<![CDATA[
مقدمة
بعثة تيرا نوفا، والتي عُرفت رسميًا باسم “البعثة البريطانية للقارة القطبية الجنوبية”، كانت رحلة استكشافية إلى القارة القطبية الجنوبية (أنتاركتيكا) جرت بين عامي 1910 و 1913. قاد هذه البعثة المستكشف البريطاني روبرت فالكون سكوت، وكان هدفها العلمي والجغرافي هو إجراء البحوث العلمية واستكشاف القارة القطبية الجنوبية، بالإضافة إلى الوصول إلى القطب الجنوبي.
كانت بعثة تيرا نوفا هي الثانية بقيادة سكوت إلى القارة القطبية الجنوبية، بعد بعثة ديسكفري (1901-1904). سميت البعثة تيرا نوفا على اسم السفينة التي استخدمت في الرحلة، وهي سفينة صيد الحيتان سابقة تم تحويلها لتناسب مهام الاستكشاف العلمي.
على الرغم من الإنجازات العلمية التي حققتها البعثة، إلا أنها اشتهرت بشكل خاص بالمأساة التي حلت بفريق سكوت الذي وصل إلى القطب الجنوبي ليجد أن الفريق النرويجي بقيادة روال Amundsen قد سبقه إليه بحوالي شهر.
أهداف البعثة
كانت أهداف بعثة تيرا نوفا متعددة الجوانب، وشملت:
- الوصول إلى القطب الجنوبي: كان هذا الهدف الرئيسي للبعثة، وهو تحقيق سبق الوصول إلى أقصى نقطة في جنوب الكرة الأرضية.
- الاستكشاف العلمي: تضمنت البعثة برنامجًا علميًا شاملاً يهدف إلى دراسة جيولوجيا، وعلم الأحياء، وعلم الأرصاد الجوية، وعلم الفيزياء الأرضية في القارة القطبية الجنوبية.
- المسح الجغرافي: كان من المقرر إجراء مسح تفصيلي للمناطق التي تم استكشافها، بما في ذلك رسم الخرائط وتحديد التضاريس.
- العمليات الجيولوجية: دراسة تكوين الصخور والبحث عن المعادن.
- دراسة الحياة البرية: جمع عينات من النباتات والحيوانات وتسجيل سلوكها.
تنظيم البعثة وتمويلها
تم تنظيم بعثة تيرا نوفا من قبل لجنة خاصة، وتلقى سكوت دعمًا كبيرًا من الجمهور والجهات المانحة الخاصة. ومع ذلك، واجهت البعثة صعوبات مالية، واعتمدت بشكل كبير على التبرعات لتمويل أنشطتها. جمع سكوت الأموال من خلال المحاضرات العامة وبيع حقوق النشر لقصة البعثة.
تم تجهيز البعثة بمجموعة متنوعة من المعدات واللوازم، بما في ذلك الزلاجات والكلاب المجرورة والمهور. كما حملت البعثة معها معدات علمية متطورة لإجراء البحوث في مختلف التخصصات.
رحلة الوصول إلى القطب الجنوبي
بدأت الرحلة نحو القطب الجنوبي في نوفمبر 1911. اختار سكوت خمسة رجال لمرافقته في المرحلة النهائية: إدوارد ويلسون، وهنري باورز، ولورنس أوتس، وإدغار إيفانز. استخدم الفريق مزيجًا من الزلاجات التي تجرها الكلاب، والمهور، والمشي على الأقدام لسحب المعدات والإمدادات.
كانت الظروف الجوية قاسية للغاية، حيث واجه الفريق درجات حرارة متجمدة ورياحًا قوية وعواصف ثلجية. كان التقدم بطيئًا وصعبًا، وبدأ الرجال يعانون من الإرهاق والجوع.
في 17 يناير 1912، وصل فريق سكوت إلى القطب الجنوبي، ليكتشفوا أن الفريق النرويجي بقيادة روال Amundsen قد سبقهم إليه بحوالي 34 يومًا. كان هذا الاكتشاف بمثابة ضربة قاسية لسكوت ورجاله، حيث تحطمت آمالهم في تحقيق سبق تاريخي.
الرحلة المأساوية للعودة
بدأت رحلة العودة من القطب الجنوبي في ظروف أسوأ من تلك التي واجهها الفريق في الذهاب. كان الطقس سيئًا للغاية، والإمدادات الغذائية آخذة في النفاد، وكان الرجال يعانون من الإرهاق وسوء التغذية.
توفي إدغار إيفانز في 17 فبراير 1912، بعد سقوطه وإصابته في الرأس. ثم توفي لورنس أوتس في 16 مارس 1912، بعد أن خرج من الخيمة في عاصفة ثلجية على أمل أن يقلل من العبء على رفاقه.
وجد سكوت وويلسون وباورز أنفسهم محاصرين في خيمتهم على بعد 11 ميلًا فقط من مستودع الإمدادات الأخير. نفد منهم الطعام والوقود، وكانوا ضعفاء للغاية بحيث لا يستطيعون الاستمرار في التقدم. توفي الرجال الثلاثة في خيمتهم في أواخر مارس 1912. تم العثور على جثثهم وسجلاتهم بعد ثمانية أشهر من قبل فريق بحث.
النتائج العلمية للبعثة
على الرغم من المأساة التي حلت بها، حققت بعثة تيرا نوفا إنجازات علمية كبيرة. جمع العلماء الذين رافقوا سكوت كمية كبيرة من البيانات والعينات في مختلف التخصصات، بما في ذلك الجيولوجيا وعلم الأحياء وعلم الأرصاد الجوية وعلم الفيزياء الأرضية. ساهمت هذه البيانات والعينات في فهم أفضل للقارة القطبية الجنوبية وتاريخها الطبيعي.
- الجيولوجيا: تم جمع عينات صخرية هامة ساهمت في فهم تكوين القارة القطبية الجنوبية.
- علم الأحياء: اكتشاف أنواع جديدة من الكائنات الحية وتوثيق الحياة البرية في القارة القطبية الجنوبية.
- الأرصاد الجوية: تسجيل بيانات مناخية هامة ساهمت في فهم أنماط الطقس في القارة القطبية الجنوبية.
- الفيزياء الأرضية: دراسة المجال المغناطيسي للأرض والظواهر الجيوفيزيائية الأخرى.
الإرث والتأثير
تركت بعثة تيرا نوفا إرثًا دائمًا في تاريخ الاستكشاف والعلوم. على الرغم من نهايتها المأساوية، إلا أنها ألهمت أجيالًا من المستكشفين والعلماء، وساهمت في فهم أفضل للقارة القطبية الجنوبية.
يُنظر إلى سكوت ورجاله على أنهم أبطال ضحوا بحياتهم من أجل العلم والاستكشاف. تظل قصتهم رمزًا للشجاعة والتصميم والمثابرة في مواجهة الشدائد.
خاتمة
كانت بعثة تيرا نوفا رحلة استكشافية بريطانية إلى القارة القطبية الجنوبية بقيادة روبرت فالكون سكوت. هدفت البعثة إلى الوصول إلى القطب الجنوبي وإجراء البحوث العلمية. على الرغم من تحقيق إنجازات علمية مهمة، إلا أن البعثة اشتهرت بشكل مأساوي بوفاة سكوت وفريقه أثناء عودتهم من القطب الجنوبي بعد أن سبقهم إليه روال Amundsen. تبقى قصة بعثة تيرا نوفا رمزًا للشجاعة والمثابرة، وإرثًا دائمًا في تاريخ الاستكشاف.