مقدمة
والتر ميشيل (22 فبراير 1930 – 12 سبتمبر 2018) كان عالم نفس أمريكيًا نمساوي المولد، متخصصًا في دراسة الشخصية. اشتهر ميشيل بعمله في مجال علم النفس الاجتماعي وعلم الشخصية، وبالأخص لتجاربه الشهيرة حول الإشباع المؤجل، والتي تُعرف غالبًا باسم “تجربة المارشميلو”. كان ميشيل أستاذًا في جامعة ستانفورد وجامعة كولومبيا، وقدم مساهمات كبيرة في فهمنا لكيفية تفاعل الأفراد مع المواقف المختلفة وكيفية تطور شخصياتهم بمرور الوقت.
الحياة المبكرة والتعليم
ولد والتر ميشيل في فيينا، النمسا، في عام 1930، لعائلة يهودية. اضطرت عائلته إلى الفرار من النمسا في عام 1938 بسبب صعود النازية، واستقرت في الولايات المتحدة. نشأ ميشيل في بروكلين، نيويورك، وحصل على درجة البكالوريوس من جامعة مدينة نيويورك عام 1951. ثم حصل على درجة الماجستير والدكتوراه في علم النفس من جامعة ولاية أوهايو في عامي 1953 و 1956 على التوالي. كان اهتمامه المبكر ينصب على قياس وتقييم الشخصية، وهو ما دفعه لاحقًا إلى التشكيك في بعض الافتراضات الأساسية في هذا المجال.
تجربة المارشميلو والإشباع المؤجل
تشتهر ميشيل على نطاق واسع بتجربته “المارشميلو”، التي أجريت في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات في جامعة ستانفورد. في هذه التجربة، وُضع الأطفال الصغار (عادةً في سن الرابعة أو الخامسة) في غرفة بمفردهم مع قطعة من المارشميلو (أو أي مكافأة صغيرة أخرى). قيل للأطفال أنهم إذا تمكنوا من الانتظار لمدة 15 دقيقة دون أكل المارشميلو، فسيحصلون على قطعة ثانية.
كانت تجربة المارشميلو تهدف إلى دراسة الإشباع المؤجل، أي قدرة الفرد على تأخير الحصول على مكافأة فورية من أجل الحصول على مكافأة أكبر في المستقبل. أظهرت نتائج التجربة اختلافات كبيرة بين الأطفال في قدرتهم على مقاومة الإغراء. بعض الأطفال أكلوا المارشميلو على الفور تقريبًا، بينما تمكن آخرون من الانتظار طوال الـ 15 دقيقة للحصول على المكافأة الثانية.
الأكثر إثارة للدهشة هو أن الدراسات اللاحقة التي أجريت على نفس الأطفال على مدى سنوات عديدة كشفت عن وجود علاقة قوية بين القدرة على تأخير الإشباع في سن مبكرة والنتائج الأكاديمية والاجتماعية والعاطفية في وقت لاحق من الحياة. الأطفال الذين تمكنوا من الانتظار لفترة أطول في تجربة المارشميلو كانوا أكثر عرضة للحصول على درجات أعلى في اختبارات القبول بالجامعة، وكانوا أقل عرضة للانخراط في مشاكل سلوكية، وكان لديهم قدرة أفضل على التعامل مع الإجهاد.
أثارت تجربة المارشميلو نقاشًا واسعًا حول طبيعة الشخصية وتأثير العوامل البيئية على تطورها. أظهرت التجربة أن القدرة على تأخير الإشباع ليست مجرد سمة شخصية ثابتة، بل هي مهارة يمكن تعلمها وتطويرها. وقد ألهمت التجربة العديد من الدراسات الأخرى حول الإشباع المؤجل وضبط النفس، ولها آثار كبيرة على التعليم والتربية وعلاج الإدمان.
نقد نظرية الشخصية
كان ميشيل أيضًا ناقدًا صريحًا لبعض الافتراضات الأساسية في نظرية الشخصية التقليدية. في كتابه المؤثر “الشخصية والتقييم” (1968)، جادل ميشيل بأن السمات الشخصية الثابتة لا يمكنها التنبؤ بسلوك الفرد في المواقف المختلفة بدقة كبيرة. أشار ميشيل إلى أن السلوك غالبًا ما يكون أكثر اعتمادًا على الموقف من السمات الشخصية الثابتة.
أثار هذا النقد جدلاً كبيرًا في مجال علم النفس، حيث تحدى الاعتقاد السائد بأن الشخصية هي مجموعة من السمات الثابتة التي تحدد سلوك الفرد. اقترح ميشيل نموذجًا بديلاً للشخصية يركز على التفاعل بين الفرد والموقف. وفقًا لهذا النموذج، يعتمد السلوك على كيفية تفسير الفرد للموقف وتقييمه، وعلى المهارات والاستراتيجيات التي يمتلكها للتعامل مع الموقف.
