تاريخ الوخز بالإبر
يعود تاريخ الوخز بالإبر إلى آلاف السنين في الصين. أقدم الوثائق التي تشير إلى الوخز بالإبر تعود إلى القرن الثاني قبل الميلاد. خلال عهد أسرة مينغ (1368-1644)، تم تجميع مجموعة شاملة من المعارف حول الوخز بالإبر في كتاب “الكلاسيكية الكاملة للوخز بالإبر والكيّ”.
انتشر الوخز بالإبر تدريجياً إلى بلدان أخرى في آسيا، وفي النهاية إلى العالم الغربي. في سبعينيات القرن الماضي، اكتسب الوخز بالإبر شعبية في الولايات المتحدة بعد زيارة الرئيس ريتشارد نيكسون للصين.
كيف يعمل الوخز بالإبر؟
تستند نظرية الوخز بالإبر إلى مفهوم “تشي” (Qi)، وهي الطاقة الحيوية التي تتدفق عبر الجسم. وفقًا للطب الصيني التقليدي، يمكن أن يؤدي انسداد أو اختلال في تدفق تشي إلى المرض. يتم إدخال الإبر في نقاط محددة على طول خطوط الطول (المسارات) في الجسم لتحفيز تدفق تشي واستعادة التوازن.
هناك العديد من النظريات حول كيفية عمل الوخز بالإبر من الناحية الفسيولوجية. تشمل بعض هذه النظريات:
- نظرية البوابة: تشير هذه النظرية إلى أن الوخز بالإبر يحفز الأعصاب التي تنقل إشارات الألم إلى الدماغ، مما يمنع إشارات الألم الأخرى من الوصول إلى الدماغ.
- نظرية الإندورفين: تقترح هذه النظرية أن الوخز بالإبر يحفز إطلاق الإندورفين، وهي مواد كيميائية طبيعية في الجسم لها تأثير مسكن للألم.
- نظرية الجهاز العصبي اللاإرادي: تفترض هذه النظرية أن الوخز بالإبر يؤثر على الجهاز العصبي اللاإرادي، الذي يتحكم في وظائف الجسم اللاإرادية مثل معدل ضربات القلب وضغط الدم.
ما هي الحالات التي يمكن علاجها بالوخز بالإبر؟
وفقًا لمنظمة الصحة العالمية (WHO)، يمكن استخدام الوخز بالإبر لعلاج مجموعة واسعة من الحالات الصحية، بما في ذلك:
- الألم المزمن (مثل آلام الظهر، والصداع، والتهاب المفاصل)
- الغثيان والقيء (خاصة بعد الجراحة أو العلاج الكيميائي)
- العقم
- الاكتئاب والقلق
- الأرق
- الحساسية
- السكتة الدماغية
ومع ذلك، من المهم ملاحظة أن الأدلة العلمية التي تدعم استخدام الوخز بالإبر لعلاج بعض هذه الحالات لا تزال محدودة. يجب على الأفراد استشارة أخصائي الرعاية الصحية المؤهل قبل استخدام الوخز بالإبر كجزء من خطة العلاج الخاصة بهم.
ماذا تتوقع خلال جلسة الوخز بالإبر؟
خلال جلسة الوخز بالإبر، سيقوم الممارس بتقييم حالتك الصحية من خلال طرح أسئلة حول تاريخك الطبي وأسلوب حياتك. قد يقومون أيضًا بفحص لسانك ونبضك.
بعد ذلك، سيقوم الممارس بإدخال إبر رفيعة معقمة في نقاط محددة على جسمك. عادة ما تكون الإبر مصنوعة من الفولاذ المقاوم للصدأ وتكون رقيقة جدًا بحيث لا تشعر بمعظمها عند إدخالها. قد تشعر بإحساس خفيف بالوخز أو الضغط عند إدخال الإبر.
عادة ما تترك الإبر في مكانها لمدة 15 إلى 30 دقيقة. خلال هذا الوقت، يمكنك الاسترخاء أو الاستماع إلى الموسيقى أو التأمل.
بعد إزالة الإبر، قد تشعر بالاسترخاء أو النشاط أو كليهما. قد تحتاج إلى عدة جلسات من الوخز بالإبر لرؤية النتائج المرجوة.
هل الوخز بالإبر آمن؟
الوخز بالإبر آمن بشكل عام عندما يتم إجراؤه من قبل ممارس مؤهل ومرخص. ومع ذلك، هناك بعض المخاطر المحتملة، بما في ذلك:
- الألم أو الكدمات: قد تشعر ببعض الألم أو الكدمات في موقع إدخال الإبرة.
- العدوى: هناك خطر ضئيل للإصابة بالعدوى إذا لم يتم استخدام إبر معقمة.
- الإغماء: في حالات نادرة، قد يشعر بعض الأشخاص بالإغماء أثناء أو بعد جلسة الوخز بالإبر.
