نشأتها وتعليمها
ولدت مارتا ميساروش في بودابست، المجر، في عام 1931. قضت جزءًا كبيرًا من طفولتها في الاتحاد السوفيتي حيث كان والدها يعمل نحاتًا. في عام 1936، خلال فترة حكم جوزيف ستالين، اختفى والداها وأصبحت يتيمة. عاشت مع أقارب في المجر حتى عام 1946 عندما سُمح لها بالعودة إلى الاتحاد السوفيتي. درست السينما في معهد عموم الاتحاد الحكومي للسينما في موسكو (VGIK)، وتخرجت عام 1956.
مسيرتها المهنية
بدأت ميساروش مسيرتها المهنية في صناعة الأفلام الوثائقية والأفلام القصيرة. عادت إلى المجر في أواخر الخمسينيات وعملت في استوديوهات الأخبار والأفلام الوثائقية. في هذه الفترة، أخرجت أكثر من 25 فيلمًا وثائقيًا وفيلمًا قصيرًا. تميزت أعمالها في هذه المرحلة المبكرة بالواقعية الاجتماعية والتركيز على قضايا العمال والمرأة.
في عام 1968، أخرجت أول فيلم روائي طويل لها بعنوان “Eltávozott nap” (يوم مضى). الفيلم، الذي يتناول قصة امرأة تبحث عن والدتها البيولوجية، لاقى استحسان النقاد واعتبر بداية لمسيرة سينمائية طويلة ومتميزة. فيلم “يوم مضى” وضع الأسس لأسلوب ميساروش السينمائي، الذي يتميز بالتركيز على القضايا الاجتماعية والشخصية، واستخدام تقنيات سردية مبتكرة.
حققت ميساروش شهرة دولية في السبعينيات بفضل أفلام مثل “Örökbefogadás” (التبني) عام 1975، الذي فاز بجائزة الدب الذهبي في مهرجان برلين السينمائي الدولي. يحكي الفيلم قصة امرأة وحيدة تقرر تبني طفلة، ويتناول قضايا الوحدة والعلاقات الإنسانية. يعتبر “التبني” من أهم أفلام الموجة الجديدة في السينما المجرية، وساهم في ترسيخ مكانة ميساروش كواحدة من أبرز المخرجات في أوروبا.
في الثمانينيات، واصلت ميساروش استكشاف موضوعات معقدة في أفلامها، مثل “Napló gyermekeimnek” (يوميات لأطفالي) عام 1984، وهو فيلم شبه سيرة ذاتية يتناول طفولتها الصعبة في الاتحاد السوفيتي وفقدان والديها. الفيلم هو الأول في ثلاثية “يوميات”، وتلاه “Napló szerelmeimnek” (يوميات حبي) عام 1987 و “Napló apámnak, anyámnak” (يوميات لأبي وأمي) عام 1990.
تعاملت ميساروش في أفلامها مع قضايا مختلفة مثل:
- المرأة: غالبًا ما تتمحور أفلامها حول شخصيات نسائية قوية تواجه تحديات اجتماعية وشخصية.
- العلاقات الإنسانية: تستكشف أفلامها العلاقات المعقدة بين الأفراد، مثل العلاقات العائلية والعلاقات بين الأجيال.
- التاريخ والذاكرة: تتناول أفلامها التاريخ المجري والأوروبي، وتسلط الضوء على تأثير الأحداث التاريخية على حياة الأفراد.
- السياسة: تنتقد أفلامها الأنظمة السياسية القمعية، وتدافع عن الحرية والعدالة الاجتماعية.
أفلامها البارزة
أخرجت مارتا ميساروش العديد من الأفلام الهامة خلال مسيرتها المهنية الطويلة، ومن بين أبرزها:
- Eltávozott nap (يوم مضى) (1968): فيلمها الروائي الطويل الأول، ويتناول قصة امرأة تبحث عن والدتها البيولوجية.
- Szép lányok, ne sírjatok! (أيتها الفتيات الجميلات، لا تبكين!) (1970): فيلم موسيقي كوميدي يتناول قصة مجموعة من الشباب يحاولون تحقيق أحلامهم.
- Örökbefogadás (التبني) (1975): فيلم حائز على جوائز يتناول قصة امرأة وحيدة تقرر تبني طفلة.
