نشأته وتعليمه
ولد أوليغ جيفيمينكو في خاركيف، وهي مدينة تقع في أوكرانيا الحالية، والتي كانت جزءًا من الاتحاد السوفيتي آنذاك. تلقى تعليمه المبكر في بيئة شهدت اضطرابات سياسية واجتماعية كبيرة. على الرغم من هذه التحديات، أظهر جيفيمينكو شغفًا مبكرًا بالعلوم، وخاصة الفيزياء. بعد الانتهاء من تعليمه الثانوي، التحق بجامعة خاركيف، حيث درس الفيزياء وتخرج بدرجة البكالوريوس.
بعد تخرجه، واصل جيفيمينكو تعليمه العالي وحصل على درجة الدكتوراه في الفيزياء من جامعة ولاية أوريغون في الولايات المتحدة. خلال فترة دراسته للدكتوراه، ركز على دراسة الكهرومغناطيسية، وهو المجال الذي سيصبح لاحقًا محور اهتمامه البحثي الرئيسي. عمل تحت إشراف أساتذة بارزين اكتسب خبرة قيمة في البحث والتجريب.
مسيرته المهنية
بعد حصوله على درجة الدكتوراه، انضم جيفيمينكو إلى جامعة فيرجينيا الغربية كأستاذ في الفيزياء. أمضى معظم حياته المهنية في هذه الجامعة، حيث قام بتدريس الفيزياء وإجراء البحوث. خلال فترة عمله في جامعة فيرجينيا الغربية، نشر جيفيمينكو العديد من الأبحاث العلمية الهامة التي ساهمت في تطوير فهمنا للكهرومغناطيسية.
كان جيفيمينكو معروفًا بنهجه الفريد في تدريس الفيزياء. كان يعتقد أن الطلاب يجب أن يتعلموا الفيزياء من خلال التجريب والملاحظة المباشرة، بدلاً من مجرد حفظ المعادلات والنظريات. قام بتطوير العديد من التجارب البسيطة والمبتكرة التي يمكن للطلاب إجراؤها في المنزل أو في الفصل الدراسي لفهم المفاهيم الأساسية في الفيزياء.
إسهاماته العلمية
تعتبر مساهمات أوليغ جيفيمينكو في مجال الكهرومغناطيسية كبيرة ومؤثرة. من بين أبرز إسهاماته:
- تطوير معادلات جيفيمينكو: وهي مجموعة من المعادلات التي تصف المجالات الكهربائية والمغناطيسية الناتجة عن توزيعات متغيرة من الشحنات والتيارات. هذه المعادلات هي تعميم لمعادلات ماكسويل، وتوفر طريقة أكثر دقة لحساب المجالات الكهرومغناطيسية في الحالات التي تكون فيها الشحنات والتيارات في حركة غير منتظمة.
- تفسير طبيعة القوى الكهرومغناطيسية: قدم جيفيمينكو تفسيراً جديداً لطبيعة القوى الكهرومغناطيسية، حيث أكد على أهمية تأثير التأخير الزمني في انتقال المجالات الكهرومغناطيسية. وفقًا لتفسيره، فإن القوى الكهرومغناطيسية ليست فورية، بل تنتشر بسرعة الضوء، مما يؤدي إلى تأثيرات تأخير يمكن أن تكون مهمة في بعض الحالات.
- تطوير نظرية الكهرومغناطيسية السببية: اقترح جيفيمينكو نظرية جديدة للكهرومغناطيسية تعتمد على مبدأ السببية. تنص هذه النظرية على أن السبب يجب أن يسبق النتيجة، وأن المجالات الكهرومغناطيسية يجب أن تنتشر من المصادر إلى النقاط التي تؤثر فيها.
بالإضافة إلى هذه الإسهامات الرئيسية، نشر جيفيمينكو العديد من الأبحاث الأخرى التي تناولت مواضيع متنوعة في الكهرومغناطيسية، مثل الإشعاع الكهرومغناطيسي، وتأثيرات المجال القريب، ونظرية الامتصاص الإشعاعي.
