مقدمة
ثيودورا إميلي كولبورن (بالإنجليزية: Theodora Emily Colborn) (اسمها قبل الزواج: ديكر؛ 28 مارس 1927 – 14 ديسمبر 2014) كانت مؤسسة ورئيسة فخرية لمنظمة “معطلات الغدد الصماء” (The Endocrine Disruption Exchange – TEDX)، وهي منظمة غير ربحية مكرسة للبحث والتوعية حول الآثار الصحية للمواد الكيميائية التي تعطل الغدد الصماء. اشتهرت كولبورن بأبحاثها الرائدة حول تأثير المواد الكيميائية الاصطناعية على النمو العصبي والجهاز التناسلي لدى البشر والحياة البرية. ساهمت بشكل كبير في فهم كيفية تأثير التعرض للمواد الكيميائية في البيئة على صحة الإنسان والبيئة.
الحياة المبكرة والتعليم
ولدت ثيو كولبورن في بلدة بنينغتون، في ولاية فيرمونت الأمريكية. حصلت على درجة البكالوريوس في علم الصيدلة من جامعة روتجرز عام 1947. بعد ذلك، عملت كصيدلانية لمدة 27 عامًا، قبل أن تعود إلى الأوساط الأكاديمية في منتصف العمر. في عام 1985، حصلت على درجة الماجستير في علم المياه من جامعة وسترن ستيت كولورادو، ثم حصلت على درجة الدكتوراه في علم الحيوان مع تخصص ثانوي في علم السموم من جامعة ويسكونسن-ماديسون في عام 1992، عن عمر يناهز 65 عامًا. هذا التحول الوظيفي اللافت يعكس شغفها المتزايد بحماية البيئة وصحة الإنسان.
العمل في مجال علم السموم البيئية
بدأت كولبورن مسيرتها المهنية في مجال علم السموم البيئية في أواخر الثمانينيات، عندما شاركت في دراسة حول صحة البحيرات العظمى في أمريكا الشمالية. لاحظت وجود تشوهات تناسلية وتنموية في الحياة البرية التي تعيش في هذه المنطقة، وقادتها هذه الملاحظات إلى البحث عن الأسباب الكامنة وراء هذه المشكلات.
أدركت كولبورن أن المواد الكيميائية الاصطناعية الموجودة في البيئة يمكن أن تتداخل مع عمل الهرمونات في الجسم، مما يؤدي إلى مجموعة واسعة من المشكلات الصحية. أطلقت على هذه المواد اسم “معطلات الغدد الصماء” (Endocrine Disruptors)، وأصبحت من أبرز المدافعين عن فهم أفضل لهذه المواد وتأثيراتها المحتملة.
قامت كولبورن بتأليف العديد من المقالات العلمية والكتب حول معطلات الغدد الصماء، بما في ذلك كتاب “مستقبل مسروق” (Our Stolen Future) الذي نشر عام 1996، بالاشتراك مع ديان دومينوسكي وجون بيترسون مايرز. حقق هذا الكتاب نجاحًا كبيرًا وساهم في زيادة الوعي العام حول مخاطر معطلات الغدد الصماء.
“مستقبل مسروق” (Our Stolen Future)
يعتبر كتاب “مستقبل مسروق” علامة فارقة في مجال علم السموم البيئية. يقدم الكتاب أدلة مقنعة على أن التعرض للمواد الكيميائية الاصطناعية يمكن أن يؤدي إلى مجموعة واسعة من المشكلات الصحية، بما في ذلك:
- مشاكل في النمو العصبي
- تشوهات الجهاز التناسلي
- ضعف الجهاز المناعي
- زيادة خطر الإصابة بالسرطان
يؤكد الكتاب على أن هذه المشاكل لا تقتصر على الحياة البرية، بل يمكن أن تؤثر أيضًا على البشر، وخاصة الأطفال والأجنة الذين هم أكثر عرضة لتأثيرات المواد الكيميائية.
