نشأته وتعليمه
نشأ ريتشارد لانجلوا في بوتنام، وهي بلدة صغيرة تقع في شمال شرق ولاية كونيتيكت. حصل على درجة البكالوريوس في الاقتصاد من كلية وليامز عام 1974، ثم حصل على درجة الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة ييل عام 1979. كانت دراساته في ييل تحت إشراف ريتشارد نيلسون، وهو شخصية بارزة في الاقتصاد التطوري، مما أثر بشكل كبير على مسيرته الأكاديمية اللاحقة.
مسيرته الأكاديمية
بعد حصوله على الدكتوراه، انضم لانجلوا إلى هيئة التدريس في جامعة كونيتيكت، حيث بقي فيها طوال حياته المهنية. ترقى إلى رتبة أستاذ كامل في عام 1990. خلال مسيرته المهنية، شغل مناصب زائرة في العديد من المؤسسات المرموقة، بما في ذلك جامعة ستانفورد وجامعة هارفارد ومعهد سانتا في.
مساهماته في علم الاقتصاد
تعتبر مساهمات لانجلوا في علم الاقتصاد واسعة النطاق ومتنوعة، لكنها تتمحور بشكل أساسي حول فهم كيفية تنظيم الشركات والأسواق، وكيف تتطور القدرات التنظيمية بمرور الوقت، وكيف تلعب المعرفة دورًا حاسمًا في هذه العمليات. يمكن تلخيص أبرز مساهماته في النقاط التالية:
- اقتصاديات التنظيم: درس لانجلوا بعمق طبيعة الشركات والأسواق، وكيف يتم اختيار التنظيم الأمثل للأنشطة الاقتصادية. يرى أن القرار المتعلق بما يجب أن تفعله الشركة داخليًا وما يجب أن يتم الاستعانة بمصادر خارجية له يعتمد على تكاليف المعاملات والقدرات المعرفية.
- القدرات الديناميكية: ساهم لانجلوا في تطوير مفهوم القدرات الديناميكية، والذي يشير إلى قدرة الشركات على التكيف مع التغيرات في البيئة الخارجية. يركز على كيفية قيام الشركات بتطوير وتعديل قدراتها التنظيمية للاستفادة من الفرص الجديدة والتغلب على التهديدات.
- اقتصاديات المعرفة: يؤكد لانجلوا على أهمية المعرفة في الاقتصاد، وكيف يتم إنتاج المعرفة ونشرها واستخدامها. يرى أن المعرفة ليست مجرد سلعة، بل هي عملية معقدة تتضمن التعلم والتجريب والتفاعل الاجتماعي.
- دور ريادة الأعمال: يولي لانجلوا اهتمامًا خاصًا بدور ريادة الأعمال في دفع الابتكار والتغيير الاقتصادي. يعتبر أن رواد الأعمال هم المحركون الرئيسيون للاكتشاف والتجريب، وأنهم يلعبون دورًا حاسمًا في تكييف الشركات والأسواق مع الظروف المتغيرة.
أفكاره حول اقتصاديات التنظيم
يعتبر لانجلوا من أبرز الباحثين في مجال اقتصاديات التنظيم. يرى أن الشركات ليست مجرد وحدات إنتاجية، بل هي أيضًا أنظمة معقدة من المعرفة والتنسيق. يركز على كيفية قيام الشركات بتنظيم أنشطتها الداخلية، وكيف تتفاعل مع الشركات الأخرى في السوق. يرى أن القرار المتعلق بما يجب أن تفعله الشركة داخليًا وما يجب أن يتم الاستعانة بمصادر خارجية له يعتمد على عدة عوامل، بما في ذلك:
- تكاليف المعاملات: تشير إلى التكاليف المرتبطة بإبرام العقود ومراقبة الأداء وإنفاذ الاتفاقيات. يرى لانجلوا أن الشركات تميل إلى القيام بالأنشطة التي تكون تكاليف المعاملات فيها مرتفعة داخليًا، بينما تميل إلى الاستعانة بمصادر خارجية للأنشطة التي تكون تكاليف المعاملات فيها منخفضة.
- القدرات المعرفية: تشير إلى قدرة الشركة على جمع المعلومات ومعالجتها واتخاذ القرارات. يرى لانجلوا أن الشركات تميل إلى القيام بالأنشطة التي تتطلب قدرات معرفية عالية داخليًا، بينما تميل إلى الاستعانة بمصادر خارجية للأنشطة التي تتطلب قدرات معرفية منخفضة.
- المرونة: تشير إلى قدرة الشركة على التكيف مع التغيرات في البيئة الخارجية. يرى لانجلوا أن الشركات تميل إلى الاستعانة بمصادر خارجية للأنشطة التي تتطلب مرونة عالية، بينما تميل إلى القيام بالأنشطة التي تتطلب مرونة منخفضة داخليًا.
