الكوازار QSO B0839+187 (QSO B0839+187)

مقدمة إلى الكوازارات

الكوازارات هي أجرام سماوية نشطة للغاية تقع في مراكز بعض المجرات. تُعتبر الكوازارات من بين أكثر الأجسام لمعانًا في الكون، حيث تبعث كميات هائلة من الطاقة عبر الطيف الكهرومغناطيسي بأكمله، من موجات الراديو إلى أشعة جاما. يُعتقد أن هذه الطاقة الهائلة تنبع من الثقوب السوداء الهائلة الموجودة في مراكز تلك المجرات، والتي تلتهم المادة المحيطة بها بمعدلات عالية للغاية. أثناء سقوط المادة نحو الثقب الأسود، تتشكل ما يعرف بقرص التراكم، وهو عبارة عن قرص دوار من الغاز والغبار الساخن الذي يشع بكميات كبيرة من الطاقة قبل أن يبتلعه الثقب الأسود.

تعتبر الكوازارات أدوات قيمة لعلماء الفلك، حيث يمكن استخدامها لدراسة الكون المبكر وهيكل الكون على نطاق واسع. نظرًا لبعدها الشاسع، فإن الضوء المنبعث من الكوازارات يستغرق مليارات السنين للوصول إلينا، مما يسمح لنا برؤية الكون في مراحل تطوره الأولى. بالإضافة إلى ذلك، يمكن استخدام الكوازارات كمنارات بعيدة لدراسة المجرات والسحب الغازية التي تقع على طول خط الرؤية بيننا وبين الكوازار، وذلك من خلال تحليل كيفية امتصاص هذه الأجسام للضوء المنبعث من الكوازار.

اكتشاف وتحديد QSO B0839+187

تم اكتشاف الكوازار QSO B0839+187 كجزء من عمليات المسح الراديوي للسماء في أوائل السبعينيات. تم تحديد هذا الجرم السماوي لأول مرة كمصدر قوي للموجات الراديوية، مما لفت انتباه علماء الفلك الذين يبحثون عن الأجسام النشطة في الكون. بعد الاكتشاف الأولي، تم إجراء المزيد من الملاحظات باستخدام تلسكوبات بصرية وأشعة سينية لتحديد خصائص هذا الكوازار بشكل أفضل.

أظهرت الملاحظات البصرية أن QSO B0839+187 يقع على مسافة كبيرة منا، مما يعني أنه يقع في الكون البعيد. تم تحديد الانزياح الأحمر لهذا الكوازار، وهو مقياس لمدى تمدد الكون أثناء سفر الضوء من الكوازار إلينا، والذي سمح لعلماء الفلك بتقدير المسافة إلى هذا الكوازار وعمره التقريبي. كما كشفت الملاحظات اللاحقة باستخدام التلسكوبات الفضائية عن انبعاث قوي للأشعة السينية من هذا الكوازار، مما يؤكد طبيعته النشطة ووجود ثقب أسود هائل في مركزه.

تجربة VLBI التي أجراها فومالونت وكوبيكين

في عام 2002، أجرى إدوارد فومالونت وسيرجي كوبيكين تجربة رائدة باستخدام تقنية قياس التداخل القاعدي الطويل جدًا (VLBI) لقياس سرعة الجاذبية. استخدمت هذه التجربة الكوازار QSO B0839+187 كجزء من إعدادها التجريبي. قياس التداخل القاعدي الطويل جدًا (VLBI) هو أسلوب يستخدم شبكة من التلسكوبات الراديوية المنتشرة على نطاق واسع حول العالم للعمل معًا كتلسكوب واحد ضخم. من خلال الجمع بين البيانات من تلسكوبات متعددة، يمكن لـ VLBI تحقيق دقة زاوية عالية للغاية، مما يسمح لعلماء الفلك برؤية التفاصيل الدقيقة في الأجسام السماوية البعيدة.

اعتمدت تجربة فومالونت وكوبيكين على قياس الانحراف الطفيف في موقع الكوازار QSO B0839+187 الظاهر الناتج عن جاذبية المشتري أثناء مروره بالقرب من خط الرؤية إلى الكوازار. من خلال قياس هذا الانحراف بدقة، تمكن العلماء من تقدير سرعة الجاذبية. كانت هذه التجربة مثيرة للجدل إلى حد ما في ذلك الوقت، ولكنها قدمت دليلًا إضافيًا يدعم نظرية النسبية العامة لألبرت أينشتاين.

أهمية QSO B0839+187 في علم الفلك

يحمل الكوازار QSO B0839+187 أهمية كبيرة في مجال علم الفلك لعدة أسباب. أولاً، استخدامه في تجربة فومالونت وكوبيكين سلط الضوء على إمكانات تقنية VLBI في إجراء قياسات دقيقة للغاية للظواهر الفيزيائية الفلكية. أظهرت هذه التجربة كيف يمكن استخدام الكوازارات البعيدة كعلامات مرجعية لدراسة تأثيرات الجاذبية على نطاقات واسعة.