- تفاقم الأعراض: في حالات نادرة، قد تتفاقم الأعراض مؤقتًا بعد جلسة الوخز بالإبر.
يجب على الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات النزيف أو الذين يتناولون أدوية مضادة لتخثر الدم أو لديهم جهاز تنظيم ضربات القلب استشارة الطبيب قبل الخضوع للوخز بالإبر.
كيف تجد ممارس وخز بالإبر مؤهل؟
من المهم العثور على ممارس وخز بالإبر مؤهل ومرخص. يمكنك أن تطلب من طبيبك أو من أصدقائك أو من عائلتك توصيات. يمكنك أيضًا البحث عبر الإنترنت عن ممارسي الوخز بالإبر في منطقتك.
عند اختيار ممارس وخز بالإبر، تأكد من أنه مرخص ومعتمد من قبل هيئة تنظيمية معترف بها. يجب عليك أيضًا أن تسأل عن خبرتهم وتدريبهم. من الجيد أيضًا مقابلة الممارس قبل تحديد موعد لتقييم راحتك وثقتك بهم.
الكي (Moxibustion)
في كثير من الأحيان، يتم دمج الوخز بالإبر مع تقنية أخرى تسمى الكي (Moxibustion). الكي هو شكل من أشكال العلاج الحراري في الطب الصيني التقليدي. وهو يتضمن حرق نبات الشيح المجفف، المعروف باسم “موكسا”، بالقرب من الجلد. يُعتقد أن حرق الموكسا يحفز تدفق تشي ويقوي الدم، مما يساعد على تخفيف الألم وعلاج الأمراض.
يمكن تطبيق الموكسا مباشرة على الجلد أو بشكل غير مباشر عن طريق وضعها فوق إبر الوخز بالإبر أو بين الجلد وجهاز خاص. قد يشعر المرضى بالحرارة اللطيفة التي تبعثها الموكسا، مما يوفر تجربة مريحة ومهدئة.
نظام غذائي وأسلوب حياة صحي
بالإضافة إلى الوخز بالإبر والكي، غالباً ما يتم التأكيد على اتباع نظام غذائي صحي وأسلوب حياة متوازن في الطب الصيني التقليدي. قد يوصي الممارسون بتناول أطعمة معينة وتجنب أخرى، بالإضافة إلى ممارسة التمارين الرياضية بانتظام والحصول على قسط كافٍ من النوم. يُعتقد أن هذه العوامل تدعم الصحة العامة وتساعد على تعزيز فعالية العلاج بالوخز بالإبر.
دراسات علمية حول الوخز بالإبر
هناك العديد من الدراسات العلمية التي تبحث في فعالية الوخز بالإبر في علاج حالات مختلفة. ومع ذلك، فإن النتائج غالبًا ما تكون مختلطة. بعض الدراسات تظهر فوائد كبيرة، بينما لا تظهر دراسات أخرى أي فرق كبير بين الوخز بالإبر والعلاج الوهمي (placebo). أحد التحديات في دراسة الوخز بالإبر هو صعوبة تصميم دراسات وهمية جيدة. ومع ذلك، هناك اتجاه متزايد نحو إجراء المزيد من الدراسات الصارمة والمصممة تصميماً جيداً لتقييم فعالية الوخز بالإبر بشكل موضوعي.
الطب الصيني التقليدي (TCM)
الوخز بالإبر هو جزء لا يتجزأ من الطب الصيني التقليدي (TCM)، وهو نظام طبي شامل يعود تاريخه إلى آلاف السنين. يشمل الطب الصيني التقليدي مجموعة متنوعة من العلاجات، بما في ذلك الوخز بالإبر، والكي، والعلاج بالأعشاب، والتدليك (Tuina)، والتمارين الرياضية (Qigong و Tai Chi). يعتمد الطب الصيني التقليدي على مفهوم تحقيق التوازن بين العناصر المختلفة في الجسم، بما في ذلك الين واليانغ، والعناصر الخمسة (الخشب والنار والأرض والمعدن والماء). يهدف ممارسو الطب الصيني التقليدي إلى تشخيص ومعالجة الاختلالات التي قد تؤدي إلى المرض.
خاتمة
الوخز بالإبر هو شكل من أشكال الطب البديل الذي يتضمن إدخال إبر رفيعة في نقاط محددة على الجسم. يستخدم لعلاج مجموعة واسعة من الحالات الصحية، وخاصة الألم المزمن. على الرغم من أن الآلية الدقيقة التي يعمل بها الوخز بالإبر ليست مفهومة تمامًا، إلا أن هناك العديد من النظريات حول كيفية تحفيزه للجسم على الشفاء. الوخز بالإبر آمن بشكل عام عند إجرائه من قبل ممارس مؤهل، ولكن من المهم استشارة أخصائي الرعاية الصحية قبل استخدامه كجزء من خطة العلاج.