مقدمة
لويس أوغست فلوريموند رونجيه (30 يونيو 1825 – 4 نوفمبر 1892)، المعروف باسم هيرفيه (Hervé)، كان مغنيًا وملحنًا فرنسيًا، يُعتبر على نطاق واسع “مخترع” الأوبرا الهزلية الفرنسية. على الرغم من أن جاك أوفنباخ حقق نجاحًا أكبر في هذا النوع، إلا أن هيرفيه مهّد الطريق له بأعماله المسرحية المبتكرة والمليئة بالحيوية.
نشأته وبداياته الموسيقية
ولد هيرفيه في هودين (Houdain)، بالقرب من أراس (Arras) في شمال فرنسا. أظهر موهبة موسيقية مبكرة، وفي سن مبكرة، أصبح عازف أرغن في كنيسة سان أوستاش (Saint-Eustache) في باريس. سمحت له هذه الوظيفة بتطوير مهاراته الموسيقية واكتساب خبرة قيمة في الأداء أمام الجمهور.
في عام 1845، عُيّن هيرفيه عازف أرغن في مستشفى سايكتري في إسيك (l’asile de Charenton). وقد أثرت هذه التجربة عليه بشكل كبير، حيث ألهمته لاحقًا لإنشاء واحدة من أشهر أعماله، أوبرا “ليل فارج”.
تأسيس “فولييه نوفيل” والنجاح المسرحي
في عام 1854، أسس هيرفيه مسرحه الخاص، “فولييه نوفيل” (Folies-Nouvelles)، حيث قدم أعماله الخاصة التي تميزت بروح الدعابة والتهكم الاجتماعي. كان هذا المسرح بمثابة منصة لإطلاق موهبته كمؤلف وملحن وممثل. من خلال “فولييه نوفيل”، بدأ هيرفيه في تطوير أسلوبه المميز في الأوبرا الهزلية، والذي يتميز بالإيقاعات السريعة والألحان الجذابة والشخصيات الكوميدية.
شهد “فولييه نوفيل” نجاحًا كبيرًا، مما سمح لهيرفيه بتقديم عدد كبير من الأعمال الأصلية. من بين هذه الأعمال، يمكن ذكر “لو دون جويكسوت” (Le Don Quichotte)، وهي محاكاة ساخرة لرواية دون كيخوتي لسيرفانتس، و”لي شيفالييه دو لا تابل روند” (Les Chevaliers de la Table Ronde)، وهي كوميديا موسيقية مستوحاة من أسطورة الملك آرثر.
الابتكار في الأوبرا الهزلية
يعتبر هيرفيه رائدًا في مجال الأوبرا الهزلية الفرنسية لعدة أسباب:
- الجرأة في الموضوعات: لم يتردد هيرفيه في تناول موضوعات معاصرة وجريئة في أعماله، مما أثار الجدل في بعض الأحيان، لكنه أيضًا جذب جمهورًا واسعًا.
- الجمع بين الموسيقى والكوميديا: نجح هيرفيه في دمج الموسيقى والكوميديا بطريقة مبتكرة، مما أدى إلى خلق تجربة مسرحية ممتعة ومسلية.
- استخدام الشخصيات الكاريكاتورية: استخدم هيرفيه شخصيات كاريكاتورية مبالغ فيها لإضفاء المزيد من الفكاهة على أعماله، وتسليط الضوء على عيوب المجتمع.
- الألحان الجذابة والإيقاعات السريعة: تميزت موسيقى هيرفيه بالألحان الجذابة والإيقاعات السريعة، مما جعلها سهلة التذكر ومناسبة للرقص.
على الرغم من أن جاك أوفنباخ حقق شهرة أكبر في مجال الأوبرا الهزلية، إلا أن هيرفيه مهد الطريق له بابتكاراته وتجاربه المسرحية.
“ليل فارج” والنجاح العالمي
في عام 1864، حقق هيرفيه نجاحًا عالميًا بأوبرا “ليل فارج” (Chilpéric). تدور أحداث هذه الأوبرا الهزلية حول الملك شيلبيريك الأول، أحد ملوك ميروفنجيان، الذي كان معروفًا بحبه للمرح والنساء. تتميز “ليل فارج” بالموسيقى المبهجة والحوارات الذكية والشخصيات الكوميدية، مما جعلها تحظى بشعبية كبيرة في جميع أنحاء أوروبا.
تم عرض “ليل فارج” في العديد من المسارح حول العالم، وحققت نجاحًا تجاريًا كبيرًا. ساهم هذا النجاح في ترسيخ مكانة هيرفيه كواحد من أهم مؤلفي الأوبرا الهزلية في عصره.
أعمال أخرى بارزة
بالإضافة إلى “ليل فارج”، ألف هيرفيه عددًا كبيرًا من الأعمال المسرحية الأخرى، بما في ذلك:
- “لو دون جويكسوت” (Le Don Quichotte)
- “لي شيفالييه دو لا تابل روند” (Les Chevaliers de la Table Ronde)
- “مامزيل نيتاج” (Mam’zelle Nitouche)
- “لو بيتيت فوستين” (Le Petit Faust)
- “باكوس” (Bacchus)
تتميز هذه الأعمال بالتنوع والإبداع، وتعكس موهبة هيرفيه كمؤلف وملحن.
التأثير والإرث
ترك هيرفيه بصمة واضحة في تاريخ الأوبرا الهزلية الفرنسية. فقد ألهم العديد من المؤلفين والملحنين اللاحقين، وساهم في تطوير هذا النوع من المسرح. لا تزال أعماله تُعرض حتى اليوم، وتشهد على موهبته وعبقريته.
يُذكر هيرفيه على نطاق واسع بأنه “مخترع” الأوبرا الهزلية، وعلى الرغم من أن أوفنباخ حقق نجاحًا أكبر، إلا أن هيرفيه قدم الأساس الذي بُني عليه هذا النجاح. إبداعه ورؤيته الفنية ساهمت في تشكيل المشهد الموسيقي في فرنسا وخارجها.
حياته الشخصية
تزوج هيرفيه من ماري لوسيان إليزابيث بويسون في عام 1859، وكان لديهما طفل واحد. استمر زواجهما حتى وفاته عام 1892.
سنواته الأخيرة ووفاته
في سنواته الأخيرة، واجه هيرفيه بعض الصعوبات المالية، لكنه استمر في العمل وتأليف الموسيقى. توفي في 4 نوفمبر 1892، في كاليه، فرنسا، عن عمر يناهز 67 عامًا.
خاتمة
كان هيرفيه شخصية بارزة في عالم الموسيقى الفرنسية في القرن التاسع عشر، ومؤسسًا حقيقيًا للأوبرا الهزلية. من خلال مسرحه “فولييه نوفيل” وأعماله المبتكرة مثل “ليل فارج”، أثرى المشهد الثقافي وقدم الترفيه للجمهور. على الرغم من أنه غالبًا ما يتم تذكره في ظل جاك أوفنباخ، إلا أن إسهامات هيرفيه في تطوير هذا النوع من المسرح لا يمكن إنكارها، وسيظل اسمه مرتبطًا بتاريخ الأوبرا الهزلية إلى الأبد.