<![CDATA[
بداية القصة
في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، كان التبني غير الرسمي للأطفال شائعًا في بريطانيا. غالبًا ما كانت الأمهات العازبات أو الأسر الفقيرة تلجأ إلى ما يُعرف بـ “مزارع الأطفال” (Baby Farms) لرعاية أطفالهن مقابل مبلغ من المال. كانت هذه المزارع، في كثير من الأحيان، أماكن غير صحية وتعاني من الإهمال، مما أدى إلى ارتفاع معدلات وفيات الأطفال.
استغلت أميليا ساخ وآني والترز هذه الظروف القاسية لتحقيق مكاسب شخصية. بدأت المرأتان العمل معًا في فينشلي، حيث قامتا بالإعلان عن خدماتهما كراعيتين للأطفال. كانت ساخ، وهي امرأة قوية البنية، تتولى الجانب العملي من الأعمال، بينما كانت والترز، الأكثر أناقة، تتولى التعامل مع الأمهات المحتملات.
أساليب الإجرام
كانت ساخ ووالترز تستقبلان الأطفال في منزلهما مقابل مبلغ من المال، وغالبًا ما كان هذا المبلغ زهيدًا. بعد ذلك، كانتا تقومان بقتل الأطفال إما عن طريق إعطائهم جرعات زائدة من الأدوية المهدئة، مثل الأفيون أو الكلورال، أو عن طريق الخنق. كانتا تتخلصان من الجثث في أماكن مختلفة، مثل الأنهار أو الأراضي المهجورة.
كانت المرأتان حريصتين على إخفاء جرائمهما، لكنهما لم تتمكنا من تجنب الشبهات إلى الأبد. بدأت الشرطة في التحقيق في عدد الوفيات المرتفع للأطفال الذين كانوا تحت رعايتهما.
التحقيق والقبض
بدأ التحقيق في جرائم ساخ ووالترز في عام 1902، بعد العثور على جثة طفل رضيع بالقرب من منزلهما. أثارت ملابسات الوفاة شكوك الشرطة، وبدأت في جمع الأدلة ضدهما.
اكتشفت الشرطة أن ساخ ووالترز قد أعلنتا عن خدماتهما في الصحف، وأنهما تلقيتا مبالغ مالية لرعاية الأطفال. كما اكتشفت الشرطة أن عددًا كبيرًا من الأطفال الذين كانوا تحت رعايتهما قد ماتوا في ظروف غامضة.
تم القبض على ساخ ووالترز في نوفمبر 1902، ووجهت إليهما تهمة قتل طفل رضيع. خلال التحقيق، اعترفتا بأنهما قتلتا العديد من الأطفال الآخرين.
المحاكمة والإعدام
بدأت محاكمة ساخ ووالترز في يناير 1903. قدم الادعاء أدلة دامغة ضدهما، بما في ذلك شهادات من الأمهات اللاتي سلمن أطفالهن إليهما، وشهادات من الخبراء الطبيين الذين فحصوا جثث الأطفال.
حاولت ساخ ووالترز الدفاع عن نفسيهما، لكن محاولاتهما باءت بالفشل. أدينتا بتهمة القتل وحكم عليهما بالإعدام شنقًا.
تم إعدام أميليا ساخ وآني والترز في 3 فبراير 1903 في سجن هولواي. كانت قضيتهما بمثابة صدمة للجمهور البريطاني، وأدت إلى تغييرات في قوانين التبني ورعاية الأطفال.
تأثير القضية
كان لقضية أميليا ساخ وآني والترز تأثير كبير على المجتمع البريطاني. سلطت القضية الضوء على الظروف القاسية التي كان يعيش فيها الأطفال غير المرغوب فيهم، وأدت إلى المطالبة بإصلاحات في قوانين التبني ورعاية الأطفال.
نتيجة للقضية، تم تمرير قانون حماية الأطفال لعام 1908، والذي فرض رقابة أكثر صرامة على مزارع الأطفال ومنح السلطات صلاحيات أكبر لحماية الأطفال المعرضين للخطر.
كما ساهمت القضية في زيادة الوعي العام حول قضية قتل الأطفال، وشجعت على تقديم المزيد من الدعم للأمهات العازبات والأسر الفقيرة.
تفاصيل إضافية حول القضية
دوافع القتل: على الرغم من أن المكاسب المالية كانت الدافع الرئيسي وراء جرائم ساخ ووالترز، إلا أن هناك بعض التكهنات حول دوافع أخرى محتملة. يعتقد البعض أنهما كانتا تعانيان من مشاكل نفسية، أو أنهما كانتا تتصرفان بدافع الكراهية تجاه الأطفال غير الشرعيين. ومع ذلك، لا يوجد دليل قاطع يدعم أيًا من هذه النظريات.
عدد الضحايا: من الصعب تحديد العدد الدقيق للأطفال الذين قتلتهم ساخ ووالترز. خلال المحاكمة، اعترفتا بقتل العديد من الأطفال، لكن الشرطة تعتقد أن العدد الحقيقي قد يكون أعلى بكثير. يقدر البعض أن المرأتين قد تكونان مسؤولتين عن وفاة ما يصل إلى 20 طفلاً.
تغطية إعلامية: حظيت قضية ساخ ووالترز بتغطية إعلامية واسعة النطاق في الصحف البريطانية. كانت القضية موضوعًا للعديد من الكتب والأفلام الوثائقية، ولا تزال تثير الاهتمام حتى اليوم.
