حياته المبكرة وتعليمه
ولد أولي ويفر في الدنمارك عام 1960. تلقى تعليمه في جامعة كوبنهاغن، حيث حصل على درجة الماجستير في العلوم السياسية. ثم واصل دراساته العليا وحصل على درجة الدكتوراه من نفس الجامعة. خلال فترة دراسته، تأثر ويفر بشدة بالأعمال الفكرية المختلفة، بما في ذلك النظرية النقدية، وما بعد البنيوية، وفلسفة اللغة.
مدرسة كوبنهاغن للدراسات الأمنية
يشتهر أولي ويفر بشكل خاص بدوره في تطوير مدرسة كوبنهاغن للدراسات الأمنية. هذه المدرسة، التي ظهرت في التسعينيات، تحدت المقاربات التقليدية للدراسات الأمنية التي كانت تركز بشكل كبير على التهديدات العسكرية والعلاقات بين الدول. بدلاً من ذلك، اقترحت مدرسة كوبنهاغن منظورًا أوسع للأمن يشمل الجوانب السياسية والاقتصادية والمجتمعية والبيئية.
تعتبر الفكرة الأساسية في مدرسة كوبنهاغن هي “التأمين” (Securitization)، وهي العملية التي يتم من خلالها تحويل قضية ما إلى قضية أمنية. وفقًا لويفر وزملائه، فإن التأمين ليس مجرد اكتشاف تهديد موضوعي، بل هو عمل كلامي يقوم به الفاعلون السياسيون لتحويل قضية ما إلى حالة طارئة تتطلب إجراءات استثنائية. هذا يعني أن الأمن ليس حقيقة موضوعية، بل هو بناء اجتماعي.
تشمل المفاهيم الرئيسية الأخرى في مدرسة كوبنهاغن:
- القطاعات الأمنية: تقسيم الأمن إلى قطاعات مختلفة مثل القطاع العسكري، والقطاع السياسي، والقطاع الاقتصادي، والقطاع المجتمعي، والقطاع البيئي.
- الفواعل المؤمّنة: الجهات الفاعلة التي تقوم بعملية التأمين من خلال إعلان وجود تهديد وطلب اتخاذ إجراءات استثنائية.
- الجمهور المستهدف: الجمهور الذي تحاول الفواعل المؤمّنة إقناعه بوجود التهديد وأهمية اتخاذ الإجراءات اللازمة.
- عدم التأمين (Desecuritization): عملية عكسية يتم من خلالها إزالة قضية ما من المجال الأمني وإعادتها إلى المجال السياسي العادي.
أعماله الرئيسية ومساهماته الفكرية
نشر أولي ويفر العديد من الكتب والمقالات المؤثرة في مجال العلاقات الدولية والدراسات الأمنية. من بين أبرز أعماله:
- “الأمن: إطار تحليلي” (Security: A Framework for Analysis): بالاشتراك مع باري بوزان ويااب دي وايلد، يقدم هذا الكتاب عرضًا شاملاً لمدرسة كوبنهاغن للدراسات الأمنية ومفاهيمها الأساسية.
- “مناطق وعدم مناطق: نحو جغرافيا جديدة للأمن” (Regions and Powers: The Structure of International Security): يحلل هذا الكتاب دور المناطق في الأمن الدولي ويتناول كيفية تفاعل القوى الإقليمية مع القوى الكبرى.
- “الهوية والهجرة والأمن: نظرية وممارسة” (Identity, Migration and the New Security Agenda in Europe): يستكشف هذا الكتاب العلاقة بين الهوية والهجرة والأمن في أوروبا، ويتناول كيفية تأثير هذه العوامل على السياسات الأمنية.
بالإضافة إلى ذلك، ساهم ويفر في العديد من المقالات والتحريرات في مجلات أكاديمية مرموقة، مما جعله شخصية بارزة في النقاشات الأكاديمية حول الأمن والعلاقات الدولية.
تأثيره على الدراسات الأمنية
لقد كان لمساهمات أولي ويفر تأثير عميق على مجال الدراسات الأمنية. من خلال تطوير مدرسة كوبنهاغن، تحدى ويفر المقاربات التقليدية وقدم منظورًا جديدًا لفهم الأمن. وقد أدت أفكاره إلى تحفيز الكثير من الأبحاث والنقاشات حول طبيعة الأمن، وكيفية تشكيله اجتماعيًا، ودور الفاعلين السياسيين في تحديد التهديدات الأمنية والاستجابة لها.
أدت مدرسة كوبنهاغن أيضًا إلى توسيع نطاق الدراسات الأمنية لتشمل قضايا غير عسكرية مثل الهجرة، والبيئة، والهوية. وقد ساهم هذا التوسع في فهم أعمق للتحديات الأمنية المعقدة التي تواجه العالم اليوم.
نقد مدرسة كوبنهاغن
على الرغم من تأثيرها الكبير، فقد تعرضت مدرسة كوبنهاغن للنقد من قبل العديد من الباحثين. يرى بعض النقاد أن مدرسة كوبنهاغن تركز بشكل كبير على الجوانب الخطابية للأمن وتتجاهل العوامل المادية والموضوعية التي تؤثر على الأمن. كما يرى البعض الآخر أن مفهوم “التأمين” يمكن أن يكون له آثار سلبية، حيث يمكن استخدامه لتبرير الإجراءات الاستثنائية التي تقوض الحريات المدنية وحقوق الإنسان.
بالإضافة إلى ذلك، انتقد بعض الباحثين مدرسة كوبنهاغن لكونها منحازة ثقافيًا وتعتمد على افتراضات غربية حول السياسة والمجتمع. ومع ذلك، فإن هذه الانتقادات لم تقلل من أهمية مدرسة كوبنهاغن كمساهمة قيمة في الدراسات الأمنية، ولا تزال أفكار ويفر مؤثرة في هذا المجال.
مؤلفات مختارة
- Buzan, B., Wæver, O., & de Wilde, J. (1998). Security: A new framework for analysis. Lynne Rienner Publishers.
- Wæver, O. (2004). Aberystwyth, Paris, Copenhagen: New ‘schools’ in security theory and their origins between core and periphery. International Studies Review, 6(2), 233-253.
- Wæver, O. (1995). Securitization and desecuritization. In On security (pp. 46-86). Columbia University Press.
خاتمة
أولي ويفر هو عالم بارز في مجال العلاقات الدولية والدراسات الأمنية، وأحد المؤسسين الرئيسيين لمدرسة كوبنهاغن. من خلال تطوير مفهوم “التأمين” وتوسيع نطاق الدراسات الأمنية، ساهم ويفر بشكل كبير في فهمنا للتحديات الأمنية المعقدة التي تواجه العالم اليوم. على الرغم من بعض الانتقادات، لا تزال أفكاره مؤثرة في النقاشات الأكاديمية والسياسية حول الأمن.