مقدمة
أُجريت انتخابات جمعية أيرلندا الشمالية في 20 أكتوبر 1982 في محاولة لإعادة إنشاء نظام الحكم الذاتي وتقاسم السلطة. جاءت هذه الانتخابات في أعقاب سنوات من الاضطرابات السياسية والعنف الطائفي، وكانت تهدف إلى إيجاد حل سياسي مستدام للصراع في أيرلندا الشمالية. تأسست الجمعية بموجب قانون أيرلندا الشمالية لعام 1982، الذي سعى إلى تحقيق مشاركة أوسع من الأحزاب السياسية المختلفة في إدارة شؤون المنطقة.
خلفية تاريخية
شهدت أيرلندا الشمالية صراعًا طويل الأمد بين القوميين (الكاثوليك)، الذين يسعون إلى الوحدة مع جمهورية أيرلندا، والوحدويين (البروتستانت)، الذين يرغبون في البقاء جزءًا من المملكة المتحدة. تصاعد هذا الصراع في أواخر الستينيات، مما أدى إلى فترة عُرفت باسم “المشاكل” (The Troubles)، والتي تميزت بالعنف السياسي والتطرف. حاولت الحكومات البريطانية المتعاقبة إيجاد حلول سياسية لهذه المشاكل، ولكن دون جدوى كبيرة.
في عام 1972، تم تعليق برلمان أيرلندا الشمالية (Stormont) وفرض الحكم المباشر من لندن. على الرغم من ذلك، استمر العنف، وأصبح من الواضح أن الحل العسكري وحده لن يكون كافيًا. في عام 1973، تم التوصل إلى اتفاق تقاسم السلطة المعروف باسم اتفاقية سنينغديل (Sunningdale Agreement)، ولكنها انهارت بسبب معارضة الوحدويين المتشددين والإضراب العام الذي نظموه.
بعد انهيار اتفاقية سنينغديل، استمرت الجهود لإيجاد حل سياسي. في عام 1982، قدمت الحكومة البريطانية قانون أيرلندا الشمالية، الذي أنشأ جمعية جديدة ذات صلاحيات محدودة. كان الهدف من الجمعية هو توفير منبر للأحزاب السياسية المختلفة للتفاوض والتوصل إلى اتفاق حول كيفية إدارة أيرلندا الشمالية.
قانون أيرلندا الشمالية 1982
حدد قانون أيرلندا الشمالية لعام 1982 هيكل ووظائف الجمعية الجديدة. كان من بين أهم ميزات القانون:
- إنشاء جمعية منتخبة: تتكون الجمعية من 78 عضوًا منتخبين من 12 دائرة انتخابية، باستخدام نظام التمثيل النسبي (قائمة الحزب).
- صلاحيات محدودة: مُنحت الجمعية صلاحيات استشارية وتشريعية محدودة، مع احتفاظ الحكومة البريطانية بالسلطة النهائية في معظم المجالات.
- لجنة التدقيق: تم إنشاء لجنة التدقيق للتحقيق في أعمال السلطة التنفيذية ومراقبتها.
- هدف تقاسم السلطة: كان الهدف المعلن للجمعية هو التوصل إلى اتفاق بشأن تقاسم السلطة بين الأحزاب السياسية المختلفة.
على الرغم من أن الجمعية لم تكن لديها صلاحيات كاملة، إلا أنها كانت تمثل خطوة نحو إعادة إنشاء الحكم الذاتي في أيرلندا الشمالية.
الأحزاب المشاركة
شاركت عدة أحزاب سياسية في انتخابات جمعية أيرلندا الشمالية لعام 1982، بما في ذلك:
- الحزب الوحدوي الديمقراطي (DUP): بقيادة إيان بيزلي، كان الحزب الوحدوي الديمقراطي أكبر حزب وحدوي، وعارض بشدة أي شكل من أشكال تقاسم السلطة مع القوميين.
- حزب ألستر الوحدوي (UUP): كان حزب ألستر الوحدوي ثاني أكبر حزب وحدوي، وكان أكثر اعتدالًا من الحزب الوحدوي الديمقراطي، لكنه ظل حذرًا بشأن تقاسم السلطة.
- الحزب الاشتراكي العمالي الديمقراطي (SDLP): كان الحزب الاشتراكي العمالي الديمقراطي أكبر حزب قومي، وسعى إلى تحقيق الوحدة مع جمهورية أيرلندا عن طريق الوسائل السلمية.
- شين فين (Sinn Féin): شارك شين فين في الانتخابات لأول مرة منذ عام 1925، وحقق نجاحًا كبيرًا، مما يشير إلى تزايد الدعم للقومية الجمهورية.
- تحالف أيرلندا الشمالية (Alliance Party of Northern Ireland): كان حزب التحالف حزبًا وسطيًا سعى إلى تحقيق المصالحة بين الطائفتين.
كانت هذه الأحزاب تمثل مجموعة واسعة من الآراء السياسية في أيرلندا الشمالية، وكان من المتوقع أن يكون التفاوض بينها صعبًا.