- Kilenc hónap (تسعة أشهر) (1976): فيلم يتناول قصة امرأة حامل عاملة في مصنع، وتواجه تحديات اجتماعية واقتصادية.
- Olyan, mint otthon (مثل المنزل) (1978): فيلم يتناول قصة شاب مجري يعود إلى المجر بعد سنوات من العيش في الغربة.
- Napló gyermekeimnek (يوميات لأطفالي) (1984): فيلم شبه سيرة ذاتية يتناول طفولة المخرجة في الاتحاد السوفيتي.
- Napló szerelmeimnek (يوميات حبي) (1987): الجزء الثاني من ثلاثية “يوميات”، ويتناول حياة المخرجة في فترة الشباب.
- Napló apámnak, anyámnak (يوميات لأبي وأمي) (1990): الجزء الثالث من ثلاثية “يوميات”، ويتناول قصة والدي المخرجة واختفائهما في الاتحاد السوفيتي.
- A magzat (الجنين) (1994): فيلم يتناول قصة امرأة حامل تقرر الإجهاض، وتواجه صراعًا داخليًا.
- A temetetlen halott (الميت غير المدفون) (2004): فيلم يتناول قصة رئيس الوزراء المجري إيمري ناجي وإعدامه في عام 1958.
أسلوبها السينمائي
تتميز أفلام مارتا ميساروش بأسلوب سينمائي فريد يجمع بين الواقعية والشعرية. تستخدم ميساروش تقنيات سردية مبتكرة، مثل استخدام اللقطات الطويلة، والتركيز على التفاصيل الصغيرة، والاعتماد على الأداء التمثيلي الطبيعي. تتميز أفلامها أيضًا بالتركيز على القضايا الاجتماعية والشخصية، واستكشاف العلاقات الإنسانية المعقدة. تستخدم ميساروش السينما كأداة للتعبير عن آرائها السياسية والاجتماعية، والدفاع عن حقوق المرأة والحرية والعدالة الاجتماعية.
تأثرت ميساروش بالواقعية الاشتراكية في السينما السوفيتية، لكنها طورت أسلوبًا خاصًا بها يجمع بين الواقعية والشعرية. كما تأثرت بالموجة الجديدة في السينما الفرنسية، واستخدمت تقنيات سردية مبتكرة في أفلامها.
حصلت ميساروش على العديد من الجوائز والتكريمات خلال مسيرتها المهنية، بما في ذلك جائزة الدب الذهبي في مهرجان برلين السينمائي الدولي عن فيلم “التبني” عام 1975، وجائزة الإنجاز مدى الحياة من مهرجان كارلوفي فاري السينمائي الدولي عام 2004.
تأثيرها وإرثها
تعتبر مارتا ميساروش واحدة من أهم المخرجات في تاريخ السينما المجرية والأوروبية. ساهمت أفلامها في تطوير السينما المجرية، وترسيخ مكانتها على الساحة الدولية. ألهمت ميساروش العديد من المخرجين والمخرجات حول العالم، وساهمت في تغيير الصورة النمطية للمرأة في السينما. تعتبر أفلامها وثائق هامة عن التاريخ المجري والأوروبي، وتعكس قضايا اجتماعية وسياسية هامة.
لا تزال أفلام ميساروش تحظى بشعبية كبيرة حتى اليوم، وتُعرض في المهرجانات السينمائية والمتاحف حول العالم. تعتبر أفلامها جزءًا من التراث الثقافي المجري والأوروبي، وتستحق المشاهدة والدراسة.
حياتها الشخصية
كانت مارتا ميساروش متزوجة من المخرج السينمائي ميكلوش يانشو، وأنجبا طفلًا واحدًا. انفصل الزوجان في وقت لاحق.
خاتمة
مارتا ميساروش مخرجة سينمائية مجرية رائدة، اشتهرت بأفلامها التي تتناول قضايا المرأة والعلاقات الإنسانية والتاريخ. بدأت مسيرتها المهنية في صناعة الأفلام الوثائقية قبل أن تنتقل إلى الأفلام الروائية الطويلة. فازت بجائزة الدب الذهبي في مهرجان برلين السينمائي الدولي عن فيلم “التبني” عام 1975. تعتبر ميساروش واحدة من أهم المخرجات في تاريخ السينما المجرية والأوروبية، وأثرت أعمالها في العديد من المخرجين والمخرجات حول العالم.