نشأته وتعليمه
ولد محمد صادق الروحاني في مدينة قم المقدسة بإيران. بدأ تعليمه الديني في سن مبكرة، حيث تلقى دروسًا في العلوم الإسلامية على يد أبرز علماء الحوزة العلمية في قم. برزت موهبته وذكائه منذ الصغر، مما أهله لتجاوز مراحل الدراسة بسرعة. تتلمذ على يد عدد من أبرز العلماء، منهم السيد محمد رضا الكلبايكاني والسيد حسين البروجردي، اللذين كان لهما تأثير كبير على تكوينه العلمي والفكري.
درس الروحاني الفقه والأصول والفلسفة والمنطق، وحصل على درجة الاجتهاد في سن مبكرة نسبيًا. تميز بأسلوبه الخاص في التدريس والبحث، والذي جمع بين العمق الفكري والوضوح في التعبير. ساهم في إثراء المكتبة الإسلامية بالعديد من المؤلفات القيمة في مختلف المجالات، مما جعله من أبرز المفكرين الشيعة في عصره.
مكانته العلمية
ارتقى الروحاني في سلم الحوزة العلمية حتى وصل إلى مرتبة المرجعية الدينية. كان مرجعًا لآلاف الشيعة في إيران والعالم، حيث كان الناس يرجعون إليه في أمورهم الدينية والشرعية. تميزت فتاواه بالدقة والاعتدال، وحظيت باحترام وتقدير واسع النطاق. كان يتمتع بعلاقات جيدة مع علماء الدين الآخرين، وكان يسعى دائمًا إلى تعزيز الوحدة والتقارب بين المسلمين.
اشتهر الروحاني بعلمه الغزير في الفقه والأصول، وله مؤلفات عديدة في هذه المجالات. كان يولي اهتمامًا كبيرًا بقضايا المجتمع، وكان يسعى دائمًا إلى توجيه الناس نحو الأفضل. كان يرى أن على العلماء مسؤولية كبيرة في توعية الناس وتثقيفهم، وكان يحرص على المشاركة في مختلف الفعاليات والأنشطة الدينية والاجتماعية.
مواقفه السياسية
اتخذ الروحاني مواقف سياسية واضحة، خاصة فيما يتعلق بالقضايا المتعلقة بإيران والعالم الإسلامي. كان من المؤيدين البارزين للثورة الإسلامية في إيران، لكنه في الوقت نفسه كان ينتقد بعض السياسات التي اتخذتها الحكومة. كان يرى أن على الدولة أن تحترم حقوق الإنسان والحريات الأساسية، وأن تعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية.
دعم الروحاني القضية الفلسطينية، وكان يدعو إلى الوحدة بين المسلمين لمواجهة التحديات التي تواجه الأمة الإسلامية. كان يؤمن بأهمية الحوار والتفاهم بين الأديان، وكان يسعى إلى تعزيز السلام والوئام في العالم. تعرض لمضايقات من قبل بعض الجماعات المتطرفة بسبب مواقفه المعتدلة والمتوازنة.
مؤلفاته وإسهاماته الفكرية
ترك الروحاني إرثًا علميًا وفكريًا غنيًا. ألّف العديد من الكتب والمقالات في مختلف المجالات الإسلامية، بما في ذلك الفقه والأصول والتفسير والفلسفة. كان لآرائه تأثير كبير على تطور الفكر الشيعي في العصر الحديث.
من أبرز مؤلفاته:
- فقه الصادق: موسوعة فقهية شاملة.
- المنتخب في الأحكام الشرعية: كتاب يجمع بين الفقه والأصول.
- المعجم الفقهي: قاموس للمصطلحات الفقهية.
- رسالة في تحقيق القضاء والقدر: دراسة فلسفية حول مسألة القضاء والقدر.
- مباحث الأصول: سلسلة محاضرات في علم الأصول.
ساهمت مؤلفات الروحاني في إثراء المكتبة الإسلامية، وكانت بمثابة مرجع للباحثين والطلاب والمهتمين بالعلوم الإسلامية. تميزت كتاباته بالعمق والشمولية، والقدرة على معالجة القضايا المعقدة بأسلوب سهل وميسر.
وفاته
توفي آية الله العظمى السيد محمد صادق الروحاني في مدينة قم في 16 ديسمبر 2022، عن عمر يناهز 96 عامًا. أقيمت له جنازة مهيبة شارك فيها الآلاف من محبيه ومريديه، ودفن في مدينة قم. شكل رحيله خسارة كبيرة للعالم الإسلامي، وترك فراغًا في الساحة العلمية والفكرية.
صفاته وأخلاقه
تميز الروحاني بالعديد من الصفات الحميدة، منها التواضع، والزهد، والورع، والإخلاص. كان يتمتع بشخصية محبوبة وودودة، وكان يتعامل مع الناس بلطف واحترام. كان يحرص على مساعدة المحتاجين والفقراء، وكان يقدم الدعم المادي والمعنوي للمؤسسات الخيرية.
كان الروحاني مثالًا للعالم العامل، الذي يجمع بين العلم والعمل. كان يرى أن على العلماء أن يكونوا قدوة حسنة للناس، وأن يلتزموا بالقيم والأخلاق الإسلامية. ترك إرثًا طيبًا، وسيرة عطرة، ستظل محفورة في ذاكرة محبيه ومريديه.
تأثيره وإرثه
ترك الروحاني بصمة واضحة في الفكر الشيعي الحديث. أثرت آراؤه ومؤلفاته في العديد من العلماء والباحثين. استمرت مسيرته العلمية والروحية في إلهام الكثيرين. يعتبر من الشخصيات البارزة التي ساهمت في تطوير الحوزة العلمية في قم.
ساهمت مؤلفاته في نشر الوعي والثقافة الإسلامية في مختلف أنحاء العالم. يعتبر نموذجًا للعالم الذي يجمع بين العلم والعمل، والذي يكرس حياته لخدمة الإسلام والمسلمين. ترك وراءه إرثًا غنيًا من العلم والمعرفة، سيظل مصدر إلهام للأجيال القادمة.
خاتمة
كان آية الله العظمى السيد محمد صادق الروحاني عالمًا ومفكرًا إسلاميًا بارزًا، ترك بصمة واضحة في الفكر الشيعي الحديث. تميز بعلمه الغزير، ومواقفه السياسية المعتدلة، ومؤلفاته القيمة. لعب دورًا هامًا في تطوير الحوزة العلمية، وساهم في نشر الوعي والثقافة الإسلامية. رحيله شكل خسارة كبيرة للعالم الإسلامي، لكن إرثه العلمي والفكري سيظل حيًا يتناقله الأجيال.
المراجع
“`