الخلفية والتأسيس
في أعقاب الحرب العالمية الثانية، واجهت بريطانيا تحديات كبيرة في مجال الإسكان والاكتظاظ السكاني في المدن الكبرى. استجابةً لذلك، سنت الحكومة سلسلة من القوانين لإنشاء مدن جديدة تهدف إلى تخفيف الضغط على المدن القائمة وتوفير مساكن وظروف معيشية أفضل. كانت ميلتون كينز واحدة من آخر المدن الجديدة التي تم إنشاؤها في هذا الإطار، وتم اختيار موقعها في عام 1964 بين مدن ليتشوورث وهيميل هيمبستيد القائمة بالفعل.
تم إنشاء MKDC بموجب قانون المدن الجديدة لعام 1965، وبدأت عملها في عام 1967. كان أول رئيس لها هو اللورد كامبل من إسكانهيل، وتم تكليفها بمهمة طموحة: بناء مدينة يبلغ عدد سكانها 250 ألف نسمة بحلول نهاية القرن العشرين. كان هذا يمثل تحديًا هائلاً، خاصة وأن المنطقة كانت في الغالب ريفية وزراعية.
أهداف المؤسسة
كانت أهداف MKDC متعددة الأوجه وشملت:
- تخطيط وتصميم مدينة جديدة عصرية ومستدامة.
- توفير مجموعة واسعة من المساكن بأسعار معقولة.
- جذب الاستثمار والشركات لخلق فرص عمل.
- بناء بنية تحتية متطورة، بما في ذلك الطرق والمرافق العامة.
- توفير المرافق الترفيهية والثقافية لسكان المدينة.
- خلق مجتمع متنوع ومتكامل.
التخطيط والتصميم
تبنت MKDC نهجًا مبتكرًا في التخطيط والتصميم، مع التركيز على المساحات الخضراء والسيارات. تم تصميم المدينة على شكل شبكة من الطرق المربعة، مع شوارع رئيسية تفصل بين المناطق السكنية والصناعية والتجارية. تم تخصيص مساحات واسعة للمتنزهات والحدائق والمساحات المفتوحة، مما جعل ميلتون كينز مدينة خضراء بشكل استثنائي.
كان من أبرز جوانب تصميم ميلتون كينز هو نظام الطرق الهرمي. تم تصميم الطرق الرئيسية (المسماة “H” و “V” تليها أرقام) للسماح بحركة مرور سلسة وسريعة، بينما تم تصميم الطرق المحلية لتوفير الوصول إلى المنازل والشركات. تم أيضًا دمج مسارات الدراجات والمشاة في جميع أنحاء المدينة، مما شجع على استخدام وسائل النقل المستدامة.
كانت MKDC حريصة أيضًا على دمج المباني القائمة والميزات الطبيعية في تصميم المدينة. تم الحفاظ على العديد من القرى والبلدات القديمة الموجودة في المنطقة، وتم دمجها في النسيج الحضري الجديد. تم أيضًا الاهتمام بالحفاظ على الأشجار الموجودة وإنشاء غابات جديدة، مما ساهم في الطابع الأخضر للمدينة.
الإسكان والبنية التحتية
لعبت MKDC دورًا حاسمًا في توفير المساكن والبنية التحتية اللازمة لنمو ميلتون كينز. قامت المؤسسة ببناء الآلاف من المنازل، بدءًا من الشقق الصغيرة وحتى المنازل العائلية الكبيرة. تم تصميم المساكن لتلبية مجموعة واسعة من الاحتياجات والميزانيات، وتم بيعها أو تأجيرها بأسعار معقولة.
بالإضافة إلى المساكن، قامت MKDC أيضًا ببناء بنية تحتية واسعة النطاق، بما في ذلك الطرق والجسور والمرافق العامة. تم تزويد المدينة بشبكة حديثة من الطرق السريعة، مما جعل الوصول إليها سهلاً من أجزاء أخرى من البلاد. تم أيضًا بناء محطة قطار جديدة، وتم تحسين خدمات الحافلات المحلية.
