تاريخ المحفل الوطني الكبير الفرنسي
تعود جذور المحفل الوطني الكبير الفرنسي إلى أوائل القرن العشرين، عندما بدأت بعض المحافل الماسونية في فرنسا في البحث عن استقلالية أكبر عن المحفل الكبير الفرنسي (Grand Orient de France)، الذي كان يُنظر إليه على أنه ليبرالي للغاية وغير ملتزم بالمعتقدات التقليدية للماسونية. في عام 1913، انفصل محفلان، “Le Centre de l’Union” و “La Loge Anglaise No. 204″، عن المحفل الكبير الفرنسي وأسسا المحفل الوطني الكبير الفرنسي.
حصل المحفل الجديد على اعتراف من المحفل الكبير المتحد لإنجلترا في نفس العام، مما عزز مكانته كمحفل ماسوني شرعي ومنتظم. منذ تأسيسه، نما المحفل الوطني الكبير الفرنسي ليصبح أكبر محفل ماسوني في فرنسا، ويضم أكثر من 50,000 عضو.
مر المحفل الوطني الكبير الفرنسي بفترات من النمو والاضطرابات على مر السنين. خلال الحرب العالمية الثانية، تم حظره من قبل حكومة فيشي، واضطر العديد من أعضائه إلى العمل في الخفاء. بعد الحرب، استأنف المحفل أنشطته واستمر في النمو والازدهار.
المبادئ والطقوس
يرتكز المحفل الوطني الكبير الفرنسي على عدد من المبادئ الأساسية، بما في ذلك:
- الإيمان بالله: يشترط المحفل على جميع أعضائه الإيمان بوجود قوة عظمى.
- الإخلاص للوطن: يشجع المحفل أعضائه على أن يكونوا مواطنين صالحين ومخلصين لبلدهم.
- العمل الخيري: يلتزم المحفل بدعم الأعمال الخيرية والمساهمة في تحسين المجتمع.
- التسامح: يدعو المحفل إلى التسامح والاحترام بين جميع الناس، بغض النظر عن معتقداتهم أو خلفياتهم.
- التحسين الذاتي: يشجع المحفل أعضائه على السعي لتحسين أنفسهم أخلاقياً وفكرياً وروحياً.
يتبع المحفل الوطني الكبير الفرنسي الطقس الاسكتلندي القديم والمقبول بشكل حصري تقريبًا. يتكون هذا الطقس من 33 درجة، حيث يتقدم الأعضاء تدريجياً عبر هذه الدرجات من خلال سلسلة من الاحتفالات والتعاليم. تركز الطقوس على الرموز والأخلاق والفلسفة، وتهدف إلى مساعدة الأعضاء على فهم أنفسهم والعالم من حولهم بشكل أفضل.
التنظيم والهيكل
يتكون المحفل الوطني الكبير الفرنسي من عدد من المحافل الفرعية المنتشرة في جميع أنحاء فرنسا. يرأس المحفل الكبير رئيس يُنتخب من قبل أعضاء المحفل. الرئيس مسؤول عن الإشراف على جميع أنشطة المحفل وضمان التزامه بمبادئه.
يتكون هيكل المحفل الوطني الكبير الفرنسي من عدة مستويات:
- المحافل الفرعية (Loges): هي الوحدات الأساسية للمحفل، حيث يجتمع الأعضاء بانتظام لأداء الطقوس ومناقشة المسائل المتعلقة بالماسونية.
- المحافظات (Provinces): يتم تجميع المحافل الفرعية في محافظات، يرأس كل محافظة رئيس إقليمي.
- المحفل الكبير (Grande Loge): هو الهيئة الحاكمة العليا للمحفل الوطني الكبير الفرنسي، ويتكون من الرئيس وأعضاء المجلس الكبير.
يتم تمويل المحفل الوطني الكبير الفرنسي من خلال اشتراكات الأعضاء والتبرعات. يستخدم المحفل هذه الأموال لدعم أنشطته الخيرية والإدارية.
