أصول عائلة ثيوفيلاكتي ونفوذها المبكر
تعود جذور عائلة ثيوفيلاكتي إلى ثيوفيلاكت الأول، الذي شغل منصب القاضي العام والقنصل لدوقية روما في أوائل القرن العاشر. اكتسب ثيوفيلاكت نفوذًا كبيرًا من خلال علاقاته مع العائلات النبيلة الرومانية الأخرى، وكذلك من خلال قدرته على تأمين المناصب الرئيسية لأفراد عائلته. تزوجت ابنته ثيودورا من ألبيريك الأول، دوق سبوليتو، مما عزز مكانة العائلة بشكل أكبر.
من خلال هذه الزيجات والتحالفات السياسية، تمكنت عائلة ثيوفيلاكتي من تجميع ثروة كبيرة ونفوذ سياسي واسع. سيطروا على العديد من القلاع والأراضي في لاتسيو، واستخدموا قوتهم العسكرية والاقتصادية للتأثير على الأحداث في روما. كانت فترة حكمهم بمثابة بداية حقبة جديدة في تاريخ البابوية، حيث أصبح النبلاء العلمانيون يلعبون دورًا مهيمنًا في اختيار الباباوات وتوجيه سياسات الكنيسة.
السيطرة على البابوية
بلغ نفوذ عائلة ثيوفيلاكتي ذروته خلال القرنين العاشر والحادي عشر، عندما تمكنوا من تنصيب العديد من أفراد عائلتهم كباباوات. كان من بين هؤلاء الباباوات: يوحنا الحادي عشر، ويوحنا الثاني عشر، وبندكت الثامن، ويوحنا التاسع عشر، وبندكت التاسع. غالبًا ما تميزت فترة حكم هؤلاء الباباوات بالفساد والمحسوبية والانشغال بالشؤون الدنيوية أكثر من الشؤون الروحية.
على سبيل المثال، اشتهر يوحنا الثاني عشر بسمعته السيئة وسلوكه الفاضح. اتُهم بالعديد من الجرائم، بما في ذلك الزنا والقتل والتدنيس، وعُزل في النهاية من منصبه. ومع ذلك، تمكنت عائلة ثيوفيلاكتي من استعادة نفوذها وتنصيب باباوات آخرين موالين لهم.
أثار هذا التدخل العلماني في شؤون الكنيسة انتقادات واسعة النطاق من قبل الإصلاحيين الدينيين، الذين دعوا إلى استقلال الكنيسة عن السيطرة العلمانية. ومع ذلك، استمرت عائلة ثيوفيلاكتي في ممارسة نفوذها حتى القرن الثاني عشر، عندما بدأت قوتهم في التضاؤل بسبب صعود عائلات نبيلة أخرى والإصلاحات التي أدخلها الباباوات الغريغوريون.
تأثيرهم على مدينة توسكولوم
بالإضافة إلى نفوذهم في روما، كان لكونتات توسكولوم تأثير كبير على مدينة توسكولوم، التي كانت بمثابة قاعدة قوتهم الرئيسية. قاموا بتحصين المدينة وبناء القلاع والكنائس، وحولوها إلى مركز سياسي واقتصادي مهم في المنطقة. كما قاموا برعاية الفنون والعلوم، وجذبوا العلماء والفنانين إلى توسكولوم.
أصبحت توسكولوم مركزًا للثقافة والتعلم، واشتهرت بمدارسها ومكتباتها. لعبت المدينة دورًا مهمًا في الحفاظ على المعرفة الكلاسيكية خلال العصور الوسطى، وساهمت في إحياء الفنون والعلوم في عصر النهضة.
ومع ذلك، تعرضت توسكولوم للعديد من الهجمات والحروب خلال فترة حكم كونتات توسكولوم. غالبًا ما كانت المدينة في صراع مع روما والمدن المجاورة، ودُمرت عدة مرات. في النهاية، تم تدمير توسكولوم بالكامل في عام 1191 من قبل القوات الرومانية، وتم التخلي عنها.
