نشأته وتعليمه
ولد جون أدير في ممفيس، تينيسي، ونشأ في بيئة حفزت فضوله الفكري. حصل على درجة البكالوريوس من جامعة كورنيل، ثم تابع دراساته العليا في جامعة أريزونا، حيث حصل على درجة الماجستير في الأنثروبولوجيا. لاحقًا، حصل على درجة الدكتوراه في الأنثروبولوجيا من جامعة نيو مكسيكو، حيث بدأ اهتمامه بالأنثروبولوجيا البصرية يتبلور.
بداية مسيرته المهنية
بعد حصوله على الدكتوراه، بدأ أدير مسيرته المهنية في مجال الأنثروبولوجيا كباحث ومدرس. عمل في عدة جامعات ومؤسسات بحثية، حيث ركز على دراسة ثقافات الأمريكيين الأصليين. كان مهتمًا بشكل خاص بتوثيق جوانب الحياة اليومية لهذه المجتمعات، واستكشاف كيفية استخدام الفيلم كوسيلة لتمثيل تجاربهم ووجهات نظرهم.
الأنثروبولوجيا البصرية واستخدام الفيلم
يُعتبر جون أدير من الرواد في مجال الأنثروبولوجيا البصرية، وهو فرع من الأنثروبولوجيا يركز على استخدام الوسائل البصرية، مثل الصور الفوتوغرافية والأفلام، لتوثيق ودراسة الثقافات المختلفة. كان أدير يعتقد أن الفيلم يمكن أن يكون أداة قوية لفهم المجتمعات الأخرى، لأنه يسمح للباحثين بالتقاط وتسجيل جوانب من الحياة لا يمكن الوصول إليها من خلال الأساليب التقليدية للبحث الأنثروبولوجي، مثل المقابلات والملاحظة بالمشاركة.
في عام 1966، بدأ أدير مشروعًا رائدًا مع سول ورث، وهو مصمم جرافيك ومدرس في مجال الاتصالات. أطلقوا مشروع “نافاجو الفيلمي” (Navajo Film Themselves)، وهو مشروع طموح يهدف إلى تعليم أفراد من قبيلة نافاجو كيفية استخدام كاميرات الأفلام لإنتاج أفلامهم الخاصة. كان الهدف من هذا المشروع هو تمكين أفراد نافاجو من سرد قصصهم الخاصة من وجهة نظرهم، وتقديم صورة أكثر دقة وتعقيدًا عن حياتهم وثقافتهم.
كانت فكرة السماح لأفراد نافاجو بصنع أفلامهم بأنفسهم فكرة ثورية في ذلك الوقت. تقليديًا، كان علماء الأنثروبولوجيا هم الذين يقومون بتصوير الأفلام عن الثقافات الأخرى، وغالبًا ما كانوا يفرضون وجهات نظرهم الخاصة على الموضوع. من خلال منح أفراد نافاجو السيطرة على عملية صناعة الأفلام، كان أدير وورث يأملان في تحدي هذه الممارسات الاستعمارية وإنتاج أفلام أكثر أصالة وإنصافًا.
مشروع نافاجو الفيلمي
كان مشروع “نافاجو الفيلمي” بمثابة تجربة فريدة ومثيرة للاهتمام. قام أدير وورث بتدريب سبعة من أفراد نافاجو على استخدام كاميرات 16 ملم، وقدموا لهم تعليمات أساسية حول تقنيات صناعة الأفلام. بعد ذلك، تركوا أفراد نافاجو لإنتاج أفلامهم الخاصة. كانت النتيجة مجموعة متنوعة من الأفلام التي عكست اهتمامات وتجارب أفراد نافاجو. تناولت الأفلام مواضيع مثل الحياة اليومية، والعمل، والتعليم، والعلاقات الأسرية، والهوية الثقافية.
أحد أشهر الأفلام التي تم إنتاجها في إطار مشروع “نافاجو الفيلمي” هو فيلم “أبناء يعودون إلى الوطن” (The Sons of Navajo). الفيلم من إخراج ألفريد يازي، وهو شاب من نافاجو، ويروي قصة شابين من نافاجو يعودان إلى موطنهما بعد أن قضيا سنوات في مدرسة داخلية. يصور الفيلم التحديات التي يواجهها الشابان أثناء محاولتهما إعادة الاندماج في مجتمعهما، واستكشاف الصراع بين التقاليد والحداثة. حقق الفيلم نجاحًا كبيرًا، وتم عرضه في العديد من المهرجانات السينمائية، وحصل على العديد من الجوائز.
