مقدمة
ألفرد راسل والاس (بالإنجليزية: Alfred Russel Wallace) (8 يناير 1823 – 7 نوفمبر 1913) كان عالم طبيعة ومستكشفًا وجغرافيًا وعالم أنثروبولوجيا وعالم أحياء إنجليزي. اشتهر بشكل مستقل عن تشارلز داروين باقتراح نظرية الانتقاء الطبيعي في التطور البيولوجي، وحفز داروين على نشر نظريته الخاصة. يعتبر والاس أحد أبرز مفكري القرن التاسع عشر، وقد قدم مساهمات كبيرة في مجالات علم الحيوان الجغرافي وعلم الأحياء التطوري والروحانية.
حياته المبكرة وتعليمه
ولد ألفرد راسل والاس في أوسك، مونماوثشاير، ويلز، في 8 يناير 1823، وهو الثالث من بين تسعة أطفال لتوماس فير والاس وماري آن غرينيل. عانت عائلته من صعوبات مالية، مما أثر على تعليمه. ترك المدرسة في سن الرابعة عشرة وعمل في وظائف مختلفة، بما في ذلك العمل كمساح مع أخيه الأكبر ويليام. خلال هذه الفترة، اكتسب والاس اهتمامًا بالطبيعة والتاريخ الطبيعي من خلال قراءة الكتب وجمع النباتات والحشرات.
في عام 1844، أصبح والاس مدرسًا في مدرسة في ليستر، حيث التقى بعالم الحشرات هنري والتر بيتس. ألهم بيتس والاس لجمع الحشرات وبدأ معه رحلة استكشافية إلى غابة الأمازون المطيرة في عام 1848.
رحلة الأمازون
أمضى والاس وبيتس أربع سنوات في استكشاف حوض الأمازون، وجمعا الآلاف من العينات النباتية والحيوانية. درس والاس توزيع الأنواع في المنطقة ولاحظ أن الأنواع ذات الصلة الوثيقة غالبًا ما توجد في مناطق قريبة من بعضها البعض. بدأت هذه الملاحظات في التأثير على تفكيره حول تطور الأنواع.
لسوء الحظ، انتهت رحلة الأمازون بشكل مأساوي. في عام 1852، عاد والاس إلى إنجلترا على متن سفينة اشتعلت فيها النيران وغرقت. فقد والاس معظم عيناته وملاحظاته القيمة، لكنه تمكن من إنقاذ بعض الملاحظات التي استخدمها لاحقًا لكتابة كتابه “رحلات على نهري الأمازون وريو نيجرو” (Travels on the Amazon and Rio Negro).
رحلة الأرخبيل الماليزي
في عام 1854، انطلق والاس في رحلة استكشافية أخرى، هذه المرة إلى الأرخبيل الماليزي (إندونيسيا وماليزيا وغينيا الجديدة). أمضى والاس ثماني سنوات في استكشاف الجزر وجمع العينات ودراسة التاريخ الطبيعي للمنطقة. خلال هذه الفترة، جمع أكثر من 125000 عينة، بما في ذلك الآلاف من الأنواع الجديدة.
في الأرخبيل الماليزي، لاحظ والاس وجود خط وهمي يفصل بين المناطق ذات الأنواع الآسيوية والأسترالية المميزة. عُرف هذا الخط لاحقًا باسم “خط والاس” (Wallace Line)، وهو يمثل حاجزًا بيوجغرافيًا هامًا.
تطوير نظرية الانتقاء الطبيعي
أثناء وجوده في الأرخبيل الماليزي، توصل والاس بشكل مستقل إلى نظرية الانتقاء الطبيعي في التطور البيولوجي. استلهم والاس من كتاب توماس مالتوس “مقال حول مبدأ السكان” (An Essay on the Principle of Population)، الذي ناقش كيف يتنافس السكان على الموارد المحدودة.
أدرك والاس أن الأنواع ذات السمات المفيدة من المرجح أن تنجو وتتكاثر، وتنقل هذه السمات إلى ذريتها. بمرور الوقت، يمكن أن يؤدي هذا إلى تغييرات تدريجية في الأنواع، مما يؤدي إلى تطور أنواع جديدة. كتب والاس مقالًا يصف نظريته وأرسله إلى تشارلز داروين في عام 1858.