أهم الشخصيات من عائلة ثيوفيلاكتي
تشمل أهم الشخصيات من عائلة ثيوفيلاكتي:
- ثيوفيلاكت الأول: القاضي العام والقنصل لدوقية روما، ومؤسس العائلة.
- ثيودورا: ابنة ثيوفيلاكت الأول وزوجة ألبيريك الأول، دوق سبوليتو.
- مروزيا: ابنة ثيودورا، وعشيقة البابا سرجيوس الثالث ووالدة البابا يوحنا الحادي عشر.
- ألبيريك الثاني: ابن مروزيا، الذي حكم روما بشكل فعال لمدة ربع قرن.
- البابا يوحنا الحادي عشر: ابن مروزيا، الذي تم تنصيبه كبابا بفضل نفوذ عائلته.
- البابا يوحنا الثاني عشر: حفيد ألبيريك الثاني، الذي اشتهر بفساده وسلوكه الفاضح.
- البابا بندكت الثامن: كونت توسكولوم الذي أصبح بابا عام 1012.
- البابا يوحنا التاسع عشر: شقيق بندكت الثامن وخلفه في منصب البابا.
- البابا بندكت التاسع: ابن أخ بندكت الثامن، الذي تم انتخابه كبابا ثلاث مرات وتم عزله مرتين.
تراجع نفوذ عائلة ثيوفيلاكتي
بدأ نفوذ عائلة ثيوفيلاكتي في التضاؤل في القرن الثاني عشر بسبب عدة عوامل. أولاً، أدى صعود عائلات نبيلة أخرى في روما ولاتسيو إلى تحدي هيمنة ثيوفيلاكتي. ثانيًا، أدت الإصلاحات التي أدخلها الباباوات الغريغوريون إلى تقليل النفوذ العلماني على الكنيسة. ثالثًا، أدى تدمير توسكولوم في عام 1191 إلى إضعاف القاعدة الإقليمية للعائلة.
على الرغم من تراجع نفوذهم، استمر أحفاد عائلة ثيوفيلاكتي في لعب دور في السياسة الإيطالية لعدة قرون. ومع ذلك، لم يتمكنوا أبدًا من استعادة السلطة والنفوذ الذي تمتعوا به في القرنين العاشر والحادي عشر.
إرث كونتات توسكولوم
ترك كونتات توسكولوم إرثًا معقدًا ومثيرًا للجدل في تاريخ البابوية وإيطاليا. من ناحية، ساهموا في استقرار المنطقة وحماية روما من الغزاة الأجانب. كما قاموا برعاية الفنون والعلوم، وساهموا في الحفاظ على المعرفة الكلاسيكية. من ناحية أخرى، اشتهروا بفسادهم ومحسوبيتهم وتدخلهم العلماني في شؤون الكنيسة. غالبًا ما يُنظر إليهم على أنهم مثال على الانحطاط الذي ابتليت به البابوية خلال العصور الوسطى.
ومع ذلك، لا يمكن إنكار أهمية كونتات توسكولوم في تشكيل تاريخ روما ولاتسيو. لقد لعبوا دورًا حاسمًا في السياسة البابوية، وأثروا على اختيار الباباوات وتوجيه سياسات الكنيسة. كما تركوا بصمة دائمة على مدينة توسكولوم، التي كانت بمثابة قاعدة قوتهم الرئيسية لعدة قرون.
خاتمة
كان كونتات توسكولوم عائلة نبيلة قوية سيطرت على السياسة البابوية في روما خلال القرنين العاشر والحادي عشر. من خلال النفوذ السياسي والتحالفات الاستراتيجية، تمكنوا من تنصيب العديد من أفراد عائلتهم كباباوات، مما أدى إلى فترة من التدخل العلماني الكبير في شؤون الكنيسة. على الرغم من أن فترة حكمهم شهدت فسادًا واضطرابات، إلا أنهم تركوا أيضًا إرثًا من النفوذ الثقافي والسياسي الذي شكل تاريخ روما ولاتسيو. تراجع نفوذهم تدريجيًا بسبب صعود عائلات نبيلة أخرى والإصلاحات الكنسية، ولكن دورهم في التاريخ البابوي لا يزال مهمًا.