حياته المبكرة وتعليمه
وُلد جون إمبري في الولايات المتحدة عام 1908، ونشأ في بيئة أكاديمية حفزته على الاهتمام بالعلوم الاجتماعية. حصل على درجة البكالوريوس من جامعة هاواي، حيث بدأ اهتمامه بالثقافات الآسيوية. ثم انتقل إلى جامعة شيكاغو لمتابعة دراساته العليا في الأنثروبولوجيا، حيث تتلمذ على يد علماء بارزين مثل روبرت ريدفيلد وألفريد رادكليف براون. حصل إمبري على درجة الدكتوراه من جامعة شيكاغو في عام 1937، وكانت أطروحته تركز على دراسة قرية يابانية.
أبحاثه في اليابان
قضى إمبري جزءًا كبيرًا من حياته المهنية في دراسة المجتمع الياباني، حيث أجرى أبحاثًا ميدانية مكثفة في قرى مختلفة. كان كتابه “قرية سويو: المجتمع الياباني” (Suye Mura: A Japanese Village)، الذي نُشر عام 1939، من أبرز أعماله وأكثرها تأثيرًا. يقدم الكتاب وصفًا تفصيليًا للحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية في قرية سويو، ويسلط الضوء على العلاقات الأسرية، والتنظيم الاجتماعي، والمعتقدات الدينية، والممارسات الزراعية. يعتبر هذا الكتاب مرجعًا كلاسيكيًا في دراسة المجتمع الياباني، ولا يزال يُستخدم حتى اليوم في تدريس الأنثروبولوجيا.
منهجية إمبري في البحث تميزت بالدقة والموضوعية، حيث اعتمد على الملاحظة المباشرة، والمقابلات المعمقة، وتحليل البيانات الإحصائية لجمع المعلومات. كان يهدف إلى فهم المجتمع الياباني من الداخل، من خلال التفاعل مع السكان المحليين، والاستماع إلى قصصهم، ومراقبة سلوكهم اليومي. كان إمبري يؤمن بأهمية السياق الثقافي في فهم الظواهر الاجتماعية، وكان يسعى إلى تجنب الأحكام المسبقة والتفسيرات السطحية.
أبحاثه في تايلاند
بالإضافة إلى اليابان، أجرى إمبري أبحاثًا ميدانية في تايلاند، حيث درس الثقافة التايلاندية والمجتمع التايلاندي. كان مهتمًا بشكل خاص بدراسة العلاقات بين الثقافة والدين والسياسة في تايلاند. نشر العديد من المقالات والدراسات حول تايلاند، والتي ساهمت في فهم التغيرات الاجتماعية والثقافية التي كانت تشهدها البلاد في ذلك الوقت.
ركزت أبحاث إمبري في تايلاند على دراسة القرى الزراعية، حيث قام بتحليل الهياكل الاجتماعية، وأنماط القرابة، والممارسات الدينية، والتنظيم السياسي. كان مهتمًا بفهم كيف يتفاعل السكان المحليون مع التغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي تحدث في البلاد، وكيف يحافظون على هويتهم الثقافية في ظل هذه التغيرات. كان إمبري يؤمن بأهمية دراسة المجتمعات المحلية لفهم العمليات الأوسع للتغير الاجتماعي والثقافي.
مساهماته النظرية
بالإضافة إلى أبحاثه الميدانية، قدم إمبري مساهمات نظرية مهمة في مجال الأنثروبولوجيا. كان مهتمًا بتطوير مفاهيم وأدوات تحليلية جديدة لفهم المجتمعات والثقافات. من بين أبرز مساهماته النظرية مفهوم “التكوين الاجتماعي” (social formation)، والذي يشير إلى الطريقة التي يتم بها تنظيم المجتمع وتشكيل العلاقات الاجتماعية. استخدم إمبري هذا المفهوم لتحليل الهياكل الاجتماعية في اليابان وتايلاند، وفهم كيف تتفاعل العوامل الاقتصادية والسياسية والثقافية لتشكيل هذه الهياكل.
