أصل الكهنوت الأكبر وتطوره
يعود أصل الكهنوت الأكبر إلى زمن النبي موسى، عندما تم تكريس هارون، شقيق موسى، كأول كاهن. تم اختيار نسل هارون ليكونوا كهنة إلى الأبد، وتولى الابن الأكبر من نسل هارون منصب الكاهن الأكبر. لعب الكاهن الأكبر دورًا محوريًا في الطقوس الدينية التي أمر بها الله، وكان يعتبر وسيطًا بين الله والشعب.
مع مرور الوقت، تطورت وظيفة الكاهن الأكبر وأصبحت أكثر تعقيدًا. خلال فترة الهيكل الأول، كان الكاهن الأكبر يتمتع بسلطة دينية وسياسية كبيرة. كان يرأس السنهدرين، وهو المجلس الأعلى لليهود، وكان مسؤولاً عن الحفاظ على النظام في الهيكل والإشراف على الطقوس الدينية. بعد تدمير الهيكل الأول ونفي اليهود إلى بابل، تقلصت سلطة الكاهن الأكبر. ومع ذلك، استمر في لعب دور مهم في حياة اليهود الدينية.
خلال فترة الهيكل الثاني، شهد منصب الكاهن الأكبر تقلبات كبيرة. في بعض الأحيان، كان الكاهن الأكبر يتمتع بسلطة كبيرة، بينما كان في أوقات أخرى مجرد شخصية صورية في يد الحكام الأجانب. عين الحكام الهيلينستيون والرومان الكهنة الأكبر وعزلوهم حسب أهوائهم، مما أدى إلى الفساد والصراع على السلطة.
مسؤوليات وواجبات الكاهن الأكبر
كان الكاهن الأكبر مسؤولاً عن مجموعة واسعة من الواجبات والمسؤوليات الدينية. وشملت هذه:
- خدمة يوم الغفران: كان يوم الغفران (يوم كيبور) أهم يوم في السنة الدينية اليهودية، وكان الكاهن الأكبر هو الوحيد المسموح له بدخول قدس الأقداس في خيمة الاجتماع أو الهيكل، ليقدم الذبائح عن نفسه وعن الشعب.
- تقديم الذبائح: كان الكاهن الأكبر مسؤولاً عن تقديم الذبائح اليومية والأسبوعية والشهرية في الهيكل.
- الإشراف على الكهنة: كان الكاهن الأكبر رئيسًا لجميع الكهنة وكان مسؤولاً عن الإشراف على عملهم.
- تفسير الشريعة: كان الكاهن الأكبر يعتبر السلطة النهائية في تفسير الشريعة اليهودية.
- القضاء: كان الكاهن الأكبر عضوًا في السنهدرين، المجلس الأعلى لليهود، وكان يشارك في إصدار الأحكام في القضايا الدينية والقانونية الهامة.
- استشارة الأوريم والتميم: كان الكاهن الأكبر وحده هو الذي يمكنه استشارة الأوريم والتميم، وهما أداتان تستخدمان لمعرفة إرادة الله.
بالإضافة إلى هذه المسؤوليات الدينية، كان الكاهن الأكبر يتمتع أيضًا بسلطة سياسية كبيرة. كان يرأس السنهدرين، وهو المجلس الأعلى لليهود، وكان يشارك في إدارة شؤون الدولة.
ملابس الكاهن الأكبر
كانت ملابس الكاهن الأكبر فريدة ومميزة، مصممة لإظهار قدسية منصبه وأهميته. تضمنت هذه الملابس:
- الصدرة (الחושן): قطعة صدرية مطرزة بالجواهر، تحمل أسماء أسباط إسرائيل الاثني عشر. كانت تعتبر وسيلة للتواصل مع الله.
- الأفود (האפוד): رداء مطرز من الذهب والأزرق والأرجواني والقرمز، يرتديه فوق الرداء.
- الرداء (המעיל): رداء أزرق كامل، مزين بأجراس ورمان مصنوعة من الذهب.
- العمامة (המצנפת): غطاء للرأس مصنوع من الكتان، يرتديه الكاهن الأكبر.
- الصفيحة الذهبية (ציץ): صفيحة من الذهب الخالص مكتوب عليها “قدس للرب”، تعلق على مقدمة العمامة.
- السراويل الكتانية (מִכְנְסֵי־בָד): سراويل داخلية مصنوعة من الكتان الأبيض.
- المنطقة الكتانية (אבנט): حزام من الكتان الأبيض.
كانت هذه الملابس رمزًا لقوة الكاهن الأكبر وقدسيته، وكانت ضرورية لأداء مهامه الدينية.
نهاية الكهنوت الأكبر
انتهى منصب الكاهن الأكبر بتدمير الهيكل الثاني في عام 70 م على يد الرومان. بعد تدمير الهيكل، لم يعد هناك مكان لأداء الطقوس الدينية التي كان الكاهن الأكبر مسؤولاً عنها. على الرغم من أن بعض المحاولات بُذلت لإعادة تأسيس الكهنوت الأكبر، إلا أنها لم تنجح.
في اللاهوت اليهودي، يعتقد الكثيرون أن مجيء المسيح سيؤدي إلى استعادة الهيكل والكهنوت الأكبر. ومع ذلك، لا يزال هذا موضوع نقاش بين مختلف الطوائف اليهودية.
الكاهن الأكبر في المصادر المسيحية
يذكر العهد الجديد في الكتاب المقدس المسيحي الكهنة الأكبر الذين كانوا موجودين في زمن يسوع المسيح. يعتبر المسيحيون أن يسوع هو الكاهن الأعظم الأبدي، الذي قدم ذبيحة كاملة وكافية مرة واحدة وإلى الأبد، وبالتالي لم تعد هناك حاجة إلى الكهنوت اللاوي.
خاتمة
كان الكاهن الأكبر لإسرائيل شخصية مركزية في الدين اليهودي القديم. كان يتمتع بسلطة دينية وسياسية كبيرة، وكان مسؤولاً عن مجموعة واسعة من الواجبات والمسؤوليات. انتهى منصب الكاهن الأكبر بتدمير الهيكل الثاني، ولكن لا يزال يحتل مكانة مهمة في التاريخ واللاهوت اليهودي.