معادلات جيفيمينكو
تعد معادلات جيفيمينكو من أهم إسهاماته في مجال الكهرومغناطيسية. تصف هذه المعادلات المجالات الكهربائية والمغناطيسية الناتجة عن توزيعات متغيرة من الشحنات والتيارات. تُعطى هذه المعادلات بالصيغ التالية:
المجال الكهربائي:
$$\mathbf{E}(\mathbf{r}, t) = \frac{1}{4\pi\epsilon_0} \int \left[ \frac{\rho(\mathbf{r}’, t_r)}{|\mathbf{r} – \mathbf{r}’|^3} (\mathbf{r} – \mathbf{r}’) + \frac{\dot{\rho}(\mathbf{r}’, t_r)}{c |\mathbf{r} – \mathbf{r}’|^2} (\mathbf{r} – \mathbf{r}’) – \frac{\dot{\mathbf{J}}(\mathbf{r}’, t_r)}{c^2 |\mathbf{r} – \mathbf{r}’|} \right] d^3\mathbf{r}’$$
المجال المغناطيسي:
$$\mathbf{B}(\mathbf{r}, t) = \frac{\mu_0}{4\pi} \int \left[ \frac{\mathbf{J}(\mathbf{r}’, t_r)}{|\mathbf{r} – \mathbf{r}’|^3} \times (\mathbf{r} – \mathbf{r}’) + \frac{\dot{\mathbf{J}}(\mathbf{r}’, t_r)}{c |\mathbf{r} – \mathbf{r}’|^2} \times (\mathbf{r} – \mathbf{r}’) \right] d^3\mathbf{r}’$$
حيث:
- \( \mathbf{E}(\mathbf{r}, t) \) هو المجال الكهربائي عند النقطة \( \mathbf{r} \) والزمن \( t \).
- \( \mathbf{B}(\mathbf{r}, t) \) هو المجال المغناطيسي عند النقطة \( \mathbf{r} \) والزمن \( t \).
- \( \rho(\mathbf{r}’, t_r) \) هي كثافة الشحنة عند النقطة \( \mathbf{r}’ \) والزمن المتأخر \( t_r \).
- \( \mathbf{J}(\mathbf{r}’, t_r) \) هو كثافة التيار عند النقطة \( \mathbf{r}’ \) والزمن المتأخر \( t_r \).
- \( \dot{\rho}(\mathbf{r}’, t_r) \) هو المعدل الزمني لتغير كثافة الشحنة عند النقطة \( \mathbf{r}’ \) والزمن المتأخر \( t_r \).
- \( \dot{\mathbf{J}}(\mathbf{r}’, t_r) \) هو المعدل الزمني لتغير كثافة التيار عند النقطة \( \mathbf{r}’ \) والزمن المتأخر \( t_r \).
- \( \epsilon_0 \) هي سماحية الفراغ.
- \( \mu_0 \) هي نفاذية الفراغ.
- \( c \) هي سرعة الضوء.
- \( t_r = t – \frac{|\mathbf{r} – \mathbf{r}’|}{c} \) هو الزمن المتأخر.
توفر هذه المعادلات طريقة دقيقة لحساب المجالات الكهرومغناطيسية الناتجة عن توزيعات متغيرة من الشحنات والتيارات، وتعتبر أداة قيمة للباحثين والمهندسين في مجال الكهرومغناطيسية.
تأثير التأخير الزمني
أكد جيفيمينكو على أهمية تأثير التأخير الزمني في انتقال المجالات الكهرومغناطيسية. وفقًا لتفسيره، فإن القوى الكهرومغناطيسية ليست فورية، بل تنتشر بسرعة الضوء. هذا يعني أن المجال الكهرومغناطيسي الذي تؤثر به شحنة أو تيار على نقطة أخرى لا ينتقل على الفور، بل يستغرق وقتًا للوصول إلى تلك النقطة. هذا التأخير الزمني يمكن أن يكون مهمًا في الحالات التي تكون فيها الشحنات والتيارات في حركة سريعة أو عندما تكون المسافة بين الشحنات والتيارات كبيرة.
تأثير التأخير الزمني له آثار مهمة على فهمنا للكهرومغناطيسية. على سبيل المثال، يمكن أن يفسر تأثير التأخير الزمني لماذا يبدو أن الضوء ينحني حول الأجسام الكبيرة. يمكن أن يفسر أيضًا لماذا تبدو الأجسام المتحركة بسرعة وكأنها أقصر مما هي عليه في الواقع (انكماش الطول في نظرية النسبية الخاصة).