كان إمبري أيضًا مهتمًا بدراسة العلاقة بين الفرد والمجتمع، وكيف يؤثر المجتمع على سلوك الفرد وتفكيره. كان يؤمن بأهمية فهم الثقافة كإطار مرجعي يوجه سلوك الأفراد ويحدد معاني أفعالهم. كان إمبري يسعى إلى تطوير نظرية شاملة للثقافة تأخذ في الاعتبار الأبعاد المعرفية والعاطفية والسلوكية.
تأثيره وإرثه
ترك جون إمبري إرثًا هامًا في مجال الأنثروبولوجيا، حيث أثرت أعماله في جيل كامل من الباحثين والطلاب. يعتبر كتابه “قرية سويو: المجتمع الياباني” مرجعًا أساسيًا في دراسة المجتمع الياباني، ولا يزال يُستخدم حتى اليوم في تدريس الأنثروبولوجيا. كما ساهمت أبحاثه في تايلاند في فهم التغيرات الاجتماعية والثقافية التي كانت تشهدها البلاد في ذلك الوقت.
تميزت أعمال إمبري بالدقة المنهجية والتحليل العميق، مما جعلها مرجعًا هامًا للباحثين والطلاب في مجال الأنثروبولوجيا. كان إمبري يؤمن بأهمية البحث الميداني في فهم المجتمعات والثقافات، وكان يسعى إلى تطوير مفاهيم وأدوات تحليلية جديدة لفهم العمليات الاجتماعية والثقافية. كان إمبري شخصية مؤثرة في مجال الأنثروبولوجيا، وستظل أعماله تلهم الباحثين والطلاب في هذا المجال لسنوات عديدة قادمة.
الجدل حول عمله
على الرغم من أهمية عمل جون إمبري، إلا أنه لم يخلُ من الجدل. تعرضت بعض أعماله، وخاصة كتابه “قرية سويو”، لانتقادات بسبب التركيز على الجوانب السلبية في المجتمع الياباني، مثل الفقر والتمييز الطبقي. اتهمه بعض النقاد بتشويه صورة المجتمع الياباني، وتقديم صورة نمطية وسلبية عنه. دافع أنصار إمبري عن عمله، مشيرين إلى أنه كان يهدف إلى تقديم صورة واقعية للمجتمع الياباني، وليس إلى تجميلها أو تشويهها. وأشاروا إلى أن إمبري كان يسعى إلى فهم التحديات التي تواجه المجتمع الياباني، وإلى إيجاد حلول لهذه التحديات.
من الجدير بالذكر أن إمبري نفسه كان على دراية بالانتقادات الموجهة إلى عمله، وكان يسعى إلى معالجة هذه الانتقادات في أعماله اللاحقة. كان يؤمن بأهمية النقد الذاتي في البحث العلمي، وكان يسعى إلى تحسين منهجيته وأدواته التحليلية باستمرار.
وفاته
توفي جون إمبري بشكل مأساوي في عام 1950 عن عمر يناهز 42 عامًا. قُتل هو وزوجته أليسون ديفيس في جريمة قتل هزت المجتمع الأكاديمي. لا تزال ملابسات وفاتهما غامضة حتى اليوم.
خاتمة
جون إمبري كان عالم أنثروبولوجيا بارزًا قدم مساهمات كبيرة في فهم المجتمعات والثقافات في اليابان وتايلاند. تميزت أعماله بالدقة المنهجية والتحليل العميق، مما جعلها مرجعًا هامًا للباحثين والطلاب في هذا المجال. على الرغم من الجدل الذي أثاره بعض أعماله، إلا أن إرثه لا يزال حيًا، وسيظل يلهم الباحثين والطلاب في مجال الأنثروبولوجيا لسنوات عديدة قادمة.