مقدمة
حملة الفلبين (1944-1945)، والمعروفة أيضًا باسم معركة الفلبين، أو حملة الفلبين الثانية، أو تحرير الفلبين، والتي تحمل الاسم الرمزي عملية موسكيتير الأول، وعملية كينغ الثاني، كانت عبارة عن سلسلة من المعارك التي دارت في الفلبين بين الولايات المتحدة واليابان خلال الحرب العالمية الثانية. بدأت الحملة بهبوط قوات الحلفاء في جزيرة ليتي في 20 أكتوبر 1944 وانتهت باستسلام اليابان في 2 سبتمبر 1945. كانت هذه الحملة حاسمة في تحرير الفلبين من الاحتلال الياباني الذي دام ثلاث سنوات.
الخلفية
في عام 1941، غزت اليابان الفلبين، التي كانت آنذاك مستعمرة أمريكية. وعلى الرغم من المقاومة الشرسة من القوات الأمريكية والفلبينية، تمكنت اليابان من احتلال البلاد بحلول مايو 1942. خلال فترة الاحتلال، عانى الشعب الفلبيني من قسوة بالغة على يد القوات اليابانية، وشملت هذه المعاملة القاسية الاعتقال التعسفي، والتعذيب، والإعدام، والاغتصاب، والعمل القسري، والمجاعة.
بحلول عام 1944، كانت الحرب في المحيط الهادئ تتحول لصالح الولايات المتحدة. بعد سلسلة من الانتصارات في جزر المحيط الهادئ، قرر الجنرال دوجلاس ماك آرثر، قائد قوات الحلفاء في جنوب غرب المحيط الهادئ، العودة إلى الفلبين وتحريرها، والوفاء بوعده الشهير “سأعود”.
كانت الفلبين ذات أهمية استراتيجية كبيرة، إذ كانت موقعًا حيويًا للسيطرة على خطوط الملاحة البحرية في جنوب شرق آسيا والمحيط الهادئ. كما كانت تحرير الفلبين مهمًا لاستعادة هيبة الولايات المتحدة بعد الهزيمة المهينة في عام 1942.
التحضيرات للحملة
قبل بدء الحملة، قامت قوات الحلفاء بعمليات تمهيدية مكثفة، وشمل ذلك غارات جوية على المواقع اليابانية في الفلبين، وعمليات إنزال بحري للاستيلاء على الجزر الصغيرة المجاورة. كان الهدف من هذه العمليات هو إضعاف القوات اليابانية وتعطيل خطوط إمدادها.
كما لعبت المقاومة الفلبينية دورًا حيويًا في التحضير للحملة. قام رجال المقاومة بجمع المعلومات الاستخباراتية، وتخريب المواقع اليابانية، وتقديم الدعم اللوجستي للقوات الأمريكية.
معركة ليتي
في 20 أكتوبر 1944، بدأت حملة الفلبين بهبوط قوات الحلفاء في جزيرة ليتي. كان هذا الإنزال الأكبر من نوعه في المحيط الهادئ منذ معركة جوادالكانال. واجهت القوات الأمريكية مقاومة شرسة من القوات اليابانية، لكنها تمكنت من إرساء موطئ قدم لها على الشاطئ.
اندلعت معركة ليتي البحرية بعد أيام قليلة، وكانت واحدة من أكبر المعارك البحرية في التاريخ. حاولت البحرية اليابانية تدمير أسطول الإنزال الأمريكي، لكنها هُزمت في نهاية المطاف.
بعد معركة ليتي البحرية، تمكنت القوات الأمريكية من تعزيز مواقعها في ليتي والتقدم نحو الداخل. دارت معارك عنيفة ضد القوات اليابانية المتمركزة في الجبال والغابات. وبحلول نهاية ديسمبر 1944، تمكنت القوات الأمريكية من السيطرة على معظم جزيرة ليتي.
معركة ميندورو
في 15 ديسمبر 1944، قامت القوات الأمريكية بإنزال برمائي في جزيرة ميندورو، الواقعة إلى الجنوب الغربي من ليتي. كانت ميندورو ذات أهمية استراتيجية كبيرة، حيث كانت توفر قاعدة جوية قريبة من لوزون، الجزيرة الرئيسية في الفلبين.
قاومت القوات اليابانية في ميندورو بشدة، لكن القوات الأمريكية تمكنت من السيطرة على الجزيرة في غضون بضعة أيام. أتاح الاستيلاء على ميندورو للقوات الأمريكية بناء قواعد جوية واستخدامها لشن غارات جوية على المواقع اليابانية في لوزون.
معركة لوزون
في 9 يناير 1945، بدأت القوات الأمريكية إنزالها في خليج لينجاين في جزيرة لوزون. كانت لوزون أكبر وأهم جزيرة في الفلبين، وكانت تضم العاصمة مانيلا.