على الرغم من أن نقد ميشيل لنظرية الشخصية التقليدية كان مثيرًا للجدل، إلا أنه ساهم في تطوير فهم أكثر دقة وتعقيدًا للشخصية. أدى عمله إلى التركيز بشكل أكبر على دور العوامل الظرفية والمعرفية في تحديد السلوك، وإلى تطوير طرق جديدة لتقييم الشخصية تأخذ في الاعتبار التفاعل بين الفرد والموقف.
نموذج نظام الشخصية المعرفي العاطفي (CAPS)
في وقت لاحق من حياته المهنية، طور ميشيل مع زميله يوفال شودا نموذج نظام الشخصية المعرفي العاطفي (CAPS). يصف هذا النموذج الشخصية بأنها نظام ديناميكي من العمليات المعرفية والعاطفية المترابطة التي تؤثر على سلوك الفرد في المواقف المختلفة.
وفقًا لنموذج CAPS، تتضمن هذه العمليات المعرفية والعاطفية:
- الترميزات: كيفية تفسير الفرد للمعلومات في الموقف وتقييمها.
- التوقعات والمعتقدات: ما يتوقعه الفرد أن يحدث في الموقف، وما يعتقد أنه قادر على القيام به.
- العواطف: المشاعر التي يشعر بها الفرد في الموقف.
- الأهداف والقيم: ما يرغب الفرد في تحقيقه في الموقف، وما يعتبره مهمًا.
- الكفاءات والاستراتيجيات التنظيمية الذاتية: المهارات التي يمتلكها الفرد للتعامل مع الموقف، وقدرته على التحكم في أفكاره ومشاعره وسلوكه.
يقترح نموذج CAPS أن هذه العمليات المعرفية والعاطفية تتفاعل مع بعضها البعض بطرق معقدة لتحديد سلوك الفرد في أي موقف معين. يركز النموذج على كيفية اختلاف هذه العمليات بين الأفراد، وكيف يمكن أن تؤدي هذه الاختلافات إلى أنماط سلوكية مختلفة.
يعد نموذج CAPS مساهمة كبيرة في فهمنا للشخصية، حيث يوفر إطارًا شاملاً وديناميكيًا لفهم كيفية تفاعل الأفراد مع المواقف المختلفة وكيفية تطور شخصياتهم بمرور الوقت. وقد ألهم النموذج العديد من الدراسات الأخرى حول الشخصية وعلم النفس الاجتماعي.
مساهمات أخرى
بالإضافة إلى تجربة المارشميلو ونموذج CAPS، قدم ميشيل العديد من المساهمات الأخرى الهامة في مجال علم النفس. قام بتطوير أساليب جديدة لتقييم الشخصية، وقام بدراسة تأثير العوامل الاجتماعية والثقافية على تطور الشخصية، وقدم مساهمات في فهمنا للتحيز والتمييز.
كان ميشيل أيضًا معلمًا وباحثًا غزير الإنتاج، وقام بتدريب العديد من الطلاب الذين أصبحوا قادة في مجال علم النفس. حصل على العديد من الجوائز والأوسمة طوال حياته المهنية، بما في ذلك جائزة المساهمات العلمية المتميزة من جمعية علم النفس الأمريكية.
الحياة الشخصية
تزوج ميشيل من هاريت ن. ميشيل، وهي أيضًا عالمة نفس، ولديهما ثلاثة أطفال. توفي في 12 سبتمبر 2018، عن عمر يناهز 88 عامًا، بسبب سرطان المعدة.
إرثه
يُعتبر والتر ميشيل أحد أهم علماء النفس في القرن العشرين. كان لعمله تأثير عميق على فهمنا للشخصية والسلوك البشري، وألهم العديد من الباحثين الآخرين لمواصلة استكشاف هذه المجالات. ستظل تجربة المارشميلو ونموذج CAPS من المساهمات الدائمة في علم النفس، وسيستمر عمل ميشيل في إلهام الأجيال القادمة من علماء النفس.
خاتمة
كان والتر ميشيل شخصية بارزة في علم النفس، اشتهر بتجربة المارشميلو التي سلطت الضوء على الإشباع المؤجل وأهميته في النجاح المستقبلي. كما تحدى النظريات التقليدية للشخصية، مؤكدًا على دور السياق والتفاعل بين الفرد والبيئة. من خلال نموذج نظام الشخصية المعرفي العاطفي (CAPS)، قدم إطارًا شاملاً لفهم العمليات الديناميكية التي تشكل سلوكنا. يظل إرث ميشيل مؤثرًا، حيث يشكل البحث والممارسة في علم النفس وعلم الاجتماع والتعليم.