أنثروبولوجيا بريطانية، اشتهرت بدراساتها المكثفة حول الصابئة المندائيين في العراق وإيران. تعتبر دراور من أبرز الشخصيات التي ساهمت في توثيق ثقافة وتاريخ هذه الجماعة الدينية العريقة، وقدمت إسهامات جليلة في فهم معتقداتهم وممارساتهم.
حياتها المبكرة وتعليمها
ولدت إيثيل ستيفانا ستيفنز في الأول من ديسمبر عام 1879. لم تتوفر معلومات تفصيلية عن سنواتها الأولى وتعليمها المبكر، لكن من الواضح أنها تلقت تعليمًا جيدًا أتاح لها الانخراط في الأوساط الأكاديمية والبحثية لاحقًا. يُعتقد أنها اكتسبت معرفة باللغات القديمة، وهو أمر ضروري لدراسة النصوص الدينية المندائية.
العمل في العراق ودراسة المندائيين
بدأت دراور حياتها المهنية في العراق خلال فترة الانتداب البريطاني، حيث عملت في مجالات مختلفة. خلال إقامتها في العراق، جذبتها ثقافة وتاريخ الصابئة المندائيين، وهي جماعة دينية توحيدية قديمة تعيش في جنوب العراق وإيران. المندائيون يعتبرون يوحنا المعمدان نبيًا رئيسيًا ويمارسون طقوس التعميد في المياه الجارية. تأثرت دراور بشدة بمعتقداتهم وممارساتهم، وقررت تخصيص وقتها وجهدها لدراسة هذه الجماعة عن كثب.
قامت دراور برحلات مكثفة إلى المناطق التي يقطنها المندائيون، وعاشت بينهم لفترات طويلة، مما مكنها من فهم ثقافتهم وتقاليدهم بشكل عميق. تعلمت اللغة المندائية، وهي لغة آرامية شرقية تستخدم في الطقوس الدينية، وجمعت العديد من المخطوطات والنصوص الدينية المندائية الهامة.
منهجية دراور في البحث: تميزت دراور بمنهجيتها الدقيقة والشاملة في البحث. لم تكتفِ بجمع المعلومات من الكتب والمصادر المكتوبة، بل اعتمدت بشكل كبير على المقابلات الشخصية والملاحظات الميدانية. كانت تقضي ساعات طويلة مع رجال الدين المندائيين والزعماء الدينيين، وتسجل أقوالهم وآرائهم بدقة. كما كانت تحرص على حضور الطقوس الدينية والمناسبات الاجتماعية، وتسجيل تفاصيلها بدقة متناهية.
العلاقة مع المندائيين: تمكنت دراور من بناء علاقة وثيقة مع المندائيين، وكسبت ثقتهم واحترامهم. كان المندائيون يعتبرونها صديقة ومستشارة، ويقدرون اهتمامها بثقافتهم وتاريخهم. سمح لها هذا القرب بالوصول إلى معلومات ومصادر لم تكن متاحة للباحثين الآخرين.
أهم مؤلفاتها
نشرت إي. إس. دراور العديد من الكتب والمقالات حول الصابئة المندائيين، والتي تعتبر من أهم المصادر المرجعية لدراسة هذه الجماعة الدينية. من أبرز مؤلفاتها:
- The Mandaeans of Iraq and Iran (1937): يعتبر هذا الكتاب من أهم وأشمل الدراسات حول الصابئة المندائيين. يقدم الكتاب وصفًا تفصيليًا لمعتقداتهم وممارساتهم الدينية، وتاريخهم وعاداتهم الاجتماعية. يعتمد الكتاب على سنوات من البحث الميداني والمقابلات الشخصية مع المندائيين.
- The Book of Souls (1950): ترجمة وشرح لكتاب “كنزا ربا”، وهو النص الديني الرئيسي للمندائيين. يعتبر هذا الكتاب من أهم المساهمات في فهم العقيدة المندائية.
- Grammar of the Mandaic Language (1923): دراسة شاملة لقواعد اللغة المندائية، وهي لغة آرامية شرقية تستخدم في الطقوس الدينية المندائية.
- A Mandaean Dictionary (1963): قاموس شامل للغة المندائية، يحتوي على آلاف الكلمات والعبارات المندائية مع ترجمتها وشرحها.
بالإضافة إلى هذه الكتب، نشرت دراور العديد من المقالات في المجلات العلمية المتخصصة، تناولت فيها جوانب مختلفة من ثقافة وتاريخ الصابئة المندائيين.
أثرها وإرثها
تركت إي. إس. دراور إرثًا كبيرًا في مجال الدراسات المندائية. تعتبر أعمالها من أهم المصادر المرجعية للباحثين والدارسين في هذا المجال. ساهمت دراور في الحفاظ على ثقافة وتاريخ الصابئة المندائيين، وتعريف العالم بهذه الجماعة الدينية العريقة.
تقدير المجتمع الأكاديمي: حظيت أعمال دراور بتقدير كبير من قبل المجتمع الأكاديمي. تلقت العديد من الجوائز والتكريمات تقديرًا لإسهاماتها في مجال الدراسات المندائية. ولا تزال أعمالها تدرس وتستخدم في الجامعات والمؤسسات البحثية حول العالم.
الحفاظ على التراث المندائي: بالإضافة إلى أعمالها الأكاديمية، ساهمت دراور في الحفاظ على التراث المندائي من خلال جمع المخطوطات والنصوص الدينية المندائية الهامة. قامت بتصوير هذه المخطوطات وحفظها في المكتبات والمتاحف، مما ساهم في حمايتها من الضياع والتلف.
تأثيرها على المندائيين: كان لدراور تأثير كبير على المجتمع المندائي. ساهمت في رفع الوعي بأهمية الحفاظ على الثقافة واللغة المندائية. كما ساعدت المندائيين على التواصل مع العالم الخارجي وتعريفهم بقضيتهم.
زواجها وحياتها اللاحقة
تزوجت إيثيل ستيفانا ستيفنز من إدوارد تانجيه دراور، وهو ضابط بريطاني عمل في العراق. لم تنجب دراور أطفالًا، وكرست حياتها للبحث والدراسة.
عاشت دراور في العراق لسنوات عديدة، ثم عادت إلى بريطانيا في الخمسينيات من القرن الماضي. واصلت الكتابة والبحث حتى وفاتها في عام 1972 عن عمر يناهز 92 عامًا.
خاتمة
إي. إس. دراور كانت باحثة أنثروبولوجيا متميزة، كرست حياتها لدراسة الصابئة المندائيين. تركت إرثًا كبيرًا من الأعمال الأكاديمية التي لا تزال ذات قيمة كبيرة حتى اليوم. ساهمت دراور في الحفاظ على ثقافة وتاريخ هذه الجماعة الدينية العريقة، وتعريف العالم بها. تعتبر أعمالها مرجعًا أساسيًا للباحثين والدارسين في مجال الدراسات المندائية.