واجهت القوات الأمريكية مقاومة شرسة من القوات اليابانية، التي كانت قد قامت بتحصين مواقعها بشكل جيد. دارت معارك عنيفة في جميع أنحاء لوزون، واستمرت لعدة أشهر.
كانت معركة مانيلا واحدة من أشرس المعارك في الحرب العالمية الثانية. دمرت المدينة بشكل كبير، وقُتل عشرات الآلاف من المدنيين الفلبينيين.
بحلول يوليو 1945، تمكنت القوات الأمريكية من السيطرة على معظم جزيرة لوزون. استمرت بعض الجيوب اليابانية في المقاومة حتى استسلام اليابان في أغسطس 1945.
معارك أخرى
بالإضافة إلى المعارك الرئيسية في ليتي وميندورو ولوزون، دارت العديد من المعارك الأخرى في جزر الفلبين الأخرى. وشملت هذه المعارك معارك مينداناو وبالاوان وباناي وسيبو وبوهول ونيجروس.
تم تحرير هذه الجزر تدريجياً من قبل القوات الأمريكية والفلبينية، وغالبًا بمساعدة رجال المقاومة الفلبينيين.
النتائج
كانت حملة الفلبين انتصارًا حاسمًا لقوات الحلفاء. تم تحرير الفلبين من الاحتلال الياباني، وتم استعادة هيبة الولايات المتحدة. كما أن الحملة مهدت الطريق لغزو اليابان.
تكبدت كل من الولايات المتحدة واليابان خسائر فادحة في الأرواح والمعدات خلال الحملة. قُتل عشرات الآلاف من الجنود الأمريكيين واليابانيين، وعشرات الآلاف من المدنيين الفلبينيين.
تسببت الحرب في دمار واسع النطاق في الفلبين. دُمرت المدن والبلدات والبنية التحتية، وعانى الاقتصاد الفلبيني بشدة.
تأثيرات الحملة
كان لحملة الفلبين تأثير عميق على الشعب الفلبيني. شعر الفلبينيون بالامتنان للولايات المتحدة لتحريرهم من الاحتلال الياباني، لكنهم كانوا أيضًا غاضبين من الدمار الذي تسببت فيه الحرب.
أدت الحرب إلى تعزيز الحركة الوطنية الفلبينية، وزادت المطالب بالاستقلال عن الولايات المتحدة. في عام 1946، منحت الولايات المتحدة الفلبين استقلالها.
تركت حملة الفلبين إرثًا دائمًا في العلاقات بين الولايات المتحدة والفلبين. ظلت الولايات المتحدة حليفًا وثيقًا للفلبين، وقدمت لها المساعدة الاقتصادية والعسكرية.
- الخسائر البشرية: كانت حملة الفلبين مكلفة للغاية من حيث الخسائر البشرية. قُتل ما يقدر بنحو 100,000 جندي ياباني، وحوالي 10,000 جندي أمريكي، وما بين 500,000 إلى مليون مدني فلبيني.
- الدمار: تسببت الحرب في دمار واسع النطاق في الفلبين، خاصة في مانيلا، التي دُمرت بالكامل تقريبًا.
- الاستقلال: أدت حملة الفلبين إلى تسريع عملية استقلال الفلبين، والذي تحقق في عام 1946.
- العلاقات الأمريكية الفلبينية: عززت الحملة العلاقات بين الولايات المتحدة والفلبين، والتي استمرت حتى يومنا هذا.
دروس مستفادة
قدمت حملة الفلبين دروسًا قيمة حول أهمية التخطيط الدقيق، والاستخبارات الجيدة، والدعم اللوجستي الفعال في الحرب. كما أظهرت أهمية المقاومة الشعبية في مواجهة الاحتلال الأجنبي.
أكدت الحملة أيضًا على الحاجة إلى حماية المدنيين في زمن الحرب، وتجنب التدمير غير الضروري للممتلكات.
- أهمية الدعم اللوجستي: أظهرت الحملة أهمية الدعم اللوجستي في العمليات العسكرية واسعة النطاق.
- قوة المقاومة: أكدت الحملة على دور المقاومة الشعبية في مواجهة الاحتلال الأجنبي.
- حماية المدنيين: سلطت الحملة الضوء على الحاجة إلى حماية المدنيين في زمن الحرب.
خاتمة
كانت حملة الفلبين (1944-1945) فصلًا حاسمًا في الحرب العالمية الثانية، حيث ساهمت في تحرير الفلبين من الاحتلال الياباني وعززت العلاقات بين الولايات المتحدة والفلبين. على الرغم من الخسائر الفادحة والدمار الذي خلفته، إلا أنها قدمت دروسًا قيمة في التخطيط العسكري وأهمية المقاومة الشعبية وحماية المدنيين.