دور داروين وتقديم النظرية
صُدم داروين عندما تلقى مقال والاس، حيث كان داروين يعمل على نظريته الخاصة حول الانتقاء الطبيعي لأكثر من 20 عامًا، لكنه لم ينشرها بعد. بناءً على اقتراح من تشارلز لايل وجوزيف دالتون هوكر، تم تقديم مقال والاس جنبًا إلى جنب مع مقتطفات من كتابات داروين في اجتماع لجمعية لينيان في لندن في عام 1858. أدى هذا العرض التقديمي المشترك إلى إطلاق نظرية الانتقاء الطبيعي إلى العالم.
في عام 1859، نشر داروين كتابه “أصل الأنواع” (On the Origin of Species)، الذي قدم فيه شرحًا تفصيليًا لنظرية الانتقاء الطبيعي. تلقى الكتاب استحسانًا واسعًا وأحدث ثورة في علم الأحياء. بينما كان داروين يُنسب إليه الفضل بشكل عام في تطوير نظرية الانتقاء الطبيعي، فقد لعب والاس دورًا حاسمًا في اكتشافها وتقديمها.
مساهمات أخرى
بالإضافة إلى نظرية الانتقاء الطبيعي، قدم والاس مساهمات كبيرة في مجالات أخرى من العلوم، بما في ذلك علم الحيوان الجغرافي وعلم الأحياء التطوري والروحانية. كان والاس مدافعًا قويًا عن الحفاظ على البيئة وحماية الأنواع المهددة بالانقراض.
- علم الحيوان الجغرافي: درس والاس توزيع الحيوانات في جميع أنحاء العالم وقدم مساهمات كبيرة في فهمنا للأنماط البيوجغرافية.
- علم الأحياء التطوري: استمر والاس في البحث عن التطور بعد نشر “أصل الأنواع” وكتب العديد من الكتب والمقالات حول هذا الموضوع.
- الروحانية: أصبح والاس مهتمًا بالروحانية في سبعينيات القرن التاسع عشر وكتب على نطاق واسع عن هذا الموضوع.
الإرث والتأثير
ترك ألفرد راسل والاس إرثًا دائمًا كواحد من أعظم العلماء في التاريخ. ساهمت أفكاره في فهمنا للتطور البيولوجي والتنوع البيولوجي والحفاظ على البيئة. تم تسمية العديد من الأنواع والمواقع الجغرافية تكريما له، بما في ذلك:
- والاسيا (Wallacea): منطقة بيوجغرافية تشمل الجزر الإندونيسية بين آسيا وأستراليا.
- خط والاس (Wallace Line): خط وهمي يفصل بين المناطق ذات الأنواع الآسيوية والأسترالية المميزة.
- العديد من الأنواع النباتية والحيوانية.
تستمر أعمال والاس في إلهام العلماء وعشاق الطبيعة اليوم.
الاعتراف والجوائز
على الرغم من أن داروين حظي بالاهتمام الأكبر لنظرية التطور، إلا أن مساهمات والاس حظيت بالتقدير في حياته وبعدها. حصل على العديد من الجوائز والأوسمة، بما في ذلك:
- ميدالية داروين-والاس من جمعية لينيان في لندن (1908).
- ميدالية كوبلي من الجمعية الملكية (1908).
- وسام الاستحقاق (1908).
كما تم انتخابه زميلًا في الجمعية الملكية.
حياته الشخصية
تزوج والاس من آني ميتن عام 1866 وأنجبا ثلاثة أطفال: هربرت وروث وويليام. كان والاس شخصية مستقلة ومثيرة للاهتمام، معروفًا بآرائه التقدمية حول مجموعة متنوعة من القضايا الاجتماعية والسياسية.
عانى والاس من صعوبات مالية طوال حياته، على الرغم من شهرته وإنجازاته العلمية. غالبًا ما كان يعتمد على الدعم المالي من الأصدقاء والمنظمات العلمية.
سنواته الأخيرة ووفاته
استمر والاس في الكتابة والبحث حتى سنواته الأخيرة. توفي في 7 نوفمبر 1913، عن عمر يناهز 90 عامًا. تم دفنه في مقبرة برودهيرست في دورست، إنجلترا.
خاتمة
كان ألفرد راسل والاس عالمًا استثنائيًا ومستكشفًا ترك بصمة لا تُمحى على العلوم. من خلال عمله الرائد في علم الأحياء التطوري وعلم الحيوان الجغرافي، قدم مساهمات كبيرة في فهمنا للعالم الطبيعي. على الرغم من أنه غالبًا ما يتم تذكره في ظل تشارلز داروين، إلا أن اكتشاف والاس المستقل للانتقاء الطبيعي ودفاعه عن الحفاظ على البيئة يضمنان مكانته كشخصية بارزة في تاريخ العلوم.