مقدمة
كانت البعثة النرويجية البريطانية السويدية للقارة القطبية الجنوبية (المعروفة أيضًا باسم NBSX أو NBSAE) (1949-1952) أول بعثة متعددة الجنسيات للقارة القطبية الجنوبية. هدفت إلى دراسة جيولوجيا وجغرافيا وطقس المنطقة المعروفة باسم أرض الملكة مود. يُنظر إلى هذه البعثة على نطاق واسع على أنها نموذج للتعاون العلمي الدولي في القارة القطبية الجنوبية، وساهمت بشكل كبير في فهمنا لهذه المنطقة النائية.
خلفية تاريخية
في أعقاب الحرب العالمية الثانية، تجدد الاهتمام بالقارة القطبية الجنوبية لأسباب مختلفة، بما في ذلك إمكانات الموارد والتطورات التكنولوجية التي جعلت الاستكشاف العلمي أكثر جدوى. كانت النرويج وبريطانيا العظمى والسويد من بين الدول التي لديها تاريخ طويل من الاستكشاف القطبي، وقرروا تجميع مواردهم وخبراتهم لإجراء دراسة شاملة لأرض الملكة مود.
أهداف البعثة
كانت الأهداف الرئيسية للبعثة النرويجية البريطانية السويدية للقارة القطبية الجنوبية متعددة الأوجه:
- المسح الجيولوجي والجغرافي: كان الهدف هو رسم خريطة المنطقة وتحديد تكوينها الجيولوجي.
- دراسات الأرصاد الجوية: جمع البيانات حول أنماط الطقس والمناخ في القارة القطبية الجنوبية.
- الأبحاث الجليدية: دراسة الأنهار الجليدية والصفائح الجليدية لفهم ديناميكياتها وتأثيرها على مستويات سطح البحر.
- الدراسات البيولوجية: توثيق الحياة النباتية والحيوانية في المنطقة.
بالإضافة إلى ذلك، كان للبعثة هدف ثانوي يتمثل في إظهار جدوى التعاون العلمي الدولي في بيئة قاسية وبعيدة.
تنظيم وتمويل البعثة
كانت البعثة جهدًا تعاونيًا حقيقيًا، حيث ساهمت كل دولة من الدول الثلاثة بموارد وخبرات. قدمت النرويج السفينة الرئيسية، وهي سفينة صيد الحيتان المُعدلة Norsel. قدمت بريطانيا العظمى الدعم اللوجستي والعلماء، في حين قدمت السويد علماء متخصصين في الجيولوجيا والأرصاد الجوية. تم تمويل البعثة من خلال مزيج من الأموال الحكومية والتبرعات الخاصة.
أفراد البعثة
تألفت البعثة من فريق متعدد التخصصات يضم علماء وجيولوجيين وخبراء أرصاد جوية ومساحين وبحارة. كان القائد العام للبعثة هو الكابتن جون جيل، وهو بحار نرويجي متمرس. كان كبير العلماء عالم الجيولوجيا السويدي البروفيسور هارالد ويغارد.
شمل بعض الأعضاء البارزين الآخرين:
- الدكتور فالديمار شوسكي: عالم الأرصاد الجوية النرويجي.
- ديفيد دالتون: عالم جيولوجيا بريطاني.
- بيتر مالي: مساح بريطاني.
عمل هؤلاء الأفراد وغيرهم الكثير بتفانٍ في ظروف صعبة، مما ساهم بشكل كبير في نجاح البعثة.
رحلة البعثة
غادرت Norsel من أوسلو في نوفمبر 1949 ووصلت إلى أرض الملكة مود في يناير 1950. أقامت البعثة قاعدة رئيسية في موقع يُدعى “مودهايم”. من هناك، قاموا برحلات استكشافية واسعة النطاق باستخدام الزلاجات التي تجرها الكلاب والطائرات. غطت البعثة منطقة كبيرة من أرض الملكة مود، ورسمت خرائط لتضاريس جديدة، وجمعت عينات علمية قيمة.