دروس مستفادة
تعتبر قضية أميليا ساخ وآني والترز تذكيرًا مأساويًا بأهمية حماية الأطفال المعرضين للخطر. تسلط القضية الضوء على الحاجة إلى قوانين قوية لحماية الأطفال، وإلى خدمات دعم كافية للأمهات العازبات والأسر الفقيرة.
كما تذكرنا القضية بأهمية عدم استغلال الفئات الضعيفة في المجتمع لتحقيق مكاسب شخصية. يجب أن نتذكر دائمًا أن كل حياة لها قيمة، وأنه يجب علينا أن نفعل كل ما في وسعنا لحماية الأطفال من الأذى.
تحليل نفسي لشخصية القاتلتين
محاولة فهم دوافع وأفعال أميليا ساخ وآني والترز تتطلب الخوض في تحليل نفسي لشخصيتيهما، مع الأخذ في الاعتبار الظروف الاجتماعية والاقتصادية السائدة في تلك الفترة. رغم عدم وجود تقييمات نفسية حديثة لهما، يمكننا استخلاص بعض الاستنتاجات بناءً على الأدلة المتاحة من المحاكمات والسجلات التاريخية:
- أميليا ساخ: يُنظر إليها على أنها العقل المدبر والمنفذ الرئيسي للجرائم. قوتها البدنية ومهاراتها العملية جعلتها قادرة على تنفيذ عمليات القتل والتخلص من الجثث. قد تشير شخصيتها إلى سمات السيكوباتية، مثل عدم التعاطف مع الضحايا، والتلاعب بالآخرين لتحقيق أهدافها. ربما كانت تعاني من اضطراب في الشخصية المعادية للمجتمع، مما يجعلها غير قادرة على الشعور بالندم أو الذنب.
- آني والترز: يبدو أنها كانت تلعب دورًا ثانويًا في الجرائم، لكنها كانت ضرورية لجذب الأمهات المحتملات بفضل مظهرها الأنيق وقدرتها على الإقناع. قد تكون شخصيتها أقرب إلى الشخصية النرجسية، حيث تهتم بمظهرها الخارجي ورضاها الشخصي أكثر من اهتمامها بمصير الأطفال. ربما كانت تعتمد على ساخ في تنفيذ الجرائم، وتبرر أفعالها لنفسها من خلال إقناع نفسها بأنها تقدم خدمة للأمهات اللاتي لا يرغبن في رعاية أطفالهن.
العوامل الاجتماعية والاقتصادية: من المهم أيضًا النظر إلى الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي أدت إلى ظهور مثل هذه الجرائم. الفقر المدقع، وعدم وجود شبكات دعم للأمهات العازبات، والوصمة الاجتماعية المرتبطة بالأطفال غير الشرعيين، كلها عوامل ساهمت في خلق بيئة تشجع على استغلال الأطفال والتخلص منهم. ربما كانت ساخ ووالترز تعتقدان أنهما تفعلان شيئًا مقبولًا في ذلك الوقت، أو أنهما لا يملكن خيارًا آخر بسبب الظروف القاسية التي يعيشن فيها.
تأثير القضية على التشريعات المتعلقة بالتبني
كانت قضية ساخ ووالترز بمثابة نقطة تحول في تاريخ رعاية الأطفال في بريطانيا. قبل هذه القضية، كانت قوانين التبني غير رسمية وغير منظمة، مما سمح باستغلال الأطفال وإيذائهم. بعد القضية، بدأت الحكومة البريطانية في إدراك الحاجة إلى إصلاح شامل لنظام رعاية الأطفال.
قانون حماية الأطفال لعام 1908: كان هذا القانون أول تشريع رئيسي يهدف إلى حماية الأطفال المعرضين للخطر. فرض القانون رقابة أكثر صرامة على مزارع الأطفال، ومنح السلطات صلاحيات أكبر للتفتيش على هذه المزارع وإزالة الأطفال الذين يعانون من سوء المعاملة. كما ألزم القانون الآباء والأمهات بتوفير الرعاية المناسبة لأطفالهم، وجعل الإهمال جريمة جنائية.
قوانين التبني اللاحقة: بعد قانون حماية الأطفال لعام 1908، تم تمرير سلسلة من القوانين الأخرى التي تهدف إلى تنظيم التبني وحماية حقوق الأطفال المتبنين. تضمنت هذه القوانين شروطًا صارمة للموافقة على التبني، وحماية سرية معلومات الأطفال المتبنين، ومنح الأطفال المتبنين نفس الحقوق التي يتمتع بها الأطفال البيولوجيون.
الرقابة المستمرة: حتى اليوم، تخضع ممارسات التبني في بريطانيا لرقابة صارمة من قبل الحكومة والمنظمات غير الحكومية. يتم فحص جميع الأسر التي ترغب في تبني الأطفال بعناية للتأكد من أنها قادرة على توفير بيئة آمنة ورعاية للأطفال. كما يتم توفير الدعم والمشورة للأطفال المتبنين وعائلاتهم طوال حياتهم.
خاتمة
تبقى قصة أميليا ساخ وآني والترز فصلاً مظلماً في تاريخ بريطانيا، تذكرنا بالظروف القاسية التي كان يعيش فيها الأطفال غير المرغوب فيهم في الماضي، وأهمية حماية حقوقهم. لقد ساهمت هذه القضية المأساوية في إحداث تغييرات جوهرية في قوانين التبني ورعاية الأطفال، مما أدى إلى تحسين حياة العديد من الأطفال المعرضين للخطر.