الكهرومغناطيسية السببية
اقترح جيفيمينكو نظرية جديدة للكهرومغناطيسية تعتمد على مبدأ السببية. تنص هذه النظرية على أن السبب يجب أن يسبق النتيجة، وأن المجالات الكهرومغناطيسية يجب أن تنتشر من المصادر إلى النقاط التي تؤثر فيها. هذا يعني أن المجال الكهرومغناطيسي في نقطة ما لا يمكن أن يتأثر بالأحداث التي تحدث في المستقبل. يجب أن يتأثر فقط بالأحداث التي حدثت في الماضي أو تحدث في الوقت الحاضر.
تعتبر نظرية الكهرومغناطيسية السببية لجيفيمينكو متوافقة مع نظرية النسبية الخاصة لأينشتاين. تتنبأ نظرية النسبية الخاصة بأن سرعة الضوء هي الحد الأقصى للسرعة التي يمكن أن تنتقل بها المعلومات أو الطاقة. تتوافق نظرية الكهرومغناطيسية السببية لجيفيمينكو مع هذا التنبؤ من خلال اشتراطها أن المجالات الكهرومغناطيسية يجب أن تنتشر من المصادر إلى النقاط التي تؤثر فيها.
الجوائز والتكريمات
تقديراً لإسهاماته البارزة في مجال الفيزياء، حصل أوليغ جيفيمينكو على العديد من الجوائز والتكريمات خلال حياته المهنية. من بين هذه الجوائز:
- جائزة الجمعية الفيزيائية الأمريكية للتعليم الفيزيائي.
- جائزة مؤسسة العلوم الوطنية للتعليم العلمي.
- عضوية فخرية في الأكاديمية الأوكرانية للعلوم.
بالإضافة إلى هذه الجوائز، تم تكريم جيفيمينكو من خلال تسمية أحد الكويكبات باسمه (22740) Jefimenko. يعتبر هذا التكريم دليلًا على التقدير العالمي لإسهاماته في مجال العلوم.
مؤلفاته
ترك أوليغ جيفيمينكو وراءه إرثًا غنيًا من المؤلفات العلمية التي لا تزال تلهم الباحثين والطلاب حتى اليوم. من بين أبرز مؤلفاته:
- Electricity and Magnetism (1989)
- Causality, Electromagnetic Induction, and Gravitation: A Different Approach to the Maxwell’s Theory (1992)
- Electromagnetic Retardation and Theory of Relativity: New Kinematics of a Point Charge (2004)
تتميز هذه الكتب بأسلوبها الواضح والمباشر، وتركيزها على المفاهيم الأساسية، واستخدامها للتجارب البسيطة لتوضيح المفاهيم المعقدة.
حياته الشخصية
كان أوليغ جيفيمينكو شخصًا متواضعًا ومحبًا للعلم. كان يتمتع بشخصية جذابة ومرحة، وكان يحظى بتقدير كبير من قبل طلابه وزملائه. كان لديه اهتمام كبير بالفنون والموسيقى، وكان يعزف على البيانو بمهارة.
تزوج جيفيمينكو من زوجته فالنتينا، وأنجبا ثلاثة أطفال. كان يقضي وقت فراغه في القراءة والكتابة والسفر. كان لديه اهتمام خاص بتاريخ العلوم، وكان يجمع الكتب والمقالات المتعلقة بهذا الموضوع.
وفاته
توفي أوليغ جيفيمينكو في 14 مايو 2009 في مورغانتاون، فيرجينيا الغربية، عن عمر يناهز 86 عامًا. ترك وراءه إرثًا علميًا قيمًا سيستمر في إلهام الباحثين والطلاب في مجال الكهرومغناطيسية لسنوات عديدة قادمة.
خاتمة
كان أوليغ د. جيفيمينكو عالمًا فيزيائيًا متميزًا ترك بصمة واضحة في مجال الكهرومغناطيسية. من خلال تطوير معادلات جيفيمينكو، وتقديم تفسير جديد لطبيعة القوى الكهرومغناطيسية، واقتراح نظرية الكهرومغناطيسية السببية، ساهم جيفيمينكو في تطوير فهمنا للعالم من حولنا. سيظل إرثه العلمي مصدر إلهام للأجيال القادمة من العلماء والمهندسين.