ثانيًا، يعد QSO B0839+187 كوازارًا نموذجيًا يمكن استخدامه لدراسة خصائص الكوازارات بشكل عام. من خلال تحليل طيف الانبعاث من هذا الكوازار، يمكن لعلماء الفلك الحصول على معلومات حول التركيب الكيميائي للمادة الموجودة حول الثقب الأسود المركزي، وكذلك العمليات الفيزيائية التي تحدث في قرص التراكم. يمكن أن تساعد هذه المعلومات في فهم أفضل لكيفية تطور الكوازارات وتأثيرها على بيئتها المحيطة.

دراسة الكون المبكر: يمكن استخدام الضوء القادم من الكوازارات البعيدة لدراسة الكون المبكر، حيث أن هذا الضوء يحمل معلومات عن الظروف الفيزيائية والكيميائية التي كانت سائدة في ذلك الوقت.
قياس المسافات الكونية: يمكن استخدام الكوازارات كمنارات بعيدة لقياس المسافات الكونية، وذلك باستخدام تقنيات مثل الانزياح الأحمر وعلاقة هابل.
دراسة الثقوب السوداء الهائلة: تعتبر الكوازارات نافذة على الثقوب السوداء الهائلة الموجودة في مراكز المجرات، حيث يمكننا من خلالها دراسة العمليات الفيزيائية التي تحدث بالقرب من هذه الثقوب السوداء.

التحديات في دراسة الكوازارات

على الرغم من الأهمية الكبيرة للكوازارات في علم الفلك، إلا أن دراستها لا تخلو من التحديات. أحد هذه التحديات هو بعد هذه الأجسام، مما يجعل من الصعب الحصول على صور عالية الدقة لها. بالإضافة إلى ذلك، فإن الضوء المنبعث من الكوازارات يتعرض للامتصاص والتشتت أثناء سفره عبر الفضاء، مما يؤدي إلى تشويه المعلومات التي يحملها. للتغلب على هذه التحديات، يستخدم علماء الفلك مجموعة متنوعة من التقنيات والأدوات، بما في ذلك التلسكوبات الكبيرة، والتصوير التكيفي، وقياس التداخل.

هناك تحد آخر يتمثل في فهم العمليات الفيزيائية المعقدة التي تحدث داخل الكوازارات. تتضمن هذه العمليات تفاعلات بين المادة والطاقة والجاذبية على نطاقات واسعة، مما يجعل من الصعب نمذجتها بدقة. لحل هذه المشكلة، يعتمد علماء الفلك على النماذج الحاسوبية المتطورة والملاحظات التفصيلية لمحاولة فهم هذه العمليات بشكل أفضل.

اكتشافات حديثة متعلقة بالكوازارات

شهدت السنوات الأخيرة عددًا من الاكتشافات المثيرة المتعلقة بالكوازارات. على سبيل المثال، اكتشف علماء الفلك عددًا من الكوازارات التي تقع على مسافات أكبر من أي وقت مضى، مما يتيح لنا رؤية الكون في مراحل تطوره الأولى. بالإضافة إلى ذلك، تمكن العلماء من الحصول على صور أكثر تفصيلاً للكوازارات باستخدام تقنيات جديدة، مما كشف عن تفاصيل جديدة حول هيكلها الداخلي.

أحد الاكتشافات الحديثة الهامة هو اكتشاف وجود علاقة بين الكوازارات وتطور المجرات. تشير الأدلة إلى أن الكوازارات تلعب دورًا هامًا في تنظيم نمو المجرات وتشكيلها، وذلك من خلال إطلاق كميات كبيرة من الطاقة والمادة التي تؤثر على البيئة المحيطة بالمجرة. هذا الاكتشاف يغير فهمنا لكيفية تطور المجرات والكون بشكل عام.

مستقبل أبحاث الكوازارات

يبدو مستقبل أبحاث الكوازارات واعدًا للغاية. مع بناء تلسكوبات جديدة وأكثر قوة، سيتمكن علماء الفلك من دراسة الكوازارات بتفصيل أكبر من أي وقت مضى. ستساعد هذه الملاحظات الجديدة في حل العديد من الألغاز المتبقية حول الكوازارات، مثل كيفية تشكلها، وكيف تؤثر على بيئتها المحيطة، وكيف تتطور مع مرور الوقت.

بالإضافة إلى ذلك، سيساعد تطوير النماذج الحاسوبية الأكثر تطوراً في فهم العمليات الفيزيائية المعقدة التي تحدث داخل الكوازارات. من خلال الجمع بين الملاحظات والنماذج، سيتمكن علماء الفلك من الحصول على صورة أكمل وأكثر دقة للكوازارات ودورها في الكون.

خاتمة

الكوازار QSO B0839+187 هو جرم سماوي بعيد الأهمية، استخدم في تجارب علمية رائدة، ويساهم في فهمنا للكون. تعتبر الكوازارات بشكل عام أدوات قيمة في علم الفلك، حيث تساعدنا على دراسة الكون المبكر، وقياس المسافات الكونية، وفهم الثقوب السوداء الهائلة. على الرغم من التحديات التي تواجه دراسة الكوازارات، إلا أن الاكتشافات الحديثة والتقنيات الجديدة تفتح آفاقًا واعدة لمزيد من البحث والاستكشاف في هذا المجال المثير.