حياته المبكرة
ولد جوزيبي غوارنيري في كريمونا بإيطاليا، وهو جزء من عائلة غوارنيري التي أسست نفسها كصناع آلات وترية مرموقين. كان والده، جوزيبي جيوفاني باتيستا غوارنيري، صانع كمان موهوب، وكان جده، أندريا غوارنيري، هو المؤسس الفعلي لسلالة صناعة الكمان في العائلة. نشأ جوزيبي “دل جيزو” في بيئة مشبعة بصناعة الكمان، وتلقى تدريبه الأولي على يد والده. ومع ذلك، يُعتقد أنه تأثر أيضًا بغيره من صانعي الكمان البارزين في كريمونا في ذلك الوقت، بما في ذلك ربما أنطونيو ستراديفاري نفسه.
لم يتم توثيق تفاصيل حياة غوارنيري المبكرة بشكل كامل، ولكن من المعروف أنه عمل في ورشة والده لعدة سنوات. خلال هذه الفترة، اكتسب خبرة قيمة في جميع جوانب صناعة الكمان، من اختيار الخشب إلى التشطيب النهائي. بدأ تدريجياً في تطوير أسلوبه الخاص، والذي تميز بنهج أكثر جرأة وتجريبية مقارنة بأعمال والده.
تطوير أسلوبه الفريد
على عكس ستراديفاري، الذي اشتهر بالدقة والكمال، كان غوارنيري “دل جيزو” معروفًا بنهجه الأكثر عفوية وعاطفية. كان يجرب أشكالًا مختلفة، وأنماط نقش، وأنواع ورنيش، مما أدى إلى مجموعة متنوعة من الكمان ذات الخصائص الصوتية الفريدة. يفضل الكثير من عازفي الكمان كمان غوارنيري “دل جيزو” لقوته وعمقه وثرائه النغمي.
أحد الجوانب المميزة في كمان غوارنيري “دل جيزو” هو فتحات الصوت (f-holes) المميزة، والتي غالبًا ما تكون أطول وأكثر حدة من تلك الموجودة في كمان ستراديفاري. يُعتقد أن هذا التصميم يساهم في القوة الصوتية المميزة للكمان. بالإضافة إلى ذلك، غالبًا ما يتميز كمان غوارنيري “دل جيزو” بنقش جريء ومتقن على اللوحة الخلفية والرأس.
من بين التجديدات الأخرى التي أدخلها غوارنيري “دل جيزو” استخدام أنواع مختلفة من الخشب، بما في ذلك خشب التنوب المرن للوحة الصوت وخشب القيقب الصلب للوحة الخلفية والأضلاع. كان حريصًا أيضًا على اختيار الخشب بعناية، مع الأخذ في الاعتبار خصائصه الصوتية قبل دمجه في الكمان. يعتقد الكثيرون أن ورنيشه، الذي يتميز بلونه الغني وعمقه، يساهم أيضًا في الصوت الاستثنائي لأدواته.
“دل جيزو” – علامة مميزة
أصبح لقب “دل جيزو” (del Gesù) مرتبطًا باسم جوزيبي غوارنيري لتمييزه عن أفراد آخرين من عائلة غوارنيري كانوا يعملون أيضًا كصناع كمان. يشير هذا اللقب إلى إضافة الأحرف “IHS” (وهي اختصار لـ “Iesus Hominum Salvator” – يسوع مخلص البشر) والصليب إلى ملصقاته الداخلية. يعتقد البعض أن هذا يشير إلى إيمان ديني عميق، بينما يعتقد البعض الآخر أنه كان مجرد وسيلة لتمييز عمله عن عمل أفراد عائلته الآخرين.
أهمية تاريخية وتأثير
على الرغم من أن غوارنيري أنتج عددًا أقل من الكمان مقارنة بستراتيفاري، إلا أن أدواته تحظى بتقدير كبير من قبل عازفي الكمان وهواة الجمع على حد سواء. يعتبر كمان غوارنيري “دل جيزو” من بين أغلى وأكثر الآلات المرغوبة في العالم. عزف العديد من عازفي الكمان المشهورين على كمان غوارنيري “دل جيزو” عبر التاريخ، بما في ذلك نيكولو باغانيني، وإيساك شتيرن، ويهودي مينوهين، وإيتزاك بيرلمان.
إن تأثير غوارنيري “دل جيزو” على صناعة الكمان لا يمكن إنكاره. تحدى الأعراف التقليدية وجرب أساليب جديدة، مما أدى إلى إنشاء كمان يتميز بصوته القوي والعاطفي. ألهم عمله أجيالًا من صانعي الكمان، ولا تزال أدواته تمثل قمة حرفية صناعة الكمان.
بعض من أشهر كمان جوزيبي غوارنيري “دل جيزو”:
- “Il Cannone” (المدفع): الكمان الذي كان مملوكًا لعازف الكمان الأسطوري نيكولو باغانيني، ويعتبر أحد أفضل الأمثلة على عمل غوارنيري “دل جيزو”. يتميز بصوت قوي بشكل استثنائي، وهو ما يفسر اسمه.
- “Lord Wilton” (اللورد ويلتون): كمان يعود تاريخه إلى عام 1742، ويعتبر على نطاق واسع تحفة فنية. يتميز بجماله الاستثنائي وجودة صوته.
- “Vieuxtemps” (فيوتام): كمان يعود تاريخه إلى عام 1741، وكان مملوكًا لعازف الكمان البلجيكي هنري فيوتامبس. يُعرف بصوته العميق والغني.
الجدل المحيط بحياته
على الرغم من الاعتراف به كعبقري في صناعة الكمان، تحيط بحياة جوزيبي غوارنيري “دل جيزو” بعض الغموض والجدل. هناك العديد من القصص المتداولة حول حياته، وبعضها قد يكون مبالغًا فيه أو غير دقيق. إحدى هذه القصص هي أنه سجن بسبب مخالفات مالية أو مشاكل شخصية، وأنه صنع الكمان أثناء وجوده في السجن. على الرغم من أن هذه القصة شائعة، إلا أنه لا يوجد دليل قاطع يدعمها. ومع ذلك، فمن المؤكد أن حياة غوارنيري “دل جيزو” كانت غير تقليدية، وأن أسلوبه الفريد يعكس روحه المستقلة.
خاتمة
جوزيبي غوارنيري “دل جيزو” هو شخصية بارزة في تاريخ صناعة الكمان. من خلال أسلوبه المبتكر ومهارته الاستثنائية، ابتكر كمانًا يتميز بصوته القوي والعاطفي. على الرغم من أن حياته تحيط بها بعض الغموض، إلا أن إرثه كواحد من أعظم صانعي الكمان في التاريخ لا يزال قائماً. يعتبر كمانه من بين أغلى وأكثر الآلات المرغوبة في العالم، ولا تزال تلهم عازفي الكمان وهواة الجمع على حد سواء.