نتائج الانتخابات
أُجريت انتخابات جمعية أيرلندا الشمالية في 20 أكتوبر 1982. كانت النتائج على النحو التالي:
- الحزب الوحدوي الديمقراطي (DUP): 21 مقعدًا
- حزب ألستر الوحدوي (UUP): 26 مقعدًا
- الحزب الاشتراكي العمالي الديمقراطي (SDLP): 14 مقعدًا
- شين فين (Sinn Féin): 5 مقاعد
- تحالف أيرلندا الشمالية (Alliance Party of Northern Ireland): 10 مقاعد
- أحزاب أخرى: 2 مقاعد
أظهرت النتائج أن الحزبين الوحدويين الرئيسيين، الحزب الوحدوي الديمقراطي وحزب ألستر الوحدوي، احتفظا بدعمهما القوي. ومع ذلك، كان الفوز الكبير لشين فين بمثابة صدمة للكثيرين، مما يشير إلى تزايد الدعم للقومية الجمهورية. كان الحزب الاشتراكي العمالي الديمقراطي لا يزال أكبر حزب قومي، لكنه فقد بعض الدعم لصالح شين فين.
تداعيات الانتخابات
بعد الانتخابات، اجتمعت الجمعية لمحاولة التوصل إلى اتفاق بشأن تقاسم السلطة. ومع ذلك، سرعان ما أصبح من الواضح أن الانقسامات العميقة بين الأحزاب السياسية ستجعل من الصعب للغاية تحقيق أي تقدم. رفض الحزب الوحدوي الديمقراطي، بقيادة إيان بيزلي، أي شكل من أشكال تقاسم السلطة مع شين فين، بينما أصر الحزب الاشتراكي العمالي الديمقراطي على أن أي اتفاق يجب أن يشمل جميع الأحزاب، بما في ذلك شين فين.
في النهاية، فشلت الجمعية في التوصل إلى اتفاق، وتم حلها في عام 1986. على الرغم من فشلها، إلا أن تجربة جمعية أيرلندا الشمالية عام 1982 قدمت دروسًا قيمة حول التحديات التي تواجه محاولات حل الصراع في أيرلندا الشمالية. أظهرت أن تقاسم السلطة يمكن أن يكون صعبًا للغاية في مجتمع منقسم بشدة، وأن أي حل سياسي يجب أن يحظى بدعم واسع من جميع الأطراف المعنية.
كما سلطت الانتخابات الضوء على أهمية التعامل مع جميع الأحزاب السياسية، بغض النظر عن آرائها. كان إدراج شين فين في العملية السياسية خطوة مهمة، على الرغم من أنها أثارت جدلاً في ذلك الوقت. في النهاية، لعب شين فين دورًا حاسمًا في عملية السلام التي أدت إلى اتفاق الجمعة العظيمة في عام 1998.
إرث الانتخابات
على الرغم من أن جمعية أيرلندا الشمالية عام 1982 لم تنجح في تحقيق أهدافها المعلنة، إلا أنها كانت تمثل علامة فارقة في تاريخ أيرلندا الشمالية. كانت أول محاولة جادة لتقاسم السلطة بين القوميين والوحدويين منذ انهيار اتفاقية سنينغديل في عام 1974. كما مهدت الطريق لجهود مستقبلية لتحقيق السلام والمصالحة.
أظهرت الانتخابات أن الحل السياسي للصراع في أيرلندا الشمالية ممكن، لكنه سيتطلب تنازلات من جميع الأطراف المعنية. كما أكدت على أهمية الحوار والتفاوض في التغلب على الانقسامات العميقة. على الرغم من التحديات العديدة، استمرت جهود السلام، وفي النهاية، تم التوصل إلى اتفاق الجمعة العظيمة في عام 1998، الذي أنهى إلى حد كبير “المشاكل”.
تظل انتخابات جمعية أيرلندا الشمالية لعام 1982 درسًا قيمًا في أهمية المثابرة والمرونة في مواجهة الصراع السياسي. على الرغم من النكسات والإخفاقات، يجب أن تستمر الجهود لإيجاد حلول سلمية ودائمة للمشاكل التي تواجه المجتمعات المنقسمة.
خاتمة
كانت انتخابات جمعية أيرلندا الشمالية لعام 1982 محاولة لإعادة إنشاء نظام الحكم الذاتي وتقاسم السلطة في أعقاب سنوات من الصراع والعنف. على الرغم من أن الجمعية فشلت في التوصل إلى اتفاق دائم، إلا أنها كانت تمثل خطوة مهمة نحو إيجاد حل سياسي للصراع في أيرلندا الشمالية. شاركت فيها أحزاب سياسية مختلفة بآراء متباينة، وأظهرت النتائج استمرار الدعم للأحزاب الوحدوية والقومية. على الرغم من التحديات، مهدت هذه الانتخابات الطريق لجهود مستقبلية لتحقيق السلام والمصالحة.