الاكتشافات والإنجازات الرئيسية
حققت البعثة النرويجية البريطانية السويدية للقارة القطبية الجنوبية العديد من الاكتشافات والإنجازات الهامة:
- رسم خرائط لأراضٍ جديدة: رسمت البعثة خرائط لمناطق واسعة من أرض الملكة مود لم تكن معروفة من قبل.
- اكتشاف جبال: اكتشاف سلسلة جبال جديدة أطلق عليها اسم جبال كيروان.
- الدراسات الجيولوجية: قدمت رؤى قيمة حول التكوين الجيولوجي لأرض الملكة مود.
- بيانات الأرصاد الجوية: جمعت بيانات أرصاد جوية مهمة ساهمت في فهم أنماط المناخ في القارة القطبية الجنوبية.
- الدراسات الجليدية: درست الأنهار الجليدية والصفائح الجليدية، وقدمت معلومات قيمة حول ديناميكياتها.
كانت هذه الاكتشافات حاسمة لفهم القارة القطبية الجنوبية وتأثيرها على نظام الأرض.
التحديات والصعوبات
واجهت البعثة النرويجية البريطانية السويدية للقارة القطبية الجنوبية العديد من التحديات والصعوبات:
- الظروف الجوية القاسية: عانى أفراد البعثة من درجات حرارة متجمدة ورياح قوية وعواصف ثلجية.
- التضاريس الوعرة: كان عليهم التنقل عبر التضاريس الجليدية الوعرة.
- العزلة: كانت البعثة معزولة عن العالم الخارجي لفترات طويلة.
- المخاطر: واجه أفراد البعثة خطر الشقوق الجليدية والحيوانات البرية.
على الرغم من هذه التحديات، تغلب أفراد البعثة عليها من خلال التخطيط الدقيق والعمل الجماعي والتصميم.
الإرث والتأثير
كان للبعثة النرويجية البريطانية السويدية للقارة القطبية الجنوبية تأثير دائم على استكشاف القارة القطبية الجنوبية والبحث العلمي. فقد أرست نموذجًا للتعاون العلمي الدولي في المنطقة، والذي استمر منذ ذلك الحين. ساهمت اكتشافات البعثة وبياناتها بشكل كبير في فهمنا للقارة القطبية الجنوبية وتأثيرها على نظام الأرض.
بالإضافة إلى ذلك، ساعدت البعثة في تمهيد الطريق لمزيد من البعثات والاستكشافات في القارة القطبية الجنوبية. كانت بمثابة شهادة على قوة التعاون الدولي في تحقيق الأهداف العلمية في البيئات الصعبة.
أهمية التعاون الدولي
أظهرت البعثة النرويجية البريطانية السويدية للقارة القطبية الجنوبية أهمية التعاون الدولي في البحث العلمي. من خلال تجميع الموارد والخبرات، تمكنت الدول الثلاث من تحقيق المزيد مما كان يمكن أن تحققه بمفردها. أصبح التعاون الدولي سمة مميزة لاستكشاف القارة القطبية الجنوبية والبحث العلمي منذ ذلك الحين.
تستمر معاهدة أنتاركتيكا، التي تم توقيعها في عام 1959، في تعزيز التعاون الدولي في القارة القطبية الجنوبية. تحظر المعاهدة الأنشطة العسكرية وتضمن استخدام القارة القطبية الجنوبية للأغراض السلمية فقط، مثل البحث العلمي.
خاتمة
تُعد البعثة النرويجية البريطانية السويدية للقارة القطبية الجنوبية (1949-1952) علامة فارقة في استكشاف القارة القطبية الجنوبية. كانت أول بعثة متعددة الجنسيات إلى القارة القطبية الجنوبية، وساهمت بشكل كبير في فهمنا للمنطقة. من خلال التعاون الوثيق بين النرويج وبريطانيا العظمى والسويد، تمكنت البعثة من تحقيق أهدافها العلمية والتغلب على التحديات الكبيرة. لا يزال إرثها يلهم التعاون الدولي في البحث العلمي في القارة القطبية الجنوبية وخارجها.