العلاقات مع المحافل الماسونية الأخرى
يتمتع المحفل الوطني الكبير الفرنسي بعلاقات وثيقة مع العديد من المحافل الماسونية الأخرى حول العالم، وخاصة تلك التي تتبع نفس المبادئ والمعتقدات. يعتبر المحفل الكبير المتحد لإنجلترا (United Grand Lodge of England) هو “المحفل الأم” و الذي أعطى الاعتراف الأصلي للمحفل الوطني الكبير الفرنسي.
تعقد GLNF بانتظام مؤتمرات واجتماعات مع ممثلي المحافل الماسونية الأخرى لتبادل الأفكار والخبرات وتعزيز التفاهم المتبادل. كما تشارك GLNF في العديد من المشاريع والمبادرات الدولية التي تهدف إلى دعم الأعمال الخيرية وتعزيز السلام والتفاهم بين الأمم.
ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن علاقات GLNF مع بعض المحافل الماسونية الأخرى، وخاصة تلك التي تعتبر ليبرالية أو غير منتظمة، قد تكون متوترة في بعض الأحيان. يعود ذلك بشكل أساسي إلى الاختلافات في المبادئ والمعتقدات.
الجدل والانتقادات
مثل العديد من المنظمات الماسونية الأخرى، واجه المحفل الوطني الكبير الفرنسي بعض الجدل والانتقادات على مر السنين. تتضمن بعض الانتقادات الشائعة:
- السرية: يتهم البعض الماسونية بالسرية المفرطة، مما يثير الشكوك حول أنشطتها ودوافعها.
- النخبوية: يعتبر البعض الماسونية منظمة نخبوية تقتصر على أعضاء الطبقات العليا من المجتمع.
- التأثير السياسي: يزعم البعض أن الماسونية تمارس نفوذاً سياسياً غير مبرر.
- التمييز: يتهم البعض الماسونية بالتمييز ضد النساء والأقليات.
يرد المحفل الوطني الكبير الفرنسي على هذه الانتقادات بالتأكيد على أن أنشطته شفافة وخاضعة للمساءلة. كما يؤكد على أنه منظمة مفتوحة لجميع الرجال ذوي السمعة الطيبة، بغض النظر عن خلفياتهم الاجتماعية أو الاقتصادية. بالإضافة إلى ذلك، ينفي المحفل بشدة أي تدخل في السياسة أو ممارسة التمييز.
تعتبر قضية الاعتراف من قبل المحفل الكبير المتحد لإنجلترا قضية حساسة بالنسبة لـ GLNF. في عام 2000، سحب المحفل الكبير المتحد لإنجلترا اعترافه بـ GLNF بسبب مخاوف بشأن الإدارة والالتزام بالمبادئ الماسونية التقليدية. ومع ذلك، تم استعادة الاعتراف في عام 2014 بعد سلسلة من الإصلاحات والتغييرات في GLNF.
المحفل الوطني الكبير الفرنسي في القرن الحادي والعشرين
يظل المحفل الوطني الكبير الفرنسي قوة بارزة في الماسونية الفرنسية في القرن الحادي والعشرين. يواصل المحفل جذب أعضاء جدد وتنفيذ برامج ومبادرات جديدة تهدف إلى تعزيز مبادئه وتعزيز مجتمعه.
كما يشارك المحفل بنشاط في الحوار بين الأديان والثقافات، ويدعم مجموعة متنوعة من المشاريع الخيرية. يظل المحفل ملتزمًا بقيمه الأساسية المتمثلة في الإيمان بالله والإخلاص للوطن والعمل الخيري والتسامح والتحسين الذاتي.
خاتمة
المحفل الوطني الكبير الفرنسي (GLNF) هو محفل ماسوني كبير ومرموق في فرنسا، تأسس في عام 1913. يتبع المحفل الطقس الاسكتلندي القديم والمقبول ويلتزم بمجموعة من المبادئ الأساسية، بما في ذلك الإيمان بالله والإخلاص للوطن والعمل الخيري والتسامح والتحسين الذاتي. على الرغم من مواجهة بعض الجدل والانتقادات، يظل المحفل قوة بارزة في الماسونية الفرنسية ويلعب دورًا مهمًا في المجتمع.