استثمرت MKDC أيضًا في التعليم والرعاية الصحية. تم بناء العديد من المدارس الجديدة والكليات الجامعية، وتم إنشاء مستشفى جديد لخدمة سكان المدينة. تم أيضًا توفير مجموعة واسعة من المرافق الترفيهية والثقافية، بما في ذلك المسارح ودور السينما والمراكز الرياضية.
جذب الاستثمار والنمو الاقتصادي
كان أحد الأهداف الرئيسية لـ MKDC هو جذب الاستثمار والشركات إلى ميلتون كينز. نجحت المؤسسة في جذب عدد من الشركات الكبرى إلى المدينة، بما في ذلك شركة كوكا كولا وشركة ساندرز رو (التي أصبحت لاحقًا جزءًا من شركة بريتيش ايروسبيس). ساهمت هذه الشركات في خلق الآلاف من فرص العمل، مما ساعد على تعزيز النمو الاقتصادي للمدينة.
لعبت MKDC أيضًا دورًا في تطوير قطاع التكنولوجيا في ميلتون كينز. تم إنشاء عدد من الحدائق التكنولوجية في المدينة، مما جذب الشركات الناشئة والشركات القائمة على التكنولوجيا. أصبحت ميلتون كينز مركزًا هامًا للابتكار والتكنولوجيا، مما ساهم في تنويع اقتصادها.
الانتقادات والتحديات
على الرغم من نجاحها الكبير، واجهت MKDC بعض الانتقادات والتحديات. اتهم بعض النقاد المؤسسة بأنها غير ديمقراطية وغير مسؤولة، حيث كانت تتمتع بسلطات واسعة النطاق دون الخضوع للمساءلة المباشرة أمام الجمهور. كان هناك أيضًا بعض الجدل حول تصميم المدينة، حيث رأى البعض أن شبكة الطرق المربعة كانت مملة وغير ملهمة.
كان أحد التحديات الرئيسية التي واجهت MKDC هو تمويل مشاريعها. اعتمدت المؤسسة على مزيج من التمويل الحكومي والإيرادات المتولدة من بيع الأراضي والممتلكات. ومع ذلك، كان هناك بعض الأوقات التي كانت فيها المؤسسة تعاني من ضغوط مالية، مما أدى إلى تأخير أو إلغاء بعض المشاريع.
التقييم والإرث
بشكل عام، تعتبر MKDC قصة نجاح. نجحت المؤسسة في بناء مدينة جديدة مزدهرة ومستدامة، جذبت الاستثمار وخلق فرص العمل. أصبحت ميلتون كينز واحدة من أسرع المدن نموًا في المملكة المتحدة، وتتمتع بسمعة طيبة كمدينة عصرية ومبتكرة.
تعتبر المساحات الخضراء الواسعة والشبكة الممتازة من الطرق ومسارات الدراجات من بين الميزات التي تجعل ميلتون كينز فريدة من نوعها. لقد أثر تصميم المدينة على التخطيط الحضري في أماكن أخرى، ولا تزال ميلتون كينز نموذجًا للمدن الجديدة.
حل المؤسسة
تم حل MKDC في عام 1992، بعد أن أكملت مهمتها المتمثلة في بناء مدينة جديدة. تم نقل مسؤوليات المؤسسة إلى السلطات المحلية والهيئات الحكومية الأخرى. ومع ذلك، لا يزال إرث MKDC محسوسًا في ميلتون كينز اليوم.
خاتمة
كانت مؤسسة تطوير ميلتون كينز (MKDC) قوة دافعة وراء إنشاء مدينة ميلتون كينز الجديدة. من خلال التخطيط الدقيق والاستثمار الاستراتيجي، نجحت المؤسسة في بناء مدينة حديثة ومستدامة أصبحت نموذجًا للتنمية الحضرية. على الرغم من بعض الانتقادات والتحديات، فإن إرث MKDC لا يزال محسوسًا في ميلتون كينز اليوم، حيث تستمر المدينة في الازدهار والنمو.