كان مشروع “نافاجو الفيلمي” له تأثير كبير على مجال الأنثروبولوجيا البصرية. لقد أظهر أن الفيلم يمكن أن يكون أداة قوية لتمكين المجتمعات المهمشة، ومنحها صوتًا ورؤية. كما أثار المشروع أسئلة مهمة حول أخلاقيات البحث الأنثروبولوجي، ودور الباحث في تمثيل الثقافات الأخرى.
أعمال أخرى
بالإضافة إلى مشروع “نافاجو الفيلمي”، قام جون أدير بإجراء العديد من الأبحاث الأخرى في مجال الأنثروبولوجيا البصرية. درس استخدام الفيلم في دراسة ثقافات مختلفة، بما في ذلك ثقافة شعب المايا في المكسيك، وثقافة مجتمعات الأبالاش في الولايات المتحدة. كما كتب العديد من الكتب والمقالات حول الأنثروبولوجيا البصرية، بما في ذلك كتابه “نافاجو الفيلمي: دراسة في الأنثروبولوجيا البصرية” (Filming the Navajo: A Study of Visual Anthropology)، الذي يعتبر من الأعمال الكلاسيكية في هذا المجال.
ساهمت أعمال أدير في تطوير مجال الأنثروبولوجيا البصرية، وألهمت أجيالًا من علماء الأنثروبولوجيا وصانعي الأفلام الوثائقية. لقد أظهر أن الفيلم يمكن أن يكون أداة قوية لفهم الثقافات الأخرى، وتمكين المجتمعات المهمشة، وتحدي الممارسات الاستعمارية.
إرثه وتأثيره
ترك جون أدير إرثًا دائمًا في مجال الأنثروبولوجيا. لقد كان رائدًا في استخدام الفيلم كأداة للبحث والتوثيق، وساهم في تطوير مجال الأنثروبولوجيا البصرية. ألهمت أعماله العديد من الباحثين وصانعي الأفلام الوثائقية، وساعدت في تعزيز فهم أعمق وأكثر دقة للثقافات المختلفة. لا تزال أفكاره ومناهجه ذات صلة اليوم، وتستخدم في العديد من المشاريع البحثية والأفلام الوثائقية في جميع أنحاء العالم.
تشمل بعض المساهمات الرئيسية لجون أدير في مجال الأنثروبولوجيا ما يلي:
- تطوير الأنثروبولوجيا البصرية: كان أدير من الرواد في استخدام الفيلم كأداة للبحث والتوثيق الأنثروبولوجي.
- مشروع نافاجو الفيلمي: كان هذا المشروع الرائد بمثابة تجربة فريدة من نوعها، سمحت لأفراد نافاجو بإنتاج أفلامهم الخاصة، ورواية قصصهم من وجهة نظرهم.
- التركيز على تمكين المجتمعات المهمشة: آمن أدير بأن الفيلم يمكن أن يكون أداة قوية لتمكين المجتمعات المهمشة، ومنحها صوتًا ورؤية.
- التحقيق في أخلاقيات البحث الأنثروبولوجي: أثارت أعمال أدير أسئلة مهمة حول أخلاقيات البحث الأنثروبولوجي، ودور الباحث في تمثيل الثقافات الأخرى.
خاتمة
كان جون أدير عالم أنثروبولوجيا بارزًا ساهم بشكل كبير في مجال الأنثروبولوجيا البصرية. من خلال عمله الرائد، ساعد في تطوير فهم أعمق وأكثر دقة للثقافات المختلفة، وألهم أجيالًا من الباحثين وصانعي الأفلام الوثائقية. يبقى إرثه حيًا من خلال أعماله التي تستمر في إلهامنا وتحدينا للتفكير بشكل نقدي حول العالم من حولنا.
المراجع
- Filming the Navajo: A Study of Visual Anthropology by John Adair and Sol Worth
- The Navajo as Filmmaker: A Brief Report of the Cross-Cultural Film Study by Sol Worth and John Adair
- Review of “The Navajo as Filmmaker: A Brief Report of the Cross-Cultural Film Study” in American Anthropologist
- Sol Worth & John Adair’s “Navajo Film Yourself” Project