نشأته وحياته المبكرة
ولد المختار في الطائف سنة 1 هـ (622 م). كان والده أبو عبيد الثقفي من قادة جيش المسلمين في معركة الجسر ضد الفرس، واستشهد فيها. نشأ المختار في بيئة قبلية وعسكرية، مما أكسبه خبرة في القيادة وفنون الحرب. انتقل مع قبيلته إلى الكوفة، التي كانت مركزاً للتشيع ومعقلاً لأنصار علي بن أبي طالب. كان المختار يتمتع بشخصية طموحة وذكاء حاد، وسعى إلى تحقيق مكانة مرموقة في المجتمع الكوفي.
دوره في معركة كربلاء
على الرغم من أن المختار لم يشارك فعلياً في معركة كربلاء، إلا أن بعض الروايات تشير إلى أنه كان في الكوفة في ذلك الوقت، وأنه حاول منع أهلها من نصرة الحسين. يرى البعض أن ذلك كان بسبب خلافات شخصية أو قبلية، بينما يرى آخرون أنه كان يهدف إلى الحفاظ على قوته وتأجيل المواجهة مع الأمويين إلى حين توفر الظروف المناسبة. بعد مقتل الحسين، شعر المختار بالندم والمسؤولية، وقرر أن ينتقم له من قتلته.
الثورة في الكوفة
بعد وفاة يزيد بن معاوية وتولي ابنه معاوية بن يزيد الحكم لفترة قصيرة، ثم تنازله عن الخلافة، شهدت الدولة الأموية فراغاً سياسياً واضطرابات داخلية. استغل المختار هذه الأوضاع، وبدأ في الترويج لأفكاره وأهدافه في الكوفة. ادعى أنه مبعوث من قبل محمد بن الحنفية، أحد أبناء علي بن أبي طالب، وأنه مكلف بالانتقام للحسين وإقامة العدل. تمكن المختار من استقطاب العديد من الأنصار والمؤيدين من مختلف القبائل والفئات الاجتماعية، خاصة من الموالي (غير العرب) والشيعة الذين كانوا يشعرون بالظلم والتهميش.
في عام 66 هـ (685 م)، أعلن المختار ثورته في الكوفة، وتمكن من طرد واليها الأموي، وإقامة حكم ذاتي فيها. قام المختار بتشكيل جيش قوي، وقاده بنفسه في عدة معارك ضد الأمويين وأنصارهم في العراق. حقق المختار انتصارات كبيرة، وتمكن من قتل العديد من قتلة الحسين في كربلاء، مثل عمر بن سعد وشمر بن ذي الجوشن. أثارت انتصارات المختار رعب الأمويين، وأثارت آمال المستضعفين في تحقيق العدل والمساواة.
سياسات المختار وحكمه
اتبع المختار سياسات جريئة ومثيرة للجدل في حكمه للكوفة. قام بتوزيع الأراضي والأموال على أنصاره والمستضعفين، وأعطى الموالي حقوقاً متساوية مع العرب، وهو ما أثار غضب بعض القبائل العربية التي كانت ترى في ذلك تهديداً لمكانتها ونفوذها. كما قام المختار بتعيين قادة من غير العرب في مناصب عليا في الجيش والإدارة، وهو ما زاد من شعبيته بين الموالي، ولكنه أثار حفيظة بعض العرب.
كان المختار يؤمن بفكرة المهدي المنتظر، وأنه سيظهر ليملأ الأرض عدلاً وقسطاً بعد أن ملئت ظلماً وجوراً. يعتقد البعض أن المختار كان يرى في محمد بن الحنفية المهدي المنتظر، بينما يعتقد آخرون أنه كان يمهد الطريق لظهور المهدي من نسل الحسين. على أي حال، فإن فكرة المهدي لعبت دوراً هاماً في حشد الأنصار والمؤيدين للمختار، وإضفاء طابع ديني على حركته.
نهايته ومقتله
لم يدم حكم المختار في الكوفة طويلاً. فقد تعرض لعدة هزائم عسكرية من قبل الأمويين وأنصارهم، الذين تحالفوا ضده لإسقاط حكمه. حاصر جيش أموي بقيادة مصعب بن الزبير الكوفة، وتمكن من دخولها بعد معارك ضارية. لجأ المختار إلى قصر الإمارة، وتحصن فيه مع أنصاره. بعد حصار طويل، اقتحم جيش مصعب القصر، وقتل المختار في عام 67 هـ (687 م). قُتل معه الآلاف من أنصاره، وانتهت بذلك ثورة المختار في الكوفة.
الجدل حول شخصيته
تعتبر شخصية المختار الثقفي من أكثر الشخصيات التاريخية الإسلامية إثارة للجدل. يرى فيه البعض بطلاً ومخلصاً، سعى للانتقام للحسين وتحقيق العدل والمساواة. بينما يرى فيه آخرون مدعياً وكذاباً، استغل الدين لتحقيق أطماعه الشخصية والسلطوية. تتأثر هذه الآراء بالخلفيات الدينية والسياسية للمؤرخين والباحثين، وبالروايات التاريخية المختلفة التي تصف شخصية المختار وأفعاله.
يعتبر الشيعة الإمامية المختار شخصية سلبية، ويتهمونه بالكذب والادعاء. بينما يرى فيه بعض الشيعة الزيدية شخصية إيجابية، لأنه انتقم للحسين من قتلته. أما السنة، فيختلفون في تقييمهم للمختار، فمنهم من يراه خارجياً باغياً، ومنهم من يرى فيه مجرد ثائر سعى إلى تحقيق العدل.
تأثيره وإرثه
على الرغم من قصر فترة حكمه، إلا أن المختار الثقفي ترك بصمة واضحة في التاريخ الإسلامي. فقد ساهمت ثورته في إضعاف الدولة الأموية، وتمهيد الطريق لسقوطها لاحقاً. كما ساهمت في تعزيز مكانة الشيعة في العراق، وتأجيج الروح الثورية لديهم. بالإضافة إلى ذلك، فإن سياسات المختار الاجتماعية والاقتصادية، خاصة فيما يتعلق بالموالي والمستضعفين، ألهمت العديد من الحركات الثورية والاجتماعية في التاريخ الإسلامي.
لا تزال شخصية المختار تثير اهتمام المؤرخين والباحثين، وتتناولها العديد من الكتب والدراسات والأعمال الفنية. فقد تم إنتاج العديد من المسلسلات والأفلام التي تتناول قصة حياته وثورته، والتي تثير بدورها نقاشات واسعة حول شخصيته وأفعاله.
خاتمة
المختار الثقفي شخصية تاريخية معقدة ومثيرة للجدل. قاد ثورة في الكوفة باسم الانتقام للحسين وإقامة العدل، وحقق انتصارات كبيرة، ولكنه انتهى به المطاف مقتولاً. تختلف الآراء حول شخصيته ودوافعه وأهدافه، ولكنه بلا شك ترك بصمة واضحة في التاريخ الإسلامي، ولا يزال يثير اهتمام المؤرخين والباحثين حتى اليوم.