يقدم الكتاب أمثلة عديدة على كيفية تأثير معطلات الغدد الصماء على الحياة البرية، مثل:
- انخفاض عدد طيور النورس في البحيرات العظمى بسبب تعرضها لمادة ثنائي الفينيل متعدد الكلور (PCBs)
- تطور أعضاء تناسلية أنثوية لدى ذكور التماسيح في بحيرة أفوبكا في فلوريدا بسبب التعرض لمبيدات الآفات
- انخفاض عدد الفقمات في بحر البلطيق بسبب التعرض لمادة ثنائي الفينيل متعدد الكلور (PCBs)
كما يقدم الكتاب أدلة على أن التعرض لمعطلات الغدد الصماء يمكن أن يؤثر على صحة الإنسان، مثل:
- زيادة معدلات الإصابة بسرطان الثدي وسرطان البروستاتا
- انخفاض جودة الحيوانات المنوية لدى الرجال
- زيادة معدلات العيوب الخلقية
- اضطرابات النمو العصبي مثل التوحد واضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط (ADHD)
يدعو الكتاب إلى اتخاذ إجراءات فورية للحد من التعرض لمعطلات الغدد الصماء وحماية صحة الإنسان والبيئة.
منظمة “معطلات الغدد الصماء” (TEDX)
أسست كولبورن منظمة “معطلات الغدد الصماء” (TEDX) في عام 2003، وهي منظمة غير ربحية مكرسة للبحث والتوعية حول الآثار الصحية للمواد الكيميائية التي تعطل الغدد الصماء. تهدف المنظمة إلى توفير معلومات علمية موثوقة حول معطلات الغدد الصماء للجمهور وصناع السياسات والعلماء.
تقوم TEDX بتجميع وتحليل البيانات العلمية حول معطلات الغدد الصماء وتأثيراتها الصحية، وتنشر هذه المعلومات على موقعها الإلكتروني وفي منشورات أخرى. كما تنظم TEDX مؤتمرات وورش عمل لتبادل المعرفة وتعزيز التعاون بين العلماء والباحثين في هذا المجال.
تعتبر TEDX مصدرًا قيمًا للمعلومات حول معطلات الغدد الصماء، وقد ساهمت بشكل كبير في زيادة الوعي العام حول هذه المواد وتأثيراتها المحتملة.
جوائز وتكريمات
حصلت كولبورن على العديد من الجوائز والتكريمات تقديرًا لعملها الرائد في مجال علم السموم البيئية، بما في ذلك:
- جائزة بطل الأرض من برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) عام 1997
- جائزة مؤسسة هاينز البيئية عام 1999
- جائزة شجرة الحياة من الاتحاد الوطني للحياة البرية عام 2003
- جائزة التميز العلمي من الجمعية الدولية لعلم الغدد الصماء عام 2006
إرثها
تركت ثيو كولبورن إرثًا دائمًا في مجال علم السموم البيئية. ساهمت بشكل كبير في فهم كيفية تأثير المواد الكيميائية الاصطناعية على صحة الإنسان والبيئة، وألهمت العديد من العلماء والباحثين للعمل في هذا المجال. ستبقى أبحاثها وكتاباتها مرجعًا هامًا للباحثين وصناع السياسات والجمهور المهتمين بحماية صحة الإنسان والبيئة.
انتقادات
على الرغم من تأثيرها الكبير، لم تخلُ مسيرة ثيو كولبورن من الانتقادات. بعض العلماء والشركات العاملة في صناعة الكيماويات شككوا في صحة أبحاثها وحذروا من المبالغة في تقدير مخاطر معطلات الغدد الصماء. زعموا أن بعض الدراسات التي استندت إليها كانت ضعيفة المنهجية أو أنها لم تقدم أدلة قاطعة على وجود علاقة سببية بين التعرض للمواد الكيميائية والمشاكل الصحية. ومع ذلك، فإن غالبية المجتمع العلمي يعتبر عمل كولبورن رائدًا وذا قيمة كبيرة، وقد ساهم في تحفيز المزيد من الأبحاث حول معطلات الغدد الصماء.
خاتمة
كانت ثيو كولبورن عالمة وباحثة رائدة في مجال علم السموم البيئية، وقد كرست حياتها لفهم تأثير المواد الكيميائية الاصطناعية على صحة الإنسان والبيئة. من خلال أبحاثها وكتاباتها وعملها مع منظمة “معطلات الغدد الصماء”، ساهمت بشكل كبير في زيادة الوعي العام حول مخاطر معطلات الغدد الصماء وألهمت العديد من العلماء والباحثين للعمل في هذا المجال. على الرغم من بعض الانتقادات، يبقى إرثها دائمًا ومؤثرًا في مجال حماية الصحة العامة والبيئة.