مفهوم القدرات الديناميكية
ساهم لانجلوا في تطوير مفهوم القدرات الديناميكية، والذي يشير إلى قدرة الشركات على التكيف مع التغيرات في البيئة الخارجية. يرى أن الشركات التي تمتلك قدرات ديناميكية قوية تكون قادرة على البقاء والازدهار في بيئة متغيرة. يركز على كيفية قيام الشركات بتطوير وتعديل قدراتها التنظيمية للاستفادة من الفرص الجديدة والتغلب على التهديدات. تتضمن القدرات الديناميكية ما يلي:
- القدرة على الاستشعار: تشير إلى قدرة الشركة على اكتشاف التغيرات في البيئة الخارجية وتفسيرها.
- القدرة على الاستيلاء: تشير إلى قدرة الشركة على الاستيلاء على الفرص الجديدة التي تظهر في البيئة الخارجية.
- القدرة على التحول: تشير إلى قدرة الشركة على تغيير مواردها وقدراتها التنظيمية للاستفادة من الفرص الجديدة.
أهمية المعرفة في الاقتصاد
يؤكد لانجلوا على أهمية المعرفة في الاقتصاد، وكيف يتم إنتاج المعرفة ونشرها واستخدامها. يرى أن المعرفة ليست مجرد سلعة، بل هي عملية معقدة تتضمن التعلم والتجريب والتفاعل الاجتماعي. يركز على دور المؤسسات في تسهيل إنتاج المعرفة ونشرها. يعتبر أن الأسواق والشركات والجامعات والمعاهد البحثية كلها مؤسسات تلعب دورًا حاسمًا في هذه العملية.
يعتقد لانجلوا أن المعرفة الضمنية (Tacit Knowledge)، وهي المعرفة التي يصعب تدوينها أو نقلها بشكل رسمي، تلعب دورًا خاصًا في الاقتصاد. هذه المعرفة غالبًا ما تكون متجسدة في المهارات والخبرات الفردية، وتنتقل من خلال الممارسة والتفاعل المباشر.
دور ريادة الأعمال في التغيير الاقتصادي
يولي لانجلوا اهتمامًا خاصًا بدور ريادة الأعمال في دفع الابتكار والتغيير الاقتصادي. يعتبر أن رواد الأعمال هم المحركون الرئيسيون للاكتشاف والتجريب، وأنهم يلعبون دورًا حاسمًا في تكييف الشركات والأسواق مع الظروف المتغيرة. يرى أن رواد الأعمال لا يقتصرون على إنشاء شركات جديدة، بل يشملون أيضًا الأفراد الذين يقودون التغيير داخل الشركات القائمة.
يركز لانجلوا على العمليات المعرفية التي يقوم بها رواد الأعمال، وكيف يقومون بتحديد الفرص وتقييم المخاطر وتعبئة الموارد. يرى أن ريادة الأعمال تتطلب مزيجًا من الإبداع والمثابرة والقدرة على التعلم من الأخطاء.
نقد التيار الرئيسي في علم الاقتصاد
ينتقد لانجلوا بعض جوانب التيار الرئيسي في علم الاقتصاد، وخاصة تركيزه على النماذج الرياضية المجردة وتجاهله للعمليات المعرفية والإدراكية التي تقوم عليها القرارات الاقتصادية. يدعو إلى منهج أكثر واقعية وتجريبية في علم الاقتصاد، يأخذ في الاعتبار تعقيد السلوك البشري ودور المؤسسات في تشكيل النتائج الاقتصادية.
يعتبر لانجلوا من المؤيدين للاقتصاد النمساوي، وهو مدرسة فكرية اقتصادية تركز على دور ريادة الأعمال والمعرفة والعمليات التطورية في الاقتصاد. يرى أن الاقتصاد النمساوي يقدم رؤى قيمة حول كيفية عمل الأسواق وكيف تتطور بمرور الوقت.
أعماله المنشورة
نشر لانجلوا العديد من الكتب والمقالات في مجلات علمية مرموقة. من أبرز أعماله:
- “Economics as a Process: Essays in the New Institutional Economics” (1986)
- “Cognition, Coordination, and Entrepreneurship” (2007)
- “The Capability View of the Firm: Origins and Implications” (2013)
تُرجمت أعماله إلى لغات عديدة، وأثرت في جيل من الاقتصاديين والباحثين في مجال الإدارة.
الجوائز والتكريمات
حصل لانجلوا على العديد من الجوائز والتكريمات تقديرًا لمساهماته في علم الاقتصاد، بما في ذلك:
- زمالة جمعية الاقتصاد التطوري
- جائزة أفضل مقال في مجلة “Industrial and Corporate Change”
خاتمة
يُعد ريتشارد نورماند لانجلوا شخصية بارزة في علم الاقتصاد، يتميز بمنهجه الفريد الذي يجمع بين اقتصاديات التنظيم والقدرات الديناميكية واقتصاديات المعرفة. ساهم بشكل كبير في فهم كيفية تنظيم الشركات والأسواق، وكيف تتطور القدرات التنظيمية بمرور الوقت، وكيف تلعب المعرفة دورًا حاسمًا في هذه العمليات. يعتبر من أبرز المنتقدين للتيار الرئيسي في علم الاقتصاد، ويدعو إلى منهج أكثر واقعية وتجريبية يأخذ في الاعتبار تعقيد السلوك البشري ودور المؤسسات في تشكيل